"قوارب الموت" في المتوسط.. ما الذي يدفع شباب تونس إليها؟
على الرغم من خطورتها، فإن جزءاً كبيراً من التونسيين يفضّل الهجرة غير الشرعية أملاً في الوصول إلى بلاد يحصلون فيها على حياة كريمة. فيما يلي تفصيل لواقع الهجرة غير النظامية، بالاستناد إلى مقابلة مع نائب رئيس المنتدى الاقتصادي والاجتماعي في تونس رمضان بن عمر.
على متن "قوارب الموت"، يضع شبان وشابات تونسيون مصائرهم، من أجل عبور السواحل التونسية وصولاً إلى أوروبا. باتت القارة العجوز بمثابة طَوق الخلاص لآلاف المهاجرين غير الشرعيين، والذين يحلمون بحياة آمنة.
وعلى الرّغم من خطورة الرحلة، التي خلّفت منذ عام 2011 أكثر من 1500 مفقود تونسي، فإنّ الأمل في حياة كريمة كان المبرِّر لاستمرار تدفّق الآلاف نحو الهجرة غير الشرعية.
في الداخل التونسي، تحوّلت الهجرة غير الشرعية وضحاياها إلى خبر شبه اعتيادي. يستمع المواطنون يومياً إلى خبر إحباط محاولات اجتياز قوارب غير نظامية، أبحرت من السواحل التونسية في اتّجاه إيطاليا، بينما تبلغ تكلفة العبور بين 3 آلاف و10 آلاف دينار تونسي (بين 1080 و3600 دولار) للشخص الواحد.
وعلى الرّغم من أن تونس لطالما شهدت موجات هجرة غير شرعية متواصلة، فإنّ النصف الأول من عام 2021 كان استثنائياً. بدا واضحاً الارتفاع في إقدام الأفراد على الهجرة، وتحديداً ظاهرة القصّر، نتيجة عوامل اقتصادية واجتماعية.
ارتفاع ملحوظ في عام 2021 في أعداد المهاجرين
المنتدى الاقتصادي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رصد منذ بداية عام 2021، وصول أكثر من 8 آلاف مهاجر تونسي إلى السواحل الإيطالية. ويُعَدّ هذا الرقم مرتفعاً مقارنة بعام 2020، الذي شهد وصول 12800 مهاجر تونسي، طوال العام كاملاً.
وبينما نجح كثيرون في الوصول إلى أوروبا، تم إحباط عمليات اجتياز لأكثر من 12 ألف مهاجر غير نظامي، خلال عام 2021، بنسبة ارتفاع تتجاوز 54% مقارنه بالعام السابق.
ففي عام 2020، تم ترحيل أكثر من 2000 مهاجر غير نظامي وصلوا إلى إيطاليا.
باتت إيطاليا ترحّل مهاجرين غير نظاميين إلى تونس، بمعدَّل 4 مرات أسبوعياً، وكلّ سفرة ترحيل تضمّ 40 مهاجراً غير نظامي. كما أنّ السلطات الإيطالية تضغط حالياً من أجل أن يكون هذا الترحيل من دون سقف عددي، باعتبار أن الاتفاقية المبرَمة بين البلدين بشأن الهجرة غير النظامية، تُجبر إيطاليا على احترام السقف العددي.
24 % من المهاجرين التونسيين هم قُصّر
في ظلّ تزايد تدفُّق الهجرة غير النظامية، شكّل القصّر ظاهرة فارقة في الآونة الأخيرة، إذ مثّل هؤلاء القادمون إلى إیطالیا، من مختلف الجنسیات، 16.2% من جملة الواصلين إليها.
كما أنّ نسبة القصّر التونسیین من مجموع القادمين التونسیین إلى إیطالیا تبلغ نحو 24% خلال عام 2021، مع تسجيل وصول 227 قاصراً من دون مرافقة.
تعود أسباب هجرة القصّر إلى عوامل اقتصادية واجتماعية مرتبطة بوضعية الطفولة في تونس، من حیث الانقطاع المدرسي، وأزمة مؤسسات رعایة الطفولة، بالإضافة الى ما تعانیه العائلات جرّاء صعوبات عمّقتھا آثار جائحة كورونا.
كما أن انتشار المعطیات بشأن الحمایة الدولیة للقصّر ووضعِھم القانوني يُشّجع هؤلاء على المغامرة والھجرة.
وسجّلت هجرة العائلات ارتفاعاً ملحوظاً، مع نجاح أكثر من 300 عائلة في الوصول الى السواحل الإيطالية عام 2020.
"قوارب الموت": خِيار النساء للهروب من العنف المنزلي
منذ ثورة "الياسمين" عام 2011، تغيّرت ملامح الهجرة غير النظامية، شيئاً فشيئاً. فبعد أن كان المهاجرون هم الشبانَ المنقطعين عن الدراسة، والذين لا يجدون عملاً، باتت تُلاحَظ مشاركةُ النساء في الهجرة غير النظامية.
وارتفعت نسبة النساء اللواتي يهاجرن بهذه الطريقة، من 3% إلى 11% سنة 2020.
الضغوط والمسؤوليات المفروضة على كاهل المرأة جعلتها تذهب في هذا الاتجاه، وخصوصاً مع الالتزامات التي تقع على عاتقها، مثلها مثل الرجل، مجبَرةً على إيجاد الحلول لمساعدة عائلتها. كما أنّ العنف الذي تتعرّض له المرأة، نفسياً وجسدياً، قد يُجبرها على قرار الهجرة غير النظامية.
الثورة التونسية لم تُوقف "حَنفية" الهجرة
لم تحقّق ثورة "الحرية والكرامة" آمال الطامحين إلى مستقبل أفضل. ففي ذلك العام (2011)، سُجّل أكثر من 35 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا الى السواحل الإيطالية.
وبعد انتخابات عام 2014، عادت المطالبات الاجتماعية إلى صدارة الاهتمامات، لكن الحكومات واجهتها بالعنف الأمني والملاحقات القضائية، الأمر الذي خلق حالة من الإحباط لدى فئات اجتماعية متعددة.
تدفُّق المهاجرين غير الشرعيّين عاد إلى الارتفاع خلال السنوات الماضية، حتى سُجِّل أكثر من 6500 مهاجر عام 2017.
وواصلت نِسَب البطالة ارتفاعها، وازدادت الفئات المهمَّشة في المجتمع تهميشاً وفقراً، مع تسجيل تراجع في الخدمات العمومية التي تقدمها الدولة إلى الفئات الأكثر حاجة. وهكذا، أضحت "قوارب الموت"، على الرغم من خطورتها، بمثابة "قوارب نجاة" بعد انعدام الخيارات أمام الشباب.
ولم يعد اللجوء إلى قرار الهجرة غير الشرعية أمراً يقتصر على الفئات المهمَّشة والأميّين، بل بات أصحاب الشهادات يحذون حذوَ من سبقوهم.
ويُشارك أصحاب الشهادات بكثافة في الإقدام على الهجرة، بعد أن عجزت وظائفهم عن تحقيق الحد الأدنى من توقعاتهم.
وخلال عام 2020، أثقلت جائحة كورونا التداعيات الاقتصادية والاجتماعية على قطاعات كانت تملك قدرة تشغيلية عالية في تونس، مثل قطاعَي السياحة والخدمات، فضلاً عن معاناة إنسانية خلّفت أكثر من 20 ألف ضحية جرّاءَ الوباء، ليصبح بذلك الخلاص الفردي هو الحل، عبر "قوارب الموت"، وليس الخلاص الجماعي الذي يُفترض بالسلطة أن تؤمّنه.
ما هو دور المجتمع الدولي؟
بحسب المنتدى الاقتصادي والاجتماعي، فإن الدول الأوروبية تسعى دائماً لوضع سياسات للحدّ من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، فتقوم أوروبا بإعادة فتح النقاش داخل المجلس الأوروبي، من أجل ملاءمة سياسة الهجرة الخاصة بها.
وفي إطار الحدّ منها، التقت وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشيانا لامورغيسي الرئيسَ التونسي قيس سعيد، في تموز/ يوليو 2020.
وفي آب/أغسطس من العام نفسه، أعلنت تونس توفير وحدات بحرية وأجهزة مراقبة وفِرَق بحث على طول سواحلها في البحر المتوسط، لرصد نقاط الهجرة غير الشرعية، والتدخل الفعّال لضبط المهاجرين.