"جيش" الاحتلال وحركة الاحتجاجات: تهديد وجودي.. وقلق من تفككه

الاحتجاجات، التي تشهدها "إسرائيل"، اعتراضاً على خطة الحكومة إدخال تعديلات في المؤسسة القضائية، تخترق جيش الاحتلال، والقلق في "تل أبيب" اليوم ليس من طهران، أو من انتفاضة فلسطينية، بل من "تفكك الجيش الإسرائيلي".

  • احتجاجات في
    احتجاجات في "إسرائيل" اعتراضاً على خطة الحكومة إدخال تعديلات في المؤسسة القضائية

حركة الاحتجاجات، التي تشهدها "إسرائيل"، اعتراضاً على خطة الحكومة إدخال تعديلات في المؤسسة القضائية، اخترقت أسوار جيش الاحتلال الإسرائيلي، مع تزايد الأنشطة الاعتراضية، التي يقوم بها جنود وضباط في تشكيل الاحتياط في الجيش. وأبدى مسؤولون عسكريون وأمنيون قلقهم من مدى تأثير هذه الحركة في فعّالية الجيش وتماسكه، لأنه يكمن، في الوضع الحالي، تهديد وجودي محتمل على "إسرائيل".

وأدّت مشاركة عناصر احتياط تابعين لوحدة العمليات الخاصة في شعبة الاستخبارات العسكرية، وسلاح الجو الإسرائيلي، ووحدات إضافية، في إطلاق الدعوات إلى عدم الالتحاق بالخدمة في الاحتياط، إلى إثارة مزيد من القلق لدى جهات متعددة، بسبب الدور المركزي لسلاح الجو ولهذه الوحدات في الأمن الإسرائيلي.

ورأت جهات إسرائيلية أنّ القلق الكبير في هيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال حالياً، ليس من إيران، أو من انتفاضة فلسطينية، بل من "تفكك الجيش الإسرائيلي". وأشارت هذه الجهات إلى أن دعوة رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال هرتسي هليفي، إلى المحافظة على وحدة جيش الاحتلال، فيها نوع من "الانفصال عن الواقع"، كون "الوحدة داخل الجيش تتفكك".

جيش الاحتلال والخلافات الداخلية

ونقل موقع "واينت"، عن ضابط كبير في جيش الاحتلال، قوله إنّ الخدمة العسكرية يجب أن تبقى فوق كل خلاف، مضيفاً أنه "ممنوع حتى التفكير في رفض الخدمة". وأشار الضابط الكبير إلى أن "الخلافات الداخلية يجب أن تبقى خارج الجيش الإسرائيلي".

وأفاد الموقع أيضاً بأنّ مسؤولين في الجيش قدّروا أنه يوجد، في الوضع الحالي، "تهديد وجوديّ محتملٌ" بسبب تزايد التهديدات الخارجية، وتفاقم الأزمة السياسية التي تمزّق "الشعب" في "إسرائيل"، والتي يمكن أن تؤدي إلى تفتّت، بصورة خطيرة، ليس فقط المِنعة الوطنية، بل أيضاً الحافزية لدى عناصر قوات الاحتلال.

وبشأن عدم إعلان ضباط كبار في جيش الاحتلال الإسرائيلي موقفهم بشأن خطة الحكومة القضائية، لفت موقع "واينت" إلى أن هؤلاء حذِرون من أن يتورطوا في "المواجهة السياسية – الأخلاقية، التي تشرذم شعب إسرائيل"، لأنهم لا يريدون أن تمنح تصريحاتٌ علنيةٌ صادرة عنهم "شرعية غير مباشرة لرفض الخدمة"، بحيث يمكن لهذا الأمر أن يُلحق ضرراً خطيراً بتشكيل الاحتياط.

خشية من "الرفض الرمادي" للخدمة العسكرية

ونقل موقع "واينت"، عن مسؤولين في هيئة الأركان العامة، قولهم إنّ "الرفض الرمادي" للخدمة العسكرية قد يُصبح "تهديداً وجودياً ضدّ إسرائيل". وشرح محلل الشؤون العسكرية في الموقع، رون بن يشاي، الفارق بين الرفض المباشر و"الرفض الرمادي" للخدمة العسكرية، فرأى أنّ الرفض المباشر هو ببساطة عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية، لا في الخدمة النظامية، ولا في الاحتياط، أو عدم تنفيذ أمرٍ قانوني. وهذا النوع من الرفض قد يُلحق ضرراً مباشراً، بصورة شبه فورية، بقدرات جيش الاحتلال الإسرائيلي.

أمّا "الرفض الرمادي"، بحسب يشاي، فيكون إمّا عبر تشكيل ملف طبي قبل التجنّد، وإمّا "تبنّي" بند نفسيّ خلال الخدمة، أو إبداء حافزية منخفضة، أو القيام بمشاكل في الانصياع للأوامر، كي يبادر الجيش إلى التخلص من هؤلاء العناصر. وأضاف يشاي أنّ هذا النوع من رفض الخدمة أخطر كثيراً، في المدى البعيد، إذ سيؤدي إلى انخفاضٍ مهم في عدد المتجنّدين في الخدمة القتالية في الوحدات الميدانية في الجيش الإسرائيلي، كما يمكن أن يُلحق ضرراً حقيقياً بكفاءة جيش الاحتلال الإسرائيلي وجاهزيته.

رسائل احتجاج من عناصر الاحتياط

القلق داخل المؤسستين العسكرية والأمنية من تأثير حركة الاحتجاجات ضد خطة الحكومة القضائية في خدمة الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي تعزَّزَ مع حديث تقارير إسرائيلية عن ازدياد حالات الاعتراض، التي يقوم بها عناصر من الاحتياط، ضد خطوات الحكومة، وذلك عبر التلويح بعدم التحاقهم بالخدمة في الاحتياط.

وفي هذا السياق، قال محلّل الشؤون الأمنية في صحيفة "هآرتس"، يوسي ملمان، إن الجيش الإسرائيلي يتلقى، في كلّ يوم، رسائل من عناصر احتياط يعلنون فيها أنهم لن يلتحقوا بالخدمة، أو أنهم يدرسون عدم الالتحاق بها.

وبحسب ملمان، فإن بين هؤلاء "وحدة العمليات الخاصة التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان)"، وهي "إحدى أكثر الوحدات الموجودة، حساسية وسريّة"، وفقا لـ"القناة الـ 12" الإسرائيلية، بحيث أعد مقاتلون في هذا الجهاز (تراوح عددهم بين 120 و250، بحسب تقارير إسرائيلية متعددة) رسالة، بحسب ملمان، أوضحوا فيها أنهم، في حال مُرّرت قوانين "الانقلاب" القضائي، سيرفضون التوجه إلى أنشطة عملانية.

وأشار ملمان إلى أن "وحدة العمليات الخاصة (في أمان) هي إحدى الهيئات الأساسية جداً في الجيش الإسرائيلي، وتعمل بتعاون وثيق مع الوحدات الخاصة، مثل سييرت متكال والشييطت والموساد والشاباك".

وفي سياق ذي صلة، كشف محلل الشؤون العسكرية في موقع "واينت"، بن يشاي، أن رئيس هيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، هرتسي هليفي، طلب محو أسماء أصحاب الرتب الرفيعة من قائمة الموقّعين على رسالة الاحتجاج من عناصر الاحتياط في وحدة العمليات الخاصة.

ووقّع أيضاً ضباط وجنود في لواء الأبحاث في "أمان" عريضة، بحسب مراسل الشؤون العسكرية في "القناة الـ 13"، أور هيلر، رأوا فيها أن التشريعات القضائية ستؤدي إلى المسّ، بصورة قاسية، بالديمقراطية الإسرائيلية. لذلك، فإنه "إذا تمت المصادقة على هذه التشريعات الخطيرة، فلن نستمر في التطوع في خدمة الاحتياط".

ووجّه خرّيجون من الوحدة "8200" في "أمان"، بحسب موقع "والاه" الإخباري، رسالة إلى حكومة الاحتلال، حذّروا فيها من وقوع كارثة كبيرة، أطلقوا عليها اسم "يوم غفران المجتمع الإسرائيلي"، ورأوا أنه توجد "إشارات تثير خشية حقيقية بشأن سلامة دولة إسرائيل وأمنها"، وهدّدوا بأنهم سيتوقفون عن الخدمة في الاحتياط إذا مُرّرت التعديلات القضائية بالكامل.

بالإضافة الى ذلك، أعد مقاتلون من خريجي وحدة "ميتار - موران" (وحدة خاصة مع صواريخ سرية ضد الدبابات) في سلاح المدفعية، عريضة، وفقاً لهيلر، تدعو أيضاً إلى وقف الخطوات التي "تُضعف المؤسسة القضائية والنظام الديمقراطي في إسرائيل".

وفي خطوة إضافية في المنحى ذاته، وقع نحو 500 عنصر من جهاز الأمن العام في إسرائيل، "الشاباك"، بحسب صحيفة "هآرتس"، على "التماسٍ ضد الانقلاب في نظام الحكم"، الذي تقوم به الحكومة. ووُجه الالتماس، بصورة محدَّدة، إلى وزير الزراعة، آفي ديختر، الذي كان رئيساً لـ"الشاباك". وأضافت الصحيفة أنه يوجد أيضا مسعى مشابه من جانب عاملين سابقين في "الموساد".

وأشارت "هآرتس" إلى أن حركة الاحتجاج، داخل تشكيلات الاحتياط، وصلت إلى سلاح الجو أيضاً، بحيث إن طيارين وملّاحين في الاحتياط، يُستدعون إلى تدريبات وتشغيل عملاني، تستمر أياماً، ويشاركون في هجمات في غزة وسوريا، ألمحوا إلى أنهم سيمتنعون عن الامتثال للخدمة.

وفي هذا السياق، أفاد محلّل الشؤون العسكريّة في "القناة الـ 13"، ألون بن دافيد، بأن ضابطاً رفيع المستوى في سلاح الجو، برتبة عميد، طلب التسرّح من منصبه في الاحتياط احتجاجاً على خطوات الحكومة. وهو الضابط الأرفع رتبة، الّذي يتّخذ خطوة كهذه حتى الآن.

وأضاف بن دافيد أن "الخشية الأساسية والعميقة في الجيش الإسرائيلي، على الرغم من أنهم (قادة الجيش) لا يتحدثون عن ذلك كثيراً، هي في سلاح الجو، الأكثر أهمية من أي وحدة ثانية في الجيش الإسرائيلي، لأن سلاح الجو يرتكز على طياري الاحتياط، الذين لا يوجد سلاح جو من دونهم ".

"الجيش الإسرائيلي يتفكك"

وقدّم عدد من المعلقين الإسرائيليين قراءات لأثر حركة الاحتجاج، التي يقوم بها عناصر الاحتياط، في جيش الاحتلال الإسرائيلي، فرأى محلل الشؤون الأمنية، يوسي ملمان، أن القلق الكبير الآني، لرئيس هيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال، الجنرال هرتسي هليفي، ليس من إيران، أو من انتفاضة فلسطينية، بل من "تفكك الجيش الإسرائيلي". وأضاف ملمان أنه يوجد، في دعوات هليفي إلى المحافظة على وحدة جيش الاحتلال الإسرائيلي، نوع من "الانفصال عن الواقع"، فـ"السدّ انفجر، والنزاع تغلغل في الجيش".

بدوره، وجّه محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "إسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، دعوة إلى هليفي، من أجل أن يفهم أنه "يوجد شيءٌ ما أساسي كُسِر، أو على عتبة الكسر". لذلك، مع الأهمية الكبيرة لدعوته إلى ترك الاحتجاج خارج أسيجة الجيش الإسرائيلي، "مطلوب منه أن يلتحق بنظرائه في الموساد والشاباك والشرطة، ويُحذّر الحكومة من إمكان وقوع ضررٍ بأمن إسرائيل لا يُصلح".

وفي حين وصف معلقون إسرائيليون بيان وحدة العمليات الخاصة ضد خطة الحكومة القضائية بالزلزال الحقيقي، رأى ليمور أن هذا البيان يُعَدّ إشارة تحذير، فهذه الوحدة، وطيارو سلاح الجو، وعناصر "الموساد" و"الشاباك"، يعتمدون بصورة كبيرة على الاحتياط، فهم عمودها الفقري، و"إذا غادروها، فلن يتوافر بديل منهم". لذلك، إذا ترك هؤلاء أعمالهم، فإن "إسرائيل ستكون أضعف. وإذا كانت أضعف، فهي ستنزف أكثر، وهذا أمر بديهي، لا نقاش فيه".

وأضاف ليمور أنّه "من دون طياري الاحتياط، لا هجوم على إيران، ولا جاهزية لحربٍ في الشمال، ومن المشكوك فيه أن تحدث غارات على سوريا، أو على قطاع غزة".

اقرأ أيضاً: "إسرائيل على حافة الهاوية".. مسؤولون يتحدثون عن اقتراب أعمال العنف

تتصاعد التظاهرات في "إسرائيل" ضد حكومة بنيامين نتنياهو، وخصوصاً بشأن مسألة التعديلات القضائية، فيما تتسع دائرة الاحتجاج ويتنامى القلق لدى الإسرائيليين من وصول الأمور إلى حرب أهلية أو تداعيات أمنية مختلفة.

اخترنا لك