سلمية البرنامج النووي الإيراني تُحرج الغرب وتفضح أكاذيبه

طهران تؤكد أنّ البرنامج النووي الإيراني سلمي، وأنها ملتزمة تعهداتِها النوويةَ، واستمرار المفاوضات من أجل رفع العقوبات. وتشدد على أنّ البرنامج هو تحت إشراف الرقابة الشديدة والتفتيش من جانب المنظمة الدولية للطاقة الذرية.

  • لم يجد مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيّ وثيقة تُثبت أنّ البرنامج النووي الإيراني خارج الإطار السلمي
    لم يجد مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيّ وثيقة تُثبت أنّ البرنامج النووي الإيراني خارج الإطار السلمي

حرّم قائد الثورة الإسلامية في إيران، روح الله الموسوي الخميني، إنتاج الأسلحة الكيميائية والنووية واستخدامها، وأمر بتدمير الأبحاث السرية الخاصة بالأسلحة النووية، التي كانت في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، بحيث عملت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة - للمفارقة اللافتة - على دعم البرنامج النووي لـ"إيران الشاه"، بصفتها، في تلك الفترة، إحدى أكبر قواعدها في المنطقة.

وكان من الطبيعي أن تسير القيادة الإيرانية على خطى قائدها، بحيث أفتى المرشد السيد علي خامنئي فتواه الشهيرة، عام 2003، والتي ذكر فيها أنه "بالإضافة إلى السلاح النووي، فإنّ سائر صنوف أسلحة الدمار الشامل، كالأسلحة الكيميائية والجرثومية، تمثّل خطراً حقيقياً على البشرية".

لا يُخفى على أحد أنّ السيد خامنئي كرّر هذا الكلام في أكثر من خطاب، وخصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، عام 2015، فقال إنه "لا يمكن لأي قوة الوقوف أمام إيران إذا أرادت صناعة قنبلة ذرية، لكننا لا نريد صناعتها، بسبب تعارضها مع الشرع والإسلام".

من جهته، أكد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لدى تنصيبه، في آب/أغسطس 2021، أنّ برنامج إيران النووي "سلمي"، موضحاً أنه "وفقاً لمرسوم المرشد الأعلى الإيراني، فإنّ إيران تحظر الأسلحة النووية، ولا مكان لهذه الأسلحة في استراتيجية إيران الدفاعية".

حتى في أقصى درجات التوتر مع الغرب، لم ينحُ الإيرانيون نحو التصعيد العشوائي، فكان خطابهم عقلانياً وواضحاً، بحيث أكد وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، منذ أيام، أنّ "البرنامج النووي الإيراني سلمي، ونحن ملتزمون تعهداتِنا النوويةَ واستمرارَ المفاوضات من أجل رفع العقوبات".

آبشناس: أكثر من ثلث التفتيش النووي العالمي يتم في إيران

ما ذُكر سابقاً، يؤكده الكاتب والمحلل الإعلامي الإيراني، عماد آبشناس، فيقول: "ليس هناك أي تهديد نووي إيراني، فبرنامج طهران سلمي، وهم (الغرب) يعلمون بذلك. فكل البرنامج النووي الإيراني تحت إشراف الرقابة الشديدة والتفتيش من جانب المنظمة الدولية للطاقة الذرية".

ويكشف آبشناس، في لقاء مع "الميادين نت"، أنّ "أكثر من ثلث مجموع التفتيش لهذه المنظمة في العالم يتم في إيران"، مضيفاً أنه "حتى اللحظة، لم يحصل المفتشون على أيّ وثيقة تُثبت أن البرنامج النووي الإيراني خارج الإطار السلمي".

بالإضافة إلى التصريحات المعلنة بشأن سلمية البرنامج النووي الإيراني، أظهر الإيرانيون أكبر قدر من الشفافية فيما يتعلق ببرنامجهم النووي. وفي تصريح سابق للمتحدث باسم منظمة الطاقة النووية الإيرانية، بهروز كمالوندي، قال: "لعل برنامج إيران النووي السلمي أظهر أكبر نسبة من الشفافية حتى الآن، والعودة إلى نظام التحقق السابق مرهونة بتنفيذ التعهدات الواردة في الاتفاق النووي، من جانب جميع أطراف الاتفاق".

أمّا الملف المفتوح أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن "العثور على آثار لمواد نووية في مواقع إيرانية"، لم تصرّح إيران بأنها شهدت أنشطة من هذا النوع، فلطالما عدّته طهران ملفاً مسيَّساً، وهدفه الضغط عليها في المفاوضات النووية، وخصوصاً أنّ الوكالة لم تقدّم أدلّة موثوقاً بها.

قوة إيران والظروف الدولية في مصلحتها

وبشأن الاتهامات، التي تطال إيران بصورة دائمة، فيما يخصّ برنامجها النووي، يقول آبشناس إنها "واهية، وحججها ضعيفة، والدولة الإيرانية ردّت عليها بصمودها".

ويذهب إلى أبعد من ذلك، فيسترجع التاريخ قائلاً: "نعم، التاريخ يُعيد نفسه في صياغة الكذب والتهم وفبركتها (كما حدث قبل احتلال العراق مثلاً)، لكنّ الظروف الدولية باتت مغايرة. فلا روسيا اليوم هي الدولة المنهارة، التي تسعى للملمة نفسها، ولا الصين هي الدولة الصاعدة، التي تحاول دخول نادي الدول الاقتصادية الكبرى، ولا إيران منهارة، معنوياً وعسكرياً، كما كان العراق".

ويرى أنه "لو كان لدى الأميركيين أي أمل في مهاجمة إيران، من دون تكبُّد خسائر فادحة، لكانوا قاموا بالهجوم من دون انتظار نتائج أيّ مفاوضات".

"ليفتشوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة"

وتكرّر طهران أنّ مفتشي الوكالة زاروا إيران عدة مرات، في إطار تعاون إيران معها، وأكدوا الطابع السلمي لنشاطاتها النووية أكثر من مرة".

وتذهب القيادة الإيرانية أبعد من ذلك، عبر اتهامها الوكالة بأنّ تقريرها الأخير، بشأن وجود آثار نووية غير مصرّح بها، "مسيَّس"، و"مدفوع بتوجيهات إسرائيلية"، ولاسيما بعد لقاء مدير الوكالة، رافاييل غروسي، مسؤولين إسرائيليين.

وأكدت طهران أنّ "كل القضايا والأماكن والوثائق، ذات الصلة بالموضوع النووي الإيراني، والتي يطرحها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تُعَدّ "أموراً مزعومة وموجَّهة بدافع من إسرائيل".

وهنا، يعلّق آبشناس فيقول إنّ "التهديد الوحيد الموجود، بالنسبة إلى الشرق الأوسط، هو البرنامج النووي الإسرائيلي، ووجود الأسلحة النووية الإسرائيلية. وهم (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) لو كانوا صادقين، فكان يجب أن يقوموا بالتفتيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

التاريخ يُعيد نفسه: اتهامات واهية

وكانت فرنسا وبريطانيا وألمانيا أعربت مؤخراً عن "إحباطها" نتيجة مطلب إيران في المحادثات الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي، والذي يدعو إلى إغلاق ملف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمتعلق بـ"العثور على آثار يورانيوم في 3 مواقع" إيرانية. وادّعت الدول الثلاث أنّ "إيران اختارت عدم انتهاز فرصة دبلوماسية حاسمة، وواصلت، بدلاً من ذلك، التصعيد في برنامجها النووي".

وعلى المنوال نفسه، تتواصل الاتهامات الغربية اليوم، من حيث بثّ ادّعاءات، مفادها أنّ إيران في صدد تصنيع قنبلة نووية، من دون أدنى دليل حسيّ. وهذا، في حد ذاته، دليل قانوني دامغ على صحّة مواقف المسؤولين الإيرانيين بشأن برنامج بلادهم النووي. ويرى آبشناس، الذي يشخّص الوضع العالمي الراهن، أنه "بحسب أصول العلوم السياسية، فإنّ تعادل القوى يحدث عالمياً بين الدول. وحالياً، فإنّ التحالفات التي تشارك فيها إيران تؤدي إلى ايجاد تعادل للقوى مع الدول الغربية".

ويضيف أنّ "هذا التعادل يؤدي إلى إمكان أن تمضي إيران في كل خطواتها بشأن التطور، ومنها برنامجها النووي السلمي. وفي الحد الأدنى، فإنّ الولايات المتحدة لم يعد في إمكانها تمرير أي مشروع ضد إيران في مجلس الأمن الدولي مثلاً".

وفي سردية تؤكد استناد واشنطن دوماً إلى حجج واهية لدى قيامها بأي عدوان على دولة ما، نذكّر بأنّ العراق قدّم، في نهاية عام 2002، تقريراً ضخماً إلى مجلس الأمن الدولي، يتضمن برامجه العسكرية والمدنية التي يمكن أن تكون لها تطبيقات عسكرية، وذلك قبل نحو 4 أشهر فقط من غزو العراق.

ويجيب التقرير العراقي عن أسئلة بقيت عالقة بعد عمليات التفتيش، التي شهدها العراق بين عامي 1991 و1998، بحيث قدّم أدلّة تؤكد تخلصه من جميع القذائف والقنابل الكيميائية والجرثومية.

نورد ذلك من أجل التأكيد أنّ استخدام الغرب "شمّاعةَ" التهديد النووي الإيراني ليس سوى ذرّ للرماد في العيون، واستغلال ذلك بهدف ليّ ذراع المفاوض الإيراني.

وفي الإطار، يقول مستشار الوفد الإيراني المفاوض، محمد مرندي، للميادين نت، إنّ "المفاوضات أُنجزت وانتهت، ونحن الآن مختلفون بشأن عدة كلمات في نص الاتفاق فقط، وبشأن إغلاق الملف النووي الإيراني في الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

إيران تستفيد من قرب أفول الهيمنة الأميركية

ربما تشي هذه التطورات الجديدة ببعض الحلحلة الغربية، وخصوصاً أنّ التلويح بالعصا الغربية لإيران لم يعد يُجدي في ظل التوازنات الدولية والادعاءات الغربية. 

ويضع آبشناش سيناريو للمرحلة، فيجزمُ بأنّ "العالم الراهن سائر تجاه عالم متعدد الأقطاب، ونحو أفول الهيمنة الأميركية، وصولاً إلى إمكان انهيار الولايات المتحدة بعد هبوطها إلى المرتبة الثانية اقتصادياً، لأنها، بمجرد أن تخسر سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي، فإنّ آلاف المليارات من الديون المتراكمة سوف تعود إليها، كما أنّ عدة ولايات سوف تسعى للانسحاب من الولايات المتحدة، كي لا تتحمل عبء الديون الفدرالية.

ويختم بالقول إنه "بحسب عدد من الدراسات، فإنّ عام 2030 سوف يكون عام الحسم بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي. لهذا، تسعى الولايات المتحدة لتدمير الدول والمجموعات التي تهدد اقتصادها، مثل الاتحاد الأوروبي والصين، عبر إشعال الحروب".

اخترنا لك