عارة تترقّب حريّته.. عن المناضل ماهر يونس وكفاح أعوام أسره الـ40
طوال 40 عاماً داخل سجون الاحتلال، أكد الأسير الفلسطيني ماهر يونس أنه أيقونة ثبات وصمود في مواجهة المحتل، إذ ظل متمسكاً بالأمل على الرغم من بطش السجّان.
بعد ساعاتٍ معدودة، سيخرج عميد الأسرى الفلسطينيين، ماهر يونس، من غياهب سجون الاحتلال الإسرائيلي، لينضم إلى ابن عمه، كريم يونس، الذي سبقه قبل أيام نحو الحرية.
غداً، يكمل الأسير ماهر يونس، عامه الـ40 في الأسر بشكلٍ متواصل، سيشهد بعدها تحرره المنتظر من معتقلات الاحتلال، لتجتمع بذلك عائلة يونس من جديد، محتضنةً بطليها كريم وماهر بعد سنين طويلة قضياها خلف القضبان.
40 عاماً قضاها الأسير يونس داخل زنازين الاحتلال، ذَبُل فيها الحديد ولم يذبُل قلبه. طوال هذه السنوات، التي حُرم فيها من توديع والديه وزيارة الأقارب، أكد المناضل الفلسطيني أنه أيقونة ثبات وصمود في مواجهة المحتل، إذ ظل متمسكاً بالأمل على الرغم من بطش السجّان.
قُبيل ساعاتٍ من موعده مع الحرية، أعرب الأسير يونس عن شوقه إلى لقاء أبناء شعبه، "بعد أن ملّت الأيام والسنوات من وجودي خلف القضبان". وفي رسالةٍ أخيرة له من داخل السجن قبل إنهاء حكمه، أكد أنّه ليس نادماً على ما قدّمه من أجل فلسطين، ومن أجل شعبه.
"بعد 40 عاماً.. لا يريدوننا أن نفرح"
مع كل أسيرٍ فلسطيني يغادر السجون الإسرائيلية، يسعى الاحتلال جاهداً لتنغيص هذه الفرحة، وخلق تعقيدات تُعرقل عملية تحرره من الأسر. وحالة الأسير ماهر يونس لم تكن استثناءً.
فقد أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين أنّ محاميتها غيد قاسم، ومنذ الساعات الأولى من صباح هذا اليوم، كانت موجودة في سجن النقب بهدف زيارة الأسير ماهر، وتفاجأت بقرار إدارة السجن بأنّ الزيارة لن تتم بسبب وجود قرار بتحويله إلى لقاء المخابرات. وعلى الرغم من المماطلة والتعقيدات، إلا أنّ المحامية أصرّت على زيارته، حتى سُمح لها ذلك قبل ساعات.
وأشارت الهيئة إلى أنه في ساعات الصباح، تمّ الطلب من عميد الأسرى بإحضار أغراضه ومقتنياته الشخصية، وتم نقله من القسم الموجود فيه إلى قسم التحقيق ومقابلة المخابرات، واستمر ذلك أكثر من خمس ساعات، قبل إعادة نقله إلى القسم.
إلا أنّ قمع الاحتلال لم يتوقف داخل السجن، بل طالت تحضيرات استقبال الأسير في بلدته عارة، داخل أراضي عام 48، التي تستعد لاستقبال ابنها. فقد أمر وزير الأمن القومي لدى الاحتلال، إيتمار بن غفير، شرطة الاحتلال بمنع الاحتفالات المرافقة للإفراج عنه، وذلك خلال جلسة تقييم انعقدت اليوم الثلاثاء، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
في إثر ذلك، أعلنت شرطة الاحتلال أنها على أهبّة الاستعداد لمنع أي عمل تضامن ودعم لتحرر الأسير الفلسطيني، مؤكدةً أنها أمرت بمنع التجمعات التي تحمل طابع مؤيد لهذه الخطوة، وذلك في محاولة منها للحدّ من الالتفاف والاحتضان الشعبي له فور الإفراج عنه.
View this post on Instagram
شقيق الأسير للميادين: قوات الاحتلال فرضت تقييدات عدة أمام العائلة
وفي هذا الصدد، أكد نادر يونس، أخ الأسير ماهر، في حديثٍ للميادين نت، أنّ قوات الاحتلال فرضت تقييدات عدة أمام العائلة، منها منع نصب خيمة لاستقبال المهنئين بتحرر الأسير، وفرض قيود على تجمهر المواطنين، ومنع بث أناشيد وأهازيج احتفالية عبر مكبرات الصوت، بالإضافة إلى منع إظهار أي شكل احتفالي أو مظهر من مظاهر الفرح.
كذلك، لفت نادر إلى أنّ قوات الاحتلال كانت تقوم ببعض المضايقات والتفتيشات اليومية في منازل عائلة الأسير، بالإضافة إلى طرح الأسئلة المتكررة على أفراد عائلته والتصوير داخل بيوتهم.
هذا الأمر أثار استياء عائلة الأسير بطبيعة الحال، إذ قالت والدته، وداد يونس، إنّ الاحتلال لا يريد السماح لهم بالفرح بعد 40 عاماً، لكنها أكدت أنّ هذا الأمر لم يحدّ من مشاعر الفرح بقرب تحرر ابنها الأسير، إذ إنها على أتمّ الاستعداد للقائه، بعد عقودٍ من الترقب والانتظار.
أما ابنها نادر، فلا تختلف مشاعره عن مشاعر والدته، حيث أكد للميادين نت أنّ العائلة ترحب بجميع المهنئين وأبوابها مفتوحة لاستقبال الجميع، معرباً عن سعادة العائلة وتشوّقها لاستقبال الأسير ماهر بين أحضانها.
اقرأ أيضاً: قبيل تحرره بـ40 ساعة.. الاحتلال يضيق على الأسير ماهر يونس ويخضعه للتحقيق
تاريخ نضالي طويل
تضييق الخناق من قبل الاحتلال على الأسير ماهر يونس وعائلته لم يكن مفاجئاً، نظراً إلى تاريخه النضالي ومسيرة صموده الطويلة في وجه الاحتلال. فهو ابن عائلة مناضلة، وابن أسيرٍ فلسطيني سابق أيضاً.
بالعودة 40 عاماً إلى الوراء، وتحديداً إلى الـ18 من كانون الثاني/يناير من العام 1983، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي يومها باعتقال الأسير ماهر، وذلك بعد أسبوعين من اعتقال ابن عمه، الأسير المحرر كريم يونس.
ووجّهت إليه النيابة العسكرية التابعة للاحتلال تهمة الانتماء إلى حركة "فتح" الفلسطينية، وقتل جندي من قوات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى تهمة حيازة أسلحة بطريقة "غير قانونية"، وذلك بعد تحقيقات أُجريت معه.
وفي بداية اعتقاله، حكمت عليه محكمة الاحتلال بالإعدام شنقاً، برفقة الأسيرين كريم وسامي يونس بتهمة "خيانة المواطنة". لكن بعد شهر، أصدرت المحكمة حُكماً بتخفيض العقوبة من الإعدام إلى السجن المؤبد مدى الحياة. وبعد جهودٍ قانونية كبيرة، حدّد الاحتلال في أيلول/ سبتمبر عام 2012 حكم المؤبد 40 عاماً لعددٍ من أسرى الداخل، من بينهم الأسير ماهر يونس.
وجرى اعتقال الأسير يونس وهو شاب بعمر 23 عاماً قبل أن يتمكن من الزواج، وأمضى سنين شبابه داخل زنازين الاحتلال من دون تأسيس عائلة. وكأنّ ذلك ليس كافياً، فقررت محكمة الاحتلال المركزية في الناصرة بمنع زيارة ذويه من الدرجة الثانية، ليُحرم حتى من التعرّف إلى جيلٍ كامل من أبناء وبنات إخوته.
إلا أنّ قرارات الاحتلال التعسفية والباطشة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ رفض الاحتلال التماساً تقدم به الأسير عام 2008 لرؤية والده وهو على فراش الموت، ليُفارق الحياة من دون أن يتمكن من لقائه وتوديعه. ووالد الأسير ماهر كان أيضاً أسيراً لدى الاحتلال لمدة 7 أعوام، اعتباراً من العام 1967.
وخلال فترة سجنه، خاض الأسير يونس إضراباً مفتوحاً عن الطعام لمدة 10 أيام، منذ الـ 25 من شباط/فبراير عام 2013 خلال وجوده في سجن "جلبوع"، وذلك بهدف إثارة قضية قدامى الأسرى والمطالبة بإطلاق سراحهم، قبل أن يقوم لاحقاً بتعليق إضرابه بعد تدخل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي وعد حينها برفع قضية الأسرى في سلم أولويات القيادة الفلسطينية.
وكان من المفترض أن يتم الإفراج عن الأسير يونس وزملائه قدامى أسرى الداخل الفلسطيني في ربيع عام 2014، ضمن الصفقة التي امتدت أشهراً طويلة والتزم الاحتلال فيها بإطلاق سراح قدامى الأسرى على أربع دفعات. إلا أنّ الاحتلال قام بإطلاق سراح ثلاث دفعات بواقع 26 أسيراً في كل دفعة، ونكث بالاتفاق، ولم يلتزم بإطلاق سراح الدفعة الرابعة، والتي كان ماهر من ضمنها.
هكذا، بقي الأسير ماهر يونس 4 عقود داخل القضبان، شارك خلالها في كافة معارك الحركة الأسيرة، ولم يعرف فيها اليأس ولا الاستسلام. عاش في السجن أكثر مما عاش مع عائلته، لكنه صبر سنيناً عجافاً على أمل لقائهم مجدداً. قبل أيام كانت بُشرى ابن عمه كريم، وبعد ساعات، تُشرق شمس الحرية عليه، ليجتمع شمل عائلة يونس من جديد.