"طوفان الأقصى" يثير الانقسامات في واشنطن.. كيف سيؤثر على سياستها في الشرق الأوسط؟
أزمةٌ جديدة تُضاف إلى أزمات الإدارة الأميركية السياسية، حيث تهدّد عدّة استقالات حدثت على خلفية التصعيد في غزّة تماسك وزارة الخارجية، إضافةً إلى مطالبة البيت الأبيض بكبح الانخراط الأميركي في الصراعات، ومخاوف من انعكاس الفشل الإسرائيلي على المصالح الأميركية.
ألقت معركة "طوفان الأقصى" المستمرة، والعدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، بتداعياتٍ واضحة على التفاعل الأميركي مع الأحداث، خصوصاً بعدما تكشّفت انقساماتٌ في المؤسّسات الرسمية الكبرى في الولايات المتحدة، كوزارة الخارجية والكونغرس بشكلٍ أساسي، ليطرح ذلك تساؤلاتٍ عديدة تتعلّق بالدور الأميركي في الأحداث ومدى تأثره.
رغم الدعم الأميركي غير المحدود لكيان الاحتلال في عدوانه، سجّلت جامعة "كوينيبياك" الأميركية الخاصّة أنّ ما نسبته 85% من الناخبين الأميركيين، "يشعرون بالقلق" تجاه إمكانية تصاعد الأحداث في فلسطين المحتلة إلى حربٍ أوسع في الشرق الأوسط، وذلك حسبما كشفه استطلاعٌ للرأي قامت به الجامعة، كشف أيضاً أنّ الأميركيين، الذين سئموا الصراعات الخارجية، يواجهون صراعاً آخر فجّرته الأحداث.
وأظهرت المقابلات مع الكثير من الناخبين الأميركيين في الولايات الرئيسية، والتي تضمّنها الاستطلاع الذي نُشرت نتائجه الثلاثاء، أنّه على الرغم من الدعم الذي تحظى به "إسرائيل" وأوكرانيا، فإنّ الكثيرين يشعرون بالانزعاج بشأن مدى مشاركة الولايات المتحدة وانخراطها في الصراعات، أو ما ينبغي لها القيام به أيضاً.
استقالاتٌ تكشف صدعاً
تتعزّز قراءة المزاج الشعبي الأميركي الرافض لمزيدٍ من تدخّلات واشنطن الفجّة في الصراعات وإشعالها وتقديم أكلافٍ كبيرة فيها، بقراءة أحداثٍ تشكّل صدعاً في عدّة مؤسّساتٍ أميركية رسمية، فقد حدثت استقالاتٌ في وزارة الخارجية الأميركية، وسط تقارير إعلامية أفادت بالتخطيط لعصيانٍ داخل الوزارة احتجاجاً على طريقة تعامل واشنطن مع الأحداث المستمرة في قطاع غزّة، وذلك وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
ذكر موقع "huffpost" الأميركي أنّ النهج الذي يتّبعه الرئيس الأميركي، جو بايدن، تجاه "أعمال العنف المستمرة في إسرائيل وفلسطين"، يؤدي إلى تأجيج التوترات المتصاعدة في وزارة الخارجية الأميركية.
وأورد الموقع، في تقريرٍ نشره الخميس، أنّ مسؤولين قالوا إنّ وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، وكبار مستشاريه يتجاهلون "الإحباط الداخلي واسع النطاق".
ولفت الموقع إلى أنّ "السلبية تظهر بطرقٍ مختلفة"، موضحاً أنّ أحد المسؤولين الأميركيين وصف زملاءه بأنّهم "مكتئبون وغاضبون بسبب كل ذلك"، بينما قال آخر إنّ عدّة موظفين "يفكّرون في الاستقالة"، ليتذكّر المسؤول زميلاً له وهو يبكي خلال اجتماعٍ حول وجهة نظرهم في الخارجية، مُرجعاً السبب إلى أنّ "البيانات السياسية الأميركية تؤكّد دعم إسرائيل على حساب حياة الفلسطينيين".
#شاهد | تظاهرات في مدينة #هيوستن الأميركية تنديداً بالعدوان على #غزة.#طوفان_الأقصى #الولايات_المتحدة#Free_Palestine pic.twitter.com/EHY8t4JCpK
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) October 22, 2023
الأربعاء، تقدّم بالاستقالة مدير الشؤون العامة والكونغرس في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية الأميركية، جوش بول، والذي يتعامل مع عمليات نقل الأسلحة، بحسب صحيفة واشنطن بوست" الأميركية، وهو الذي كان قد أعلن، في وقتٍ سابق، أنّه لا يستطيع دعم المزيد من المساعدات العسكرية الأميركية لـ"إسرائيل"، واصفاً ردّ الإدارة الأميركية بأنّه "فعلٌ متهور قائم على الإفلاس الفكري".
وقال بول، مُعلّقاً على استقالته، "سأغادر اليوم لأنّني أعتقد أنّه في مسارنا الحالي فيما يتعلق بتوفير الأسلحة الفتّاكة المستمر، بل الموسّع والمتسارع لإسرائيل، فقد وصلت إلى نهاية تلك الصفقة"، مُضيفاً أنّه لا يستطيع "قبول الاستمرار في وظيفةٍ تُسهم في مقتل مدنيين فلسطينيين".
وفي تعزيزٍ لأزمة الوزارة الأميركية، قدّمت رئيسة قسم "السلام في الشرق الأوسط" التابع للخارجية الأميركية، لارا فريدمان، استقالتها احتجاجاً على تعامل إدارة بايدن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، حيث تُعتبر فريدمان مرجعاً لدى الوزارة في السياسة الخارجية المتعلّقة بما تسميه "الصراع الإسرائيلي - العربي - الفلسطيني".
من جهته، سارع وزير الخارجية الأميركي، في محاولةٍ لتدارك الأزمة، إلى الإقرار بما وصفه "الأثر العاطفي" الذي تركته الحرب الدائرة على موظفيه، حيث وجّه رسالةً إلى جميع موظفي وزارته، ليل الخميس، أشار فيها إلى ما أسماه "الظروف الصعبة" التي تؤثّر على السلك الدبلوماسي الأميركي، لافتاً إلى شعور بعض المنتمين إليه بـ"موجات الخوف والتعصّب التي يولّدها النزاع".
يُشار إلى أنّه في علوٍ للأصوات الرافضة لسياسات واشنطن داخل أروقة المؤسّسات الحكومية الأميركية، وقّع أكثر من أربعمئة مسؤولٍ حكوميٍ أميركي على عريضةٍ انتقدوا فيها إدارة بايدن، بسبب ما وصفوه "إهمال دعم الفلسطينيين"، مؤكّدين أنّ الفلسطينيين يعيشون "معاناةً كارثية على أيدي الحكومة الإسرائيلية".
كما وتردّد صدى هذه الكلمات في مجلس الشيوخ الأميركي، حيث حثّ ثلاثون من أعضائه وزير الخارجية على العمل من أجل وقف إطلاق النار مطالبين بإيصال المساعدات إلى غزة، وذلك في انتقادٍ واضح لسياسة الدعم غير المتناهية للاحتلال.
ضعف يُضاف إلى تراجع الهيمنة
مع تعرّض الوجود العسكري الأميركي في العراق وسوريا إلى هجماتٍ تبنّتها فصائل المقاومة في المنطقة، اعترفت بها وزارة الدفاع الأميركية، تطرّق الإعلام الأميركي لدور واشنطن في العدوان المستمر على قطاع غزّة، وما يكشفه مِن واقع وجودها في المنطقة، لتسلّط شبكة "سي أن أن" الأميركية الضوء على ضعف الوجود العسكري الأميركي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، معقّبةً بقولها إنّ "ضعف واشنطن في تلك المنطقة بات واضحاً بشكلٍ صارخ".
الشبكة الأميركية قالت، في تقريرها التحليلي الذي نشرته الجمعة، إنّ قطاع غزّة "هو المكان الذي تدور فيه الحرب الآن، لكنّ مختلف أنحاء الشرق الأوسط تومض أضواء تحذيرٍ باللون الأحمر للمزيد من المشاكل المقبلة"، في إشارةٍ واضحة إلى ما يمكن أن تعانيه واشنطن من أعباء أمنية ومخاطر قد تفوق قدرتها في المنطقة.
"المقاومة باستهداف القواعد الأميركية في #العراق و #سوريا تطبق عملياً وحدة الساحات"
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) October 19, 2023
عضو المجلس السياسي لحركة النجباء فراس الياسر في #المسائية #الميادين #طوفان_الأقصى #فلسطين #غزة @wafasarayaaridi pic.twitter.com/muEAODvDMo
كما أشارت إلى أنّ الولايات المتحدة "تقترب من الاحتمال الحقيقي للغاية في التورط المباشر في حربٍ إقليمية جديدة في الشرق الأوسط"، حيث لفتت الشبكة، الإدارة الأميركية إلى أنّ هذه ليست "حرب الكويت" التي شنّتها عام 1991، أو غزوها للعراق عام 2003، حيث تفتقر واشنطن حالياً في دخولها للأحداث، التي شكّلت مفاجأةً لها ولكيان الاحتلال، إلى "التخطيط والإعداد الذي كانت تقوم به لأشهر في حملاتها السابقة".
اقرأ أيضاً: الحسيني للميادين: المقاومة العراقية تعلن دخولها المعركة باستهدافها القواعد الأميركية
وفي السياق ذاته، أكّد الإعلامي الأميركي الشهير، تاكر كارلسون، الخميس، أنّ الجيش الأميركي "أضعف من أيّ وقتٍ مضى منذ الأعوام الخمسين الماضية"، قائلاً إنّ "الوقت الآن ليس مناسباً لحربٍ عالمية ثالثة، لأنّ الولايات المتحدة سوف تخسرها"، مشيراً إلى أنّ الإدارة الأميركية "لا تستوعب هذا الأمر".
وأوضح كارلسون أنّ مخاطر الحرب في الشرق الأوسط على الولايات المتحدة الآن "أكبر بكثيرٍ مما يعتقده العديد من الأميركيين"، لافتاً إلى إمكانية توسّعها، خصوصاً مع وجود أطرافٍ أخرى من الممكن أن تشارك في الحرب القائمة اليوم بين كيان الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، مُشدّداً على أنّ معظم الدول "ستقف إلى الجانب الآخر من واشنطن في هذه اللحظة المفصلية".
ووجّه الإعلامي الأميركي انتقاداتٍ لاذعة لتصريحات بايدن الأخيرة، والتي وصف فيها الولايات المتحدة بأنّها "أقوى دولة في تاريخ البشرية"، حيث صرّح بأنّ "الجيش الأميركي منهكٌ بسبب الصراعات التي لا فائدة منها".
فشلٌ إسرائيلي يعني فشلاً أميركياً
يواصل الحديث عن "استعداد وتجهيز إسرائيل للدخول البري إلى قطاع غزّة" أخذ كثيرٍ من الزخم والتأثير. مسؤولون ومحلّلون ووسائل إعلام في الولايات المتحدة حذروا من عواقب مثل هذه الخطوة، خصوصاً وأنّه يتكوّن شبه إجماعٍ على أن كيان الاحتلال "يندفع باتجاهها انطلاقاً من تأثير صدمة الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر الجاري"، حيث لا يزال مذهولاً من إنجاز المقاومة الفلسطينية في "طوفان الأقصى".
في هذا الصدّد، الكاتب والصحافي الأميركي، توماس فريدمان، الحائز على جائزة "بوليتزر" لثلاث مرات، جدّد مطالبته في مقالٍ نشره في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، للرئيس الأميركي بالضغط على "إسرائيل" بشأن عدم الوقوع في ما أسماه "فخ الغزو البري لغزّة".
وشدّد فريدمان على أنّ ذلك سيكون مدمّراً للمصالح الإسرائيلية والأميركية أيضاً، كما أوضح في طرحه أنّ إقدام "إسرائيل" على الدخول إلى غزّة قد يؤدي إلى "إشعال حريقٍ عالمي، وتفجير هيكل التحالف المؤيّد لأميركا بالكامل"، لافتاً إلى ما بنته الولايات المتحدة في المنطقة منذ أن "هندس هنري كيسنجر نهاية حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973"، على حد وصف الكاتب الأميركي.
وتطرّق محلّلون إلى ما يمكن أن تُحدثه محاولة الدخول الإسرائيلي البري إلى قطاع غزّة، وتطوّر الأحداث الذي سيصاحبها، على المحاولات الأميركية لتطبيع علاقات "إسرائيل" بدولٍ في المنطقة، وخصوصاً المحاولات الأخيرة المتسارعة لتطبيع علاقات الكيان بالسعودية، وما يمكن أن يجنيه الاحتلال منها، ليؤكّدوا أنّ خطوةً كهذه ستكون بمثابة "تدميرٍ لكل جهود سنواتٍ من العمل على إنجاز صفقات التطبيع".
وفي سياق آخر، لم تغادر مشاهد الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانسان عام 2021 ذاكرة الأميركيين، إضافةً إلى الانسحاب من العراق تحت وطأة الخسائر، حيث أشار استطلاع جامعة "كوينيبياك" الذي أوردناه في البداية، إلى أنّ الناخبين "يشعرون بالاشمئزاز من العملية السياسية والانسحاب الفوضوي من حربٍ مؤلمة استمرت 20 عاماً".
وقال الكثيرون من الناخبين إنّ دافعهم كان "التحوّل إلى الداخل، نحو معالجة مشاكل مثل التضخّم، بعيداً عن التوترات الدولية المتصاعدة"، إضافةً إلى التعبير عن خشيةٍ كبيرة من فقدان واشنطن للدفة بين دعم أوكرانيا و"إسرائيل" الذي يستنزفها وحلفاءها الغربيين.
المخاوف تتفاقم لدى مستوياتٍ رسمية وشعبية أميركية مِن كون الفشل الإسرائيلي، الذي يحذّر منه مسؤولون أميركيون، في محاولة الدخول البري إلى قطاع غزّة،يعني فشلاً أميركياً مع هذا الدعم السياسي والعسكري المستمر والمتزايد، والذي يعتبره الفلسطينيون ومقاومتهم وحلفاؤها جزءاً من العدوان عليهم.