تقرير: استمرار الصراع في السودان يمهد الطريق لتدخلٍ مصريٍ محتمل
السودان بموقعه وارتباطاته، يُعتبر عمقاً استراتيجياً هاماً لمصر، أمنياً واقتصادياً، مما يؤسس لتوقع تدخّلٍ مصريٍ يضمن مصالح القاهرة الاستراتيجية.
ذكر موقع "Geopolitical Monitor" الإخباري الكندي، في تقريرٍ نشره تحت عنوان "أزمة السودان تمهد الطريق لتدخلٍ مصريٍ محتمل"، أنّ الإدارة المصرية أمام تحدٍ كبير مع تفجّر الصراع في السودان وتسارعه، كونه يمثل منطقة عمقٍ استراتيجي أمني مصري.
وأكّد الموقع أنّه لطالما نظرت مصر إلى السودان على أنّه عمقٌ استراتيجيٌ مهمٌ لأمنها القومي، مما يجعل الأزمة المستمرة والمتسارعة في السودان، تطرح بلا شك على الإدارة المصرية مجموعةً من التحديات المعقدة والفريدة من نوعها.
وتنبع هذه التحديات أساساً من الوضع الداخلي المرتبط بالاقتصاد في مصر، بالتوازي مع العوامل الخارجية المتعلقة بسياستها الخارجية ومصالحها الاستراتيجية، والتي يمكن في بعض الأحيان أن تتعارض مع مصالح حلفاء القاهرة الإقليميين العرب والغربيين.
وقد بدأ الوضع في السودان بالفعل في التأثير على البلدان المجاورة له، مثل تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا، وذلك بسبب التدفق الهائل للمهاجرين، لكنّ التهديد الذي يواجه مصر هو أسوأ بكثير، حسب المقال.
ويضيف أن مصر مثّلت بالفعل "مكاناً لإقامة أكثر من خمسة ملايين سوداني"، قبل اندلاع القتال الدائر، يمثلون ما يتجاوز 10% من سكان السودان، لتستعد مصر لمزيدٍ من تدفق اللاجئين، إما بعبور الحدود أو التهريب، مع الأزمة المستمرة والمتنامية في السودان، إلى جانب الخوف من عدم القدرة على استيعاب هؤلاء اللاجئين.
وتتركز المخاوف لدى الدولة المصرية من أن تستغل جماعات التهريب الأوضاع الحالية لتصبح نشطةً بشكلٍ متزايد، مما يزيد من المخاطر المرتبطة بالإرهاب وتسلل الجماعات المتطرفة.
وأشار الموقع إلى محافظة قوات الدعم السريع السودانية على علاقات وثيقة مع إثيوبيا، وهو الأمر الذي تتعامل معه مصر بحذر، كونه لا يصب في مصلحتها.
ولفت الموقع إلى الشراكة التجارية التي تربط مصر بالسودان، وأهمية السودان كمصدرٍ استراتيجيٍ للثروة الحيوانية لمصر، ووجوده ضمن الخطط المصرية الاستثمارية الاستراتيجية في الإنتاج الزراعي والحيواني.
الواقع الميداني كمفتاح لفهم السلوك المصري المرتقب
أضاء الموقع على تمتع الأجهزة العسكرية والاستخبارايّة المصرية بالفعل بحضورٍ قويٍ في السودان، لافتاً إلى أنّ مصر قد لا تجد أي خيار آخر أمامها سوى مواجهة التهديدات التي قد تواجه أمنها القومي عبر قوتها العسكرية، خصوصاً في غياب قوةٍ واضحةٍ "صديقة" أو داعمة في السودان.
وذكر الموقع بأنّ المشير الليبي، خليفة حفتر، تلقّى تحذيراً حازماً من مصر بعدم دعم قوات الدعم السريع. كما أنّ مقتل موظف دبلوماسي في السفارة المصرية من قِبل قوات الدعم السريع يضع المزيد من الضغط من الجمهور المحلي على الإدارة المصرية، من حيث الحاجة إلى الرد.
وباستيلاء أحد أطراف النزاع على أحد مختبرات الصحة الوطنية في السودان، والتي تحتوي على موادٍ بيولوجية، بما في ذلك مسببات أمراض الكوليرا، فهذا لا يشكل خطراً بيولوجياً كبيراً على السودان فحسب، بل على الدول المجاورة له، مما يثير مخاوف وقوع مسببات الأمراض في أيدي الجماعات الإرهابية.
ويجلب الوضع المتدهور مجموعةً من التهديدات والمخاطر لمصر، والتي قد تجبر القاهرة على التدخل عسكرياً، أو على الأقل تقديم الدعم الكامل والواضح، في مرحلةٍ من النزاع، للقوات المسلحة السودانية.
واعتبر الموقع أنّه على الرغم من هذا القرار الصعب، إذا ما تم أخذه، فإن الوضع لا يزال يمثل فرصة ذهبية لمصر لإعادة مواءمة مصالحها وسياستها الخارجية مع القوى العالمية.
وتمتلك كلٌ من الولايات المتحدة ومصر فرصةً واضحةً لتعزيز العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون الاستراتيجي بشأن السودان، وذلك بعد سنواتٍ من الانحراف بين الجانبين حول القضايا الإقليمية، وفق الموقع.
ويضيف: "وقد ترى الإدارة المصرية أنّها فرصة لمواءمة مصالحها الاستراتيجية مع روسيا أيضاً بشأن أزمة السودان".
لا يزال من غير الواضح فعلياً متى وكيف ستتدخل مصر عسكرياً في الصراع، ومع ذلك، فإنّ الدلائل تشير إلى أنّ التدخل العسكري المصري في السودان ليس بعيد المنال، إذا استمر الوضع في التدهور، خاصةً أنّ المواجهة الحقيقية بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، من المتوقع أن تتكشف بعد أن تقترب معظم عمليات الإجلاء الحالية للأجانب من الانتهاء.
وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد أكّد أنّ مصر تحرص على عدم التدخل في الشوون الداخلية لأيّ دولة، بما فيها السودان، قائلاً إنّ "السياسة المصرية دائماً ما تتسم بالتوازن"، وكاشفاً أنّه "عرض الوساطة على الأطراف السودانية".
وتواصلت المعارك العنيفة في السودان، الثلاثاء، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، رغم هدنة يتم تمديدها بانتظام من دون الالتزام بها، فيما يُحذر المجتمع الدولي من وضع إنساني "كارثي".