شهران على نزاع السودان: معارك تزداد حدّة.. ولا حل في الأفق
الاشتباكات المستمرة في السودان، بعد نحو شهرين من الصراع، تدق ناقوس الخطر، إذ تتزايد التحذيرات الأممية من "كارثة إنسانية" تعيشها البلاد، إضافة إلى مخاوف من حدوث "جرائم ضد الإنسانية".
تستمر الاشتباكات الجارية في السودان، مسفرةً عن سقوط مزيد من الضحايا، مع انتهاء الشهر الثاني من النزاع بين الجيش بقيادة، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وقصفت طائرات حربية، الأربعاء، مدينة "الأبيض" في جنوبي السودان، وذلك غداة تحذيرات أطلقتها الأمم المتحدة من حصول "جرائم ضد الإنسانية" في إقليم دارفور الذي تتزايد فيه حدّة الاشتباكات.
وحوّلت الحرب التي تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة والطائرات الحربية والمسيّرات، العديد من أجزاء البلاد إلى مناطق "منكوبة".
المعارك تزداد حدةً عسكرية
وذكر شهود في مدينة "الأبيض"، الأربعاء، لوكالة "فرانس برس" أنّ طائراتٍ تابعة للجيش نفّذت "غاراتٍ جويّة للمرة الأولى في محيط المدينة، وهي عاصمة ولاية كردفان، والواقعة على بعد 350 كيلومتراً جنوبي الخرطوم، والتي تطوقها قوات الدعم السريع منذ بدء الحرب.
وكشف مسؤول عسكري في الخرطوم، بأنّ قوات الدعم السريع استخدمت في هجومها على سلاح المدرعات التابع للجيش، الثلاثاء، طائراتٍ من دون طيار، مؤكّداً أنّ ذلك يثير شكوكاً بشأن "من أين حصلوا عليها".
وفي المقابل، أكد مصدر من قوات الدعم السريع للوكالة أنّهم حصلوا على المسيّرات "من مراكز الجيش التي سيطروا عليها".
ويرى خبير عسكري أنّ هذا التطور في سير المعارك سيكون له أثرٌ في سير الحرب، متوقعاً أن تكون قوات الدعم السريع "حصلت على الطائرات المُسيّرة من مصنع اليرموك للصناعات العسكرية"، الواقع جنوبي الخرطوم.
وتدور منذ 15 نيسان/أبريل الماضي معارك طاحنة تتركّز في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور.
ويُذكر أنّ القتال أسفر عن مقتل أكثر من 1800 شخص منذ بدئه، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح "أكليد"، لكن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أكبر بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، تسبّب النزاع بنزوح نحو مليوني شخص، بينهم أكثر من 900 ألف فرّوا من العاصمة بسبب العنف، وأكثر من 475 ألفاً لجأوا إلى البلدان المجاورة.
كما أبرم الجانبان أكثر من اتفاقٍ لوقف النار، لم يصمد أي منها، لكنّ الطرفين التزما بشكلٍ كبير بهدنةٍ مدتها 24 ساعة، تمّت بوساطةٍ أميركية- سعودية انتهت صباح الأحد، اندلعت بعدها أعنف المعارك منذ أسابيع.
تحذيرات أممية من "جرائم ضد الإنسانية"
وتفاقمت صعوبة الاتصالات في السودان بشكلٍ عام، كما أنّ المعلومات عما يجري على الأرض غير متوافرة بدقة من مصادرٍ مستقلة، لا سيما من مناطق القتال في دارفور غربي البلاد.
ويعاني السودانيون من أزماتٍ متعددة من نقص في الوقود والمواد الغذائية والسيولة المالية، إضافة إلى تأثير صعوبة تنقل الأفراد والمركبات في الأوضاع المعيشية الصعبة.
اقرأ أيضاً: "وول ستريت جورنال": السودانيون يتضورون جوعاً مع استمرار القتال
وحذّر رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، الثلاثاء، من أنّ أعمال العنف التي يشهدها إقليم دارفور قد ترقى إلى "جرائم ضد الإنسانية"، كما يُذكر أنّ الحكومة السودانية أعلنت اعتبارها بيرتس "شخصاً غير مرغوب فيه".
وصرّح بيرتس بأنّه "مع استمرار تدهور الوضع في دارفور، يساورني القلق بشكل خاص إزاء الوضع في الجنينة (حي غربي دارفور) في أعقاب موجات العنف المختلفة، منذ أواخر نيسان/أبريل الماضي، والتي اتخذت أبعاداً عرقية".
وتحدّث بيرتس عن نمطٍ ناشئ من الهجمات واسعة النطاق التي تستهدف المدنيين "على أساس هوياتهم العرقية"، والتي يجري الحديث بشأن ارتكابها من جانب ميليشيات عربية وبعض الرجال المسلحين الذين يرتدون زي قوات الدعم السريع، وأشار بيرتس إلى أنّ "هذه التقارير مقلقة للغاية، وإذا تمّ التحقق منها، فقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".
ويضمّ إقليم دارفور نحو ربع سكان البلاد البالغ عددهم 45 مليون نسمة تقريباً، وهو الذي تسبب اندلاع نزاعٍ فيه بمقتل نحو 300 ألف شخص، في العقدين الماضيين، ونزوح 2.5 مليون شخص آخرين، بحسب الأمم المتحدة.
مؤتمرٌ دولي.. ما هي آفاق الحل؟
أعلنت وزارة الخارجية السعودية، الثلاثاء، أنّها سترأس بشكلٍ مشترك مؤتمراً رفيع المستوى، لإعلان التعهدات ودعم الاستجابة الإنسانية في السودان والمنطقة، يوم 19 حزيران/يونيو الجاري.
وبحسب بيان صادر عن الوزارة، فإنّ المملكة ستشترك في رئاسة هذا المؤتمر مع قطر ومصر وألمانيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وأوضحت الأمم المتحدة مؤخراً أنّ 25 مليون شخص، (أكثر من نصف سكان البلاد) يحتاجون إلى المساعدة والحماية في السودان، وأنّه جرى فقط تمويل 13% من حاجات المنظمة العالمية، حتى أواخر أيار/مايو الماضي، والتي تحتاج إلى 2.6 مليون دولار لمعالجة الأزمة.
كما باتت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة، وفق ما تؤكد مصادر طبية سودانية ودولية.
ومع تواصل القتال، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على القائدين المتحاربين، في مطلع الشهر الجاري، إذ أوضح مراقبون أنّه "لا يبدو أنّ القائدين العسكريين مستعدان للتفاوض على وقف الحرب"، خصوصاً وأنهما لم يلتزما بأغلب اتفاقات التهدئة السابقة.
ويجدر الذِكر بأنّ مسؤولاً سودانياً أكّد، الثلاثاء، لوكالة "فرانس برس" بأنّ البرهان لن يلتقي دقلو "في ظل الظروف الراهنة".
وجاء ذلك بعد إعلان الرئيس الكيني، وليام روتو، خلال قمة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، والتي عُقدت في جيبوتي، الإثنين، سعيه لعقد لقاءٍ مباشر بين الطرفين، وإطلاق مبادرة جديدة لحل الأزمة في السودان.