بعد 50 عاماً على عملية اللد .. كوزو أوكاموتو ما زال طريداً

بعد سنة من التحاقه بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة جورج حبش في لبنان، اختار وديع حداد أوكاموتو (24 عاماً) إلى جانب تسويوشي أوكودايرا، ياسويوكي ياسودا، لتنفيذ عملية مطار اللد.

  • المناضل أوكاموتو مع صورة وديع حداد بزيه العربي
    المناضل أوكاموتو مع صورة وديع حداد بزيه العربي

شنت السلطات اليابانية عام 1971 حملة واسعة على التنظيم الشيوعي "الجيش الأحمر"، بعد تأسيسه في العام نفسه، بتهمة إطاحة الحكومة اليابانية والحكم الإمبراطوري، وأنه جزء من ثورة عالمية في اليابان، فتمكنت حينها من القبض على نحو 200 عضو، من بينهم تاكايا شيومي، قائد التنظيم ومنظّره.

لهذا اضطرت القيادية في الجيش الأحمر فوساكو شيغينوبو إلى مغادرة بلدها مع مجموعة من رفاقها إلى لبنان في شباط/ فبراير من العام 1971 وعلى رأسهم القائد الكبير "عالم النباتات الياباني" كوزو أوكاموتو، سعياً للقاء قادة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" من أجل إقناعهم بالتحاق شيوعيين يابانيين في صفوف الجبهة، من أجل قتال الكيان الإسرائيلي ومساندة القضية الفلسطينية. فكانوا مثل عشرات المتطوعين الأجانب ممن أغرتهم قضية فلسطين، خاصة بعد هزيمة العام 1967  فكان دافعهم  هو اعتقادهم بأن المعركة واحدة على مستوى العالم كله، وإن كان لكل بلد أوضاعه وخصوصياته.

وديع حداد.. المهندس

حرص المناضل والقيادي الفلسطيني في "الجبهة الشعبية" وديع حداد على التواصل مع المنظمات الثورية من مختلف أنحاء العالم، ومنها: "بادر-ماينهوف" في ألمانيا، و"العمل المباشر" في فرنسا، بهدف إظهار الطابع العالمي للنضال الفلسطيني، باعتباره جزءاً من الثورة العالمية ضد الاستغلال ومن أجل الحرية والاستقلال. وقد عملت مجموعة "الجيش الأحمر الياباني" مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فكان المسؤول عن التواصل معهم واستقبالهم هو وديع حداد.

في عام 1972، كان حداد يخطط لشنّ عملية كبيرة تهزّ "دولة" الاحتلال، إذ خطط لإرسال مقاتلين لتنفيذ عملية مسلحة في مطار اللد (مطار بن غوريون)، وكان له هدفان أساسيان من العملية: الأول هو الانتقام لعملية تدمير أسطول طائرات شركة طيران الشرق الأوسط (13 طائرة) في مطار بيروت في العام 1968. فأراد حداد أن يرد بنفس التخطيط والحجم في مطار اللد. أما هدف حداد الثاني من العملية فكان اغتيال عالم الأسلحة البيولوجية البروفيسور الصهيوني أهارون كاتسير، والمرشح آنذاك لرئاسة الكيان الصهيوني، وهو شقيق إفرايم كاتسير، الذي صار لاحقاً رئيساً لـ"إسرائيل" في العام 1973 .

بعد سنة من التحاقه بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة جورج حبش في لبنان، اختار وديع حداد: أوكاموتو (واسمه الحركي: أحمد، 24 عاماً) إلى جانب تسويوشي أوكودايرا (باسم)، ياسويوكي ياسودا (صلاح)، لتنفيذ عملية مطار اللد في تل أبيب في 30 أيار / مايو من العام 1972.

تنفيذ عملية اللد

في ذلك اليوم، حطت في مطار اللد (سمّاه الصهاينة مطار بن غوريون الدولي) طائرة تابعة لشركة الطيران الفرنسية "إير فرانس" تحمل على متنها المجموعة التي أطلقت على نفسها مجموعة الشهيد "ريك أوغويللو" والمكونة من الثلاثي الياباني، ومن ضمنهم  "كوزو أوكاموتو" الذي كان يحمل جواز سفر مزوراً يحمل اسم "ديسوكي نامبا" وهو الاسم الذي أطلقه عليه "الجيش الأحمر الياباني"، نسبة للرجل الذي حاول اغتيال ولي العهد في حينه والإمبراطور اللاحق لليابان هيروهيتو في العام 1923.

وفي الساعة الـ 9.45  كان أفراد المجموعة موجودين  عند منطقة استلام الحقائب، وما إن أخذوها حتى أخرجوا رشاشات من طراز "كلاشينكوف" وبدأوا في إطلاق النيران، ورمي القنابل اليدوية على الطائرات الجاثمة في المطار وعلى قسم الجمارك و السيارات الموجودة في المكان، ما أدى الى سقوط 26 قتيلاً، من بينهم العالم البيولوجي الإسرائيلي المستهدف أهارون كاتسير، وأصيب أكثر من 80 فرداً. 

وقد استشهد ياسويوكي ياسودا في الاشتباكات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في المطار، أما تسويوشي أوكودايرا فاستشهد بواسطة قنبلة يدوية، أما كوزو فحاول الاستشهاد بقنبلة يدوية لم تنفجر بعدما أُصيب بجروح بالغة فتم أسره في أثناء محاولته الفرار من المطار.

على الفور، بدأت محاكمة "كوزو" من قِبل سلطات الكيان الصهيوني، وأعلن حينها في قاعة أمام القاضي: "إنني كجندي في الجيش الأحمر الياباني أحارب من أجل الثورة العالمية، وإذا مُت فسأتحول إلى نجم في السماء"، وصدرت بحقه ثلاثة أحكام بالسجن المؤبد، لينفذ عقوبته داخل زنزانة انفرادية لمدة 13 عاماً، أمضاها في العزل الانفرادي، تعرض خلالها إلى تعذيب جسدي ونفسي أفقده صحته النفسية والعقلية إلى حد كبير.

اغتيال الروائي غسان كنفاني

بعد العملية مباشرة، خرج الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية آنذاك، ليعلن عن تبنّي الجبهة للعملية، وقد رد جهاز "الموساد" الإسرائيلي بعد فترة وجيزة باغتيال كنفاني في تموز  / يوليو من العام 1972.

محاولة تحرير أوكاموتو

بعد اعتقال أوكاموتو واغتيال كنفاني بحوالى السنة، عزمت الجبهة الشعبية والجيش الأحمر على تنفيذ عملية بغرض تحرير أوكاموتو. ففي تموز / يوليو   1973 نفذ التنظيمان عملية اختطاف مشتركة لطائرة يابانية في هولندا، وطالبوا بالإفراج عن أوكاموتو، في مقابل الإفراج عن الرهائن على متن الطائرة، التي  قاموا باقتيادها إلى ليبيا، وحين رفض الاحتلال الصفقة، أطلقوا سراح الطاقم والركاب، ثم فجّروا الطائرة.

استمرت عمليات الجيش الأحمر حتى العام 1988، وكانت تتعاون معهم دول عدة، أهمها: ألمانيا الشرقية، وليبيا، واليمن الجنوبي، والجزائر، و فتحت لهم مطاراتها وسهلت حركتهم.

ومن أشهر عمليات الجيش الأحمر عملية كوالالمبور في آب/ أغسطس  1975، حين قام باختطاف 53 رهينة في مبنى الاتحاد الأميركي للتأمين وسط العاصمة الماليزية، كان بينهم القنصل الأميركي والسفير السويدي، وقد تم في إثرها إجراء صفقة تحرير 5 من أعضاء الجيش كانوا محتجزين في السجون اليابانية و تم إرسالهم محررين إلى ليبيا.

يقول أحد قيادات الجبهة الشعبية: "حاولنا أن نطلق سراح كوزو ولم ننجح، تمت المطالبة بإطلاق سراحه في عملية عنتيبي وسواها، نحن لم ننسَ أي فرد شارك معنا لكن أحياناً لا تستطيع تحقيق ما تريد".

إطلاق سراح أوكاموتو عام 1985 

وفي العام 1985، أبرمت "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" صفقة تبادل "النورس" مع الاحتلال، و اشترطت الجبهة أن يكون اسم أوكاموتو ضمن الأسرى المُحررين، فتم الإفراح عنه. 

وبعدها، توجه "كوزو" إلى الأراضي الليبية، حيث استقبلته "الجبهة الشعبية" بحفاوة كبيرة قبل أن يذهب إلى سوريا ببطاقة مزورة، ومنها وصل إلى لبنان مع 4 من رفاقه في الجيش الأحمر الياباني. وعاشوا معه في البقاع الغربي حتى شباط / فبراير 1997.

اعتقال أوكاموتو مجدداً في لبنان عام 1997 

بعد فترة من وصوله إلى الأراضي اللبنانية ونتيجة ضغوط يابانية متواصلة على السلطات اللبنانية، دهمت القوى الأمنية اللبنانية منزل أمية عبود وألقت السلطات اللبنانية القبض على كوزو ورفاقه بتهمه "الدخول إلى البلاد خلسة وتزوير مستندات" في عام 1997، بعدما كانوا أقاموا نحو 10 سنوات في سهل البقاع في قاعدة عسكرية متاخمة للحدود اللبنانية السورية. وقد صدر قرار بحبسهم لمدة 3 سنوات، وأعلن كوزو حينها: "بعد القيام بعملية اللد ظننت أنني أصبحت مواطناً عربياً يحق لي الإقامة في أي قُطر عربي".

 بعد انقضاء فترة حكمهم، أفرجت السلطات اللبنانية عنهم، وتم في عام  2000  منح كوزو أوكاموتو حق اللجوء السياسي في لبنان بعدما رضخت الحكومة اللبنانية وقتذاك إلى ضغط الرأي العام نظراً لتاريخه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

أما رفاق كوزو فقد تم ترحيلهم في آذار / مارس 2000 من لبنان إلى الأردن، علماً أن هؤلاء اليابانيين، بالإضافة إلى كوزو، يعدون أبطالاً في نظر غالبية اللبنانيين لنصرتهم القضية الفلسطينية ومجابهة "إسرائيل" التي تحتل أراضي لبنانية، وقامت السلطات الأردنية بطردهم إلى اليابان، وغادروا عمان بصحبة دبلوماسيين يابانيين، وقامت قوات الشرطة اليابانية المسلحة باحتجازهم فور وصولهم إلى مطار ناريتا في طوكيو، والأشخاص الذين اعتقلوا هم: ماساو آداتشي البالغ من العمر 59 عاماً، وكازو توهيرا 46 عاماً، وهاروو واكو 50 عاماً إضافة إلى ماريكو ياماموتو البالغة من العمر 58 عاماً. وبحسب مصادر "الجبهة الشعبية" فقد تم إطلاق سراحهم قبل فترة من السجون اليابانية.

اليابان تطالب مجدداً باعتقال كوزو

عام 2020، تقدمت الحكومة اليابانية مجدداً، بطلب رسمي إلى السلطات اللبنانية بتسليم كوزو لليابان برغم بلوغه 73 عاماً من عمره، لكن الأمن العام اللبناني أبلغ السلطات اليابانية أنه لا توجد اتفاقية تبادل بين البلدين وأن الرجل في خريف العمر وأن السلطات اللبنانية لن توافق على تسليمه نهائياً.

واليوم،  لا يزال أوكاموتو مطلوباً للدولة اليابانية؛ إذ طلبت حكومة طوكيو من لبنان تسليمه إليها. تقول مي شيغينوبو، ابنة مؤسسة الجيش الأحمر الياباني فوساكو شيغينوبو التي أطلق سراحها أواخر الشهر الماضي في أيار/مايو بعد 20 عاماً في سجون اليابان، "لن يشكل (أوكاموتو) تهديداً على إسرائيل أو اليابان، لكن اليابان لا تزال تطالب كل عام باستعادته، لذلك هناك تركيز عليه برغم حالته الصحية والنفسية". وتضيف مي التي نشأت في لبنان، "لا يمكنني أن أستبعد احتمال أن حياته لا تزال مهددة".

ويعيش أوكاموتو منذ ذلك الحين برعاية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي تتعامل معه باحترام فائق وتؤمن له كافة احتياجاته.

وفي ظهورٍ نادر، في 31 أيار/مايو الماضي، شارك كوزو أوكاموتو (74 عاماً)، الناجي الوحيد بين المنفذين الثلاثة للعملية، في إحياء ذكرى مرور 50 عاماً على عملية مطار اللد، في مخيم شاتيلا في بيروت.

نشير إلى أن عملية مطار اللد من أشهر العمليات التي قامت بها منظمة الجيش الأحمر؛ وقد اكتسبت من خلالها شهرة عالمية وأصبح اسمها منذ ذلك الحين مرتبطاً بالثورة والنضال الفلسطينيين.

اخترنا لك