"فرنسا على حافة الهاوية".. مئات المعتقلين والمواجهات بين المحتجين والشرطة تتمدد
المواجهات بين المحتجين والشرطة تستمر في مختلف المدن الفرنسية، على خلفية مقتل شاب برصاص الشرطة، والحكومة تنشر 40 ألف شرطي في كل أنحاء البلاد.
شهدت منطقة الشاتليه، وسط العاصمة الفرنسية، أعمال شغب كبيرة، إذ تم تحطيم واجهات المحال. وقد شاغل أكثر من 100 شاب قوات الأمن التي اعتقلت بعضهم.
وتمددت الاحتجاجات في فرنسا إلى مرسيليا ومونبيليه ورين، وشهدت عدة مدن فرنسية مواجهات عنيفة بين الشرطة والمحتجين.
وفيما استمرت الاضطرابات في العديد من المدن في فرنسا لليلة الثالثة على التوالي، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، إلقاء القبض على 225 شخصاً.
من جهتها، نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصادر في وزارة الداخلية "اعتقال 421 شخصاً على الأقل" في عدة مدن.
كذلك، أفادت وسائل الإعلام المحلية بإلقاء القبض على 16 شخصاً على الأقل، وذلك بعد نهب شارع دي ريفولي؛ أحد أشهر شوارع باريس.
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت مشاهد تظهر إحراق المالية العامة في مدينة مونبلييه جنوبي فرنسا.
واشتعلت الحرائق في أوبيرفيلييه؛ إحدى ضواحي شمال باريس، لتطال عدة مناطق ومرافق، بينها محطة الحافلات.
وشمل التوتر أيضاً مدناً كبرى أخرى، مثل ليون جنوبي شرق البلاد، وتولوز في جنوبها الغربي. كما تعطّلت حركة المواصلات في شمال شرقي باريس بسبب الأضرار التي لحقت بالشوارع.
من جهتها، قررت الحكومة الفرنسية نشر 40 ألف شرطي ودركي، مساء أمس، في كل أنحاء البلاد، بينهم 5 آلاف في العاصمة باريس وضواحيها القريبة لمواجهة أعمال عنف محتملة.
وأوضح وزير الداخلية الفرنسي أن عدد قوات الأمن سيكون "أكثر بأربع مرات" مما كان عليه في الليلتين الماضيتين.
بدورها، أطلقت قوات الأمن الفرنسية، أمس الخميس، الغاز المسيل للدموع على مشاركين في "مسيرة بيضاء" تكريماً للفتى الذي قُتِل برصاص شرطي يوم الثلاثاء في ضاحية نانتير غرب باريس.
وافتتحت والدة الشاب، مرتديةً قميصاً كُتِب عليه "العدالة لنائل"، التظاهرة في حافلة صغيرة، وخلفها آلاف المشاركين الذين حملوا لافتات تحمل الشعار نفسه، ولافتات أخرى كُتِب عليها: "لن نقبل بتكرار ذلك أبداً".
من جهة أخرى، وُجِّهت أمس تهمة "القتل العمد" إلى الشرطي الذي أطلق النار على الفتى نائل، ووُضع في التوقيف الاحتياطي، وفقاً للنيابة.
فرنسا على حافة الهاوية... مجدداً
كذلك، رأت مجلة "سبكتاتور" البريطانية أن "ما كشفته وفاة نائل هو الانقسام العميق والمرير في فرنسا".
وذكرت المجلة أنّ في المدن الداخلية ما يسميه الفرنسيون "أراضي الجمهورية المفقودة" وحلفاءهم في أقصى اليسار. ومن ناحية أخرى، "أولئك الذين يلتزمون بقيم الجمهورية".
وأشارت المجلة إلى "تعاطف الكثيرين في فرنسا مع الضغط الذي تواجهه الشرطة بشكل يومي، إذ قُتِل الكثيرون أو أصيبوا بجروح بالغة أثناء أدائهم واجبهم"، كما قالت.
وعام 2021، كان هناك 27756 حالة، رفض فيها سائقون التوقف عند نقاط التفتيش. وفي 157 حالة، أطلقت الشرطة النار، بحسب ما أوردت "سبكتاتور".
وأشارت المجلة إلى ما قاله مدير شركة الاستطلاعات السياسية الرائدة في فرنسا، جيروم فوركيه، في مقابلة مع صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، إذ رأى أن "رفض التوقف عند نقاط التفتيش التابعة للشرطة هو وسيلة لإظهار الازدراء لسلطتها".
ويحسب فوركيه، فإن هذا الازدراء يمتد إلى جميع مؤسسات الجمهورية التي "تضاءل احترامها في قطاع كامل من المجتمع".
ورأت المجلة أنّ هذا الاحترام يتضاءل منذ عقود، مشيرةً إلى مقال نُشر قبل عام 1993، وصفت فيه العلاقات بين الشرطة وشباب المدن الداخلية بأنها "كارثية".
ووفقاً للمجلة، اندلعت هذه الكراهية المتبادلة عام 2005، عندما قام الآلاف بأعمال شغب في جميع أنحاء فرنسا لمدة 3 أسابيع.
ومنذ ذلك الحين، ظل "شبح انتفاضة مماثلة" يطارد المؤسسة الفرنسية. وقد أحجمت الحكومات المتعاقبة عن استعادة السيطرة على "الأراضي المفقودة"، واختارت بدلاً من ذلك سياسة الاسترضاء، كما أوردت "سبكتاتور".
واليوم، تقول المجلة إن ماكرون "يواجه خطراً آخر"، وهو "معاداة اليمين الذي سئم من الفوضى، ومعاداة اليسار أيضاً، الذي يعتقد أنه معادٍ للجمهورية بشكل متزايد".
وقالت المجلة: "بالنسبة إلى الكثيرين من اليمين، ليس هناك حاجة للشعور بالذنب حيال ما حدث في نانتير"، مضيفةً: "ليس خطأ الشرطة، بل خطأ الحكومات المتعاقبة التي أدى ضعفها وخوفها إلى تحويل أجزاء كبيرة من البلاد إلى مجرمين".
وذكّرت المجلة برسالة مفتوحة وجّهها أكثر من 1000 من العسكريين المتقاعدين عام 2021، بينهم 20 جنرالاً، تحذر ماكرون وتحثّه على "إعادة النظام إلى هذه المدن الداخلية".
وكتب هؤلاء: "ليس هناك وقت للمراوغة. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الحرب الأهلية غداً ستضع حداً للفوضى المتصاعدة. والقتلى الذين ستكون مسؤوليتهم على عاتقك سيكونون بالآلاف".
وتساءلت الصحيفة: "هل وصل هذا الغد؟"، مؤكدةً أن "البلاد في حال من الفوضى"، ومعتبرةً أن "ماكرون عليه أن يظهر قيادة جريئة وذكية وحاسمة في الأيام المقبلة"، وإلا فإن التاريخ يمكن أن يسجّله على أنه "الرجل الذي أشرف على انهيار بلاده".
تأتي كل هذه التطورات بعد مقتل الفتى نائل، الثلاثاء الماضي، في نانتير من مسافة قريبة خلال عملية تدقيق مروري، إذ أطلق شرطي النار عليه، وقالت الشرطة إنه "كان يقود بسرعة كبيرة في ممر الحافلات، ورفض التوقف عند الإشارة الحمراء".
من جهته، ندّد ماكرون بـ"أعمال عنف غير مبررة طالت المؤسسات والجمهورية" في اجتماع خلية أزمة وزارية دعاها إلى الانعقاد في وزارة الداخلية.
ودعت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، خلال جولة قرب باريس، إلى تجنّب "أي تصعيد"، معتبرةً أن "القضاء يؤدي وظيفته".
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها فرنسا أحداثاً كهذه، إذ كانت مسرحاً لأعمال عنف في مختلف المدن بسبب مقتل شبان يتحدّرون بغالبيتهم من أصول مغاربية ومن دول أفريقية أخرى خلال عمليات تدخّل للشرطة.