صحيفة أميركية: لواشنطن حلفاء ضعيفون وعديمو الجدوى عسكرياً
صحيفة "nationalinterest" الأميركية تقول إن "السياسة الأميركية التوسعية منعت تشكُّل حلفاء مهمّين للولايات المتحدة، بحيث تروّج واشنطن دولاً ضعيفة وعديمة الجدوى العسكرية حلفاءَ لها".
قال صحيفة "nationalinterest" الأميركية، إنه "منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان لدى المسؤولين الأميركيين مفهوم توسُّعي غير ملائم لما يشكل حلفاء استراتيجيين جديرين بالاهتمام للولايات المتحدة، بحيث، في كثير من الحالات، يكون الحلفاء الذين تروّجهم واشنطن عبارة عن دول صغيرة وضعيفة، وعديمة الجدوى عسكرياً، كما يمكن أن يكون بعض حلفائها على علاقة سيئة بدول مجاورة أكثر قوة".
وذكرت الصحيفة، في مقال، إنّ "من الأفضل لواشنطن أن تصبح أكثر انتقائية بشأن الدول التي تُدرجها في قائمة الحلفاء الخاصة بها، ويجب على قادة الولايات المتحدة التوقف عن رفع مستوى التابعين إلى مرتبة الحلفاء".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "عندما وصف المسؤولون الأميركيون، الأنظمة التي نصّبتها واشنطن من خلال القوة العسكرية في أفغانستان والعراق، بالحلفاء، أصبح من الواضح أنهم فقدوا حتى الحد الأدنى من فهم هذا المفهوم، بحيث أصبحت هذه النقطة واضحة تماماً عندما انهار عميلهم الأفغاني بين عشية وضحاها تقريباً في مواجهة هجوم طالبان العسكري".
وتابعت: "حان الوقت كي يقوم صانعو السياسة في الولايات المتحدة بعمل أفضل".
وبحسب الصحيفة، فإن "المشاكل المتعثرة، فيما يتعلق بالحصول على شركاء أمنيين ضعفاء للولايات المتحدة، كانت واضحة حتى خلال الحرب الباردة. وأصبح هذا الاتجاه أكثر وضوحاً في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وهذا ما أكده الفشل الذريع في أفغانستان (وقبله في جنوبي فيتنام). وبالتالي، فإن هذه المشكلة مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة موجودة في عدة اتجاهات".
وأكدت الصحيفة أن "الخلل أصبح أكثر حدة فيما يتعلق بحملة واشنطن لتوسيع الناتو إلى أوروبا الشرقية. فمنذ منتصف التسعينيات، عملت الإدارات الأميركية على إضافة مجموعة من أعضاء الناتو الجدد. وفعلت ذلك بقدر أقل من الانتقائية وحسن التقدير مما يستخدمه بعض الأشخاص لاكتساب أصدقاء في فيسبوك".
ولفتت الصحيفة إلى أن "العديدين من هؤلاء الأعضاء الجدد ليس لديهم الكثير ليقدموه إلى الولايات المتحدة، كشركاء أمنيين، بينما يعتبر البعض أن هؤلاء يمثلون دولاً صغيرة، أو دولاً تكاد تكون متناهية الصغر".
قرار واشنطن غير المبرَّر
وفق الصحيفة، فإن "من الصعب رؤية كيف يعزز حلفاء الناتو الجدد، مثل ألبانيا وسلوفينيا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية، قوة أميركا وأمنها، ويجب أن تكون هذه النقطة واضحة بناءً على حجم السكان وحده".
ورأت الصحيفة أن "من غير المرجح أن تثير القوات العسكرية، التي يمكن لحلفائنا الجدد في الناتو نشرها، الخوفَ في روسيا أو أي معتدٍ محتمل آخر، بحيث تتكون القوات المسلحة الألبانية من 8500 فرد في الخدمة الفعلية، وتتألف قوات سلوفينيا من 8500، ومقدونيا الشمالية لديها 9000 فرد. ويبلغ إجمالي قوة الخدمة الفعلية في الجبل الأسود 2400 جندي. وبالمقارنة، يوجد في دائرة شرطة أوستن في ولاية تكساس 2422 فرداً في صفوفها".
وأضافت أن "من المؤكد أن الناتو كان يضمّ، في فترة الحرب الباردة، بعض الدول الصغيرة كأعضاء، وأبرزها لوكسمبورغ وأيسلندا. ومع ذلك، كان هؤلاء الأعضاء يوجدون داخل أوروبا الغربية المستقرة والديمقراطية".
وقالت "كان دفاع هؤلاء أيضاً لا ينفصل جغرافياً عن مهمة واشنطن في حماية اللاعبين العسكريين والاقتصاديين المهمين، مثل ألمانيا الغربية وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، الأمر الذي بدا أنه قوة عظمى شمولية ذات طموحات توسعية".
وأضافت "كان هذا الوضع مغايراً نوعاً ما لقرار واشنطن غير المبرر بعد الحرب الباردة، بشأن إدارة أمن الدول الصغيرة المتشاحنة في البلقان، المضطربة بصورة مزمنة. ومنذ منتصف التسعينيات، تورّطت الولايات المتحدة في الخلافات الضيقة في المنطقة، لكن منح بعض الدول عضوية الناتو زاد في تعرض أميركا لمخاطر وأعباء لا داعي لها"، بحسب المقال.
وأشار المقال إلى أن "الولايات المتحدة تواجه خطراً مماثلاً، فيما يتعلق بعملائها الصغار في أوروبا الشرقية، لما كان عليه أيام الحرب الباردة. وكان قرار الرئيس جورج دبليو بوش دعمَ طلبات انضمام جمهوريات البلطيق الـ3 إلى عضوية الناتو، ولا يزال، استفزازياً للغاية لروسيا، بحيث تتجسد إحدى الطرائق الحاسمة، بشأن تقليل خطر الاشتباكات المسلحة بين القوى العظمى، بإظهار الاحترام المتبادل لمناطق النفوذ الخاصة بكل منها، إلاّ أن واشنطن انتهكت هذا المبدأ مراراً وتكراراً عبر دفع الناتو إلى التوسع حتى حدود روسيا".
جمهوريات البلطيق ليست أصولاً استراتيجية
وأوضحت الصحيفة أن "إضافة جمهوريات البلطيق في عام 2004 كانت أخطر خطوة في تلك العملية، كما في حالة الإضافة اللاحقة لدول البلقان الصغيرة إلى الناتو. ليس لدى دول البلطيق الـ3 كثير لتقدمه من حيث القدرات العسكرية، ولن تكون إستونيا، التي يبلغ قوامها 6700 جندي، أو لاتفيا مع ـ5500 جندي، أو حتى ليتوانيا مع 20500 جندي، عاملاً مهماً إذا اندلعت الحرب بين الناتو وروسيا".
ومع ذلك، فإن "عيوب جعل جمهوريات البلطيق تابعة لأمن الولايات المتحدة تذهب إلى أبعد من عدم أهميتها كلاعبين عسكريين"، وفق الصحيفة، التي تابعت أنه "كانت تلك البلدان الـ3 ذات يوم جزءاً من روسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي، ولا تزال الأقليات العرقية الروسية تعيش في كل من إستونيا ولاتفيا. وكان الكرملين اشتكى، في مناسبات متعددة منذ استقلال جمهوريات البلطيق في نهاية عام 1991، من أن السكان الروس يعانون التمييز وسوء المعاملة. وفي الواقع، ظهر هذا الادعاء قبل فترة طويلة من تولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئاسة روسيا، ولا تزال العلاقات بين الكرملين والأراضي السابقة متوترة بسبب هذه القضية".
وربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن "حلفاء واشنطن في منطقة البلطيق يتنازعون الآن مع العميل الرئيسي لموسكو في المنطقة، بيلاروسيا"، بحسب الصحيفة.
وقالت الصحيفة إنه "في الصيف والخريف لعام 2021، اتهمت لاتفيا وليتوانيا (إلى جانب الاتحاد الأوروبي) بيلاروسيا بمحاولة استخدام تدفق لاجئي الشرق الأوسط، كشكل من أشكال الحرب المختلطة، حتى إن الحكومة الليتوانية طلبت من حرس حدودها استخدام القوة إذا لزم الأمر من أجل منع استمرار دخول المهاجرين".
وأضافت "بعد وقت قصير، فرضت لاتفيا حالة الطوارئ للتعامل مع القضية نفسها. قبل ذلك بأسابيع قليلة، عززت ليتوانيا حاجزها الحدودي من خلال إقامة سياج بأسلاك شائكة، وسرعان ما حذت لاتفيا حذوها. كما أدت جولة جديدة من التدريبات العسكرية الواسعة النطاق بين روسيا وبيلاروسيا (تُجرى كل أربع سنوات)، في أيلول/سبتمبر، إلى زيادة حدة التوترات".
ووفق الصحيفة، فإنه بحكم الحجم والموقع، فإن "جمهوريات البلطيق ليست أصولاً استراتيجية ذات صدقية للولايات المتحدة، بل ستكون بلا حول ولا قوة تقريباً إذا اتخذت روسيا تحركاً عسكرياً ضدها".
وخلصت دراسة أجرتها مؤسسة "RAND"، في عام 2016، إلى أن "هجوماً روسياً سيتجاوز دفاعاتها في غضون 3 أيام تقريباً"، مشيرة أن "هذه الدول ليست حلفاء للولايات المتحدة في أي معنى. إنها معرضة للخطر، ويمكن أن تشعل حرباً بين الناتو وروسيا".
وقالت الصحيفة "تُعتبر علاقة الراعي والعملاء بجمهوريات البلطيق محفوفة بالمخاطر، وكان قادة الولايات المتحدة غير حكيمين في الضغط من أجل ضمهم إلى حلف الناتو. ومع ذلك، بدايةً من إدارة جورج دبليو بوش، انخرط المسؤولون في سلوك أكثر تهوراً فيما يتعلق بعضوية التحالف المحتملة لدولتين أخريين، جورجيا وأوكرانيا. لقد فعلوا ذلك على الرغم من التحذيرات المتكررة من الكرملين من أن جَعْلَ أيٍّ من البلدين (وخصوصاً أوكرانيا) عضواً في الناتو سيتجاوز الخط الأحمر، الذي لا تستطيع موسكو تحمله".
حتى العلاقات الأمنية غير الرسمية قد تسبب مشاكل خطيرة
وأفادت الصحيفة بأن "بوش أقام علاقة جيوسياسية ودية حقيقية بكل من جورجيا وأوكرانيا، وصوّرهما نموذجين للديمقراطيات الناشئة، وأشار مراراً وتكراراً إلى حلفاء الولايات المتحدة مستخدماً أكثر المصطلحات توهجاً".
ولفتت إلى أن "المعارضة الحازمة لفرنسا وألمانيا هي الوحيدة التي أحبطت جهود الضغط التي قام بها بوش لحمل الناتو على منح عضوية تبليسي وكييف، بحيث انزعجت برلين وباريس من الأدلة على الفساد المستشري في كلا البلدين، سياسياً واقتصادياً، لكنهما كانتا أكثر قلقاً من أن توسع الناتو الإضافي قد يؤدي إلى أزمة مع موسكو. وقد حالت معارضتهما المستمرة حتى الآن دون إضافة جورجيا وأوكرانيا إلى صفوف الناتو، حتى عندما أضاف الحلف عدة دول صغيرة في البلقان".
ومع ذلك، جعلت الإجراءات الأميركية، بصورة متزايدة، مسألة العضوية الرسمية تمييزاً من دون اختلاف. وتشير النتائج إلى أنه "حتى العلاقات الأمنية غير الرسمية وغير الحكيمة بالدول العميلة، يمكن أن تسبب مشاكل خطيرة". وكان بوش شجع جورجيا على "اتخاذ موقف أكثر حزماً ضد استمرار وجود قوات حفظ السلام الروسية في منطقتين منفصلتين، أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا".
وقالت الصحيفة إنه "بالإضافة إلى ذلك، كانت الولايات المتحدة منشغلة بتجهيز القوات العسكرية الجورجية وتدريبها، بحيث يبدو أن رئيس جورجيا، ميخائيل ساكاشفيلي، قرأ كثيراً في تعبير واشنطن عن الدعم. وفي آب/أغسطس 2008، شنت قواته هجوماً على الوحدات الروسية في أوسيتيا الجنوبية، وردت موسكو بهجوم واسع النطاق اجتاح تقريباً جزءاً كبيراً من جورجيا، عندها طلب ساكاشفيلي مساعدة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لصد "العدوان" الروسي".
وأضافت أن "بوش أعرب عن دعمه القوي لسيادة جورجيا"، لكنه أشار أيضاً إلى أن "القوات الأميركية لن تأتي لإنقاذ تبليسي. وحاول العميل للولايات المتحدة خلق مواجهة عسكرية بين الناتو وروسيا من أجل أهدافه الضيقة، لكنه أخطأ في قراءة إشارات واشنطن. ومع ذلك، كانت سياسة الولايات المتحدة الخرقاء مسؤولة جزئياً على الأقل عن تلك الحلقة الخطيرة".