بعد التقارب التركي السوري.. ما السيناريو الذي ينتظر الكرد؟
لقاء وزراء الدفاع الذي استضافته موسكو والذي ضمّ سوريا وتركيا، فسّره البعض أنّه بدايةٌ لذوبان جبال الجليد بين البلدين. وهو ما ينظر إليه على أنه توافق على عملية واسعة قد يكون ضحيتها الكرد.
شجّعت روسيا التقارب بين تركيا وسوريا، وذلك بعد قطيعةٍ استمرّت نحو 11 عاماً، إذ استضافت موسكو قبل أيام اجتماعاً ضمّ وزيري الدفاع التركي والسوري، في خطوةٍ سبقتها مؤشرات على تقاربٍ بين البلدين المتخاصمين من شأنه أن يضع القوّات الكردية أمام خياراتٍ أحلاها مرّ.
وكشف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لصحيفة "الصباح" التركية، اليوم، الرسائل التي نقلتها أنقرة إلى دمشق خلال اجتماع موسكو، وهي: احترام وحدة الأراضي السورية وسلامتها وسيادتها، وأنّ الوجود التركي على الأراضي السورية هدفه محاربة الإرهاب كتنظيم "داعش" والقوات الكردية، إضافةً إلى موضوع اللاجئين السوريين في تركيا، وعودتهم الطوعية الآمنة إلى بلادهم.
سياسة تركيا تجاه سوريا من النقيض إلى النقيض
صرّحت أنقرة التي كانت حليفاً اقتصادياً وسياسياً أساسياً لدمشق قبل الحرب على سوريا، غير مرّة بأنها تحترم وحدة أراضيها، وأنّ هدف أنقرة هو محاربة الإرهاب على الأراضي السورية، لحماية أمنها القومي، وفق زعمها.
وتتخوف تركيا التي أغلقت سفارتها في دمشق في آذار/مارس 2012، وقدّمت دعماً غير محدود للمعارضة المسلحة في سوريا، من وجود الجماعات الكردية على حدودها المشتركة مع دمشق وبغداد أيضاً، ولذلك شنّت منذ العام 2016، نحو 3 هجمات ضد المقاتلين الكرد، مكّنتها من السيطرة على أراضٍ سورية حدودية واسعة، لكنها لم تدخل في مواجهةٍ مباشرة مع دمشق، إلا بشكلٍ محدود في العام 2020، سرعان ما انتهت بوساطة روسية.
التوغل التركي بدأ العام 2016 عندما دخل الجيش التركي جرابلس للمرة الأولى بضوءٍ أخضر روسي. وبعدها، اجتاح منطقة عفرين في كانون الثاني/يناير 2018، بموافقة روسية وأميركية مشتركة. إضافةً إلى ذلك، قام في العام 2019 بالتوغل شرق الفرات بموافقة واشنطن وموسكو، فسيطر على المنطقة الممتدة من تل أبيض إلى رأس العين، أي بعرض 110 كم، وبعمق يتراوح بين 10-30 كم.
هذا التوغّل جاء بعد سلسلةٍ من التهديدات التي أطلقها الرئيس رجب طيب إردوغان ضد المسلحين الكرد في شرق الفرات، والذين كان يصفهم بأنّهم "يُشكّلون خطراً على الأمن القومي للبلاد"، بذريعة أنّ هؤلاء المسلحين، أي وحدات حماية الشعب الكردية، هي الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي.
ويُعدّ الوجود التركي على الأراضي السورية الأكبر في دولة عربية منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في 1918، لذلك، فإنّ المشهد يعكس دور تركيا العميق في رسم مستقبل الشمال السوري، بعدما نفّذت توغلات عسكرية لدفع وحدات حماية الشعب الكردي بعيداً عن الحدود.
اقرأ أيضاً: المصالحة التركية - السورية.. في مهب الرياح الشمالية الشرقية
وبعد سنوات القطيعة، برزت تدريجياً مؤشرات التقارب، وعلى هامش قمّة إقليمية في العام 2021، أجرى وزيرا خارجية البلدين محادثة مقتضبة غير رسمية.
بعدها، وفي 11 آب/أغسطس الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن لقاء جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد، وجرت خلاله محادثة قصيرة بينهما على هامش اجتماعات حركة عدم الانحياز في بلغراد العام الماضي، مؤكداً في الوقت ذاته ضرورة حدوث "توافق" بين المعارضة والحكومة.
وتزامناً مع تهديده بشنّ هجومٍ بري ضد الكرد، قال إردوغان في كانون الأول/ديسمبر، إنّ احتمال لقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد "ممكن"، وجدّد الشهر الماضي الإشارة إلى إمكانية حصول اللقاء بعد اجتماعاتٍ على مستوى وزيري الدفاع والخارجية.
ما السيناريو الذي ينتظر الكرد؟
حَمَلَ اللقاء الأخير بين دمشق وأنقرة في موسكو توافقاً على 7 نقاط من أصل 9 بشأن منظمة العمال الكردستاني، وفق صحيفة "خبر ترك".
ومن خلال اللقاء الذي جمع الطرفين في موسكو، يمكن تطوير موقف مشترك ضد حزب العمال الكردستاني، الذي تدعمه الولايات المتحدة الأميركية، ولكن الاختلاف الأكبر وفق الصحيفة، يأتي حول حل "قضية إدلب"، وهو الجزء الأكثر تحدياً في هذه العملية بين دمشق وأنقرة.
من جهتها، تنظر قوات سوريا الديمقراطية بعين الشك والريبة إلى الاجتماع الذي دار بين وزيري دفاع الحكومتين التركية والسورية في موسكو، مشددةً على ضرورة مواجهة هذا التحالف.
ويقول الباحث الفرنسي المتخصّص في الشأن السوري فابريس بالانش: "الهدف المباشر للدول الثلاث هو القضاء على قوات سوريا الديمقراطية".
وتريد أنقرة، وفق بالانش، "القضاء على التهديد الكردي" قرب حدودها، بينما تسعى موسكو إلى "تصفية حليف للولايات المتحدة في سوريا، أي قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي تقوية حليفتها سوريا".
أما دمشق، وفق بالانش فتريد استعادة الأراضي وخصوصاً ثروتها النفطية من الكرد في شمال شرق البلاد، ولا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بها، وتنتظر من تركيا "القضاء على المسلحين في إدلب ومحيطها".
في المقابل، نقلت صحيفة "الوطن" السورية عن مسؤولين سوريين قولهم إنّ تركيا وافقت خلال الاجتماع الثلاثي على الانسحاب الكامل من الأراضي التي تسيطر عليها في الشمال السوري، مؤكدةً احترام وحدة الأراضي السورية وسلامتها.
ولفتت المصادر إلى أنّه جرت مناقشة فتح الطريق الدولية "أم-4" تنفيذاً لاتفاق العام 2020، الذي جرى بين روسيا وتركيا، لافتةً إلى أنّ الأطراف المجتمعة اتفقت على اعتبار حزب العمال الكردستاني مليشيا عميلة للولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل"، وتُشكّل خطراً على سوريا وتركيا.
اللاجئون السوريون في تركيا غير مرحّب بهم
وفق الإحصاءات، تستضيف تركيا ما لا يقل عن 3.7 مليون لاجئ سوري، ومع تصاعد المشكلات الاقتصادية فيها، تحوّلت مشاعر الأتراك العامة، إلى حدٍ ما، ضد اللاجئين السوريين.
وتُشير المصادر إلى أنّ الجانب التركي يريد وضع خارطة طريق على الطاولة من أجل العودة الآمنة للاجئين السوريين، إذ اقترح الجانب الروسي إمكانية تنفيذ النموذجين اللبناني أو الأردني أو ما يماثلهما، بشأن مسألة اللاجئين السوريين.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ تركيا وروسيا أعربتا عن إمكانية البدء باتخاذ الإجراءات في شباط/ فبراير المقبل، ولكن حكومة دمشق أرادت مزيداً من الوقت.
ومنذ مطلع العام الماضي، يتصدّر ملف اللاجئين السوريين في تركيا حديث أحزاب المعارضة، التي اتّجهت للضغط من خلاله على الحكومة، مطالبةً بإرجاعهم إلى البلاد، وتقييد أعمالهم التجارية التي نمت على نحوٍ ملحوظ، بحسب ما تظهره البيانات الرسمية.
وجاء هذا التصدّر ضمن إطار المناكفات السياسية التي يربطها كثيرون، بقرب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في شهر حزيران/يونيو 2023.
وكان إردوغان، قد أعلن في شهر أيار/مايو، أنّ بلاده تعمل على مشروعٍ يتيح "العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري إلى بلادهم"، وأنّ المشروع سيكون "شاملاً بصورةٍ كبيرة"، وسيُنفذ في 13 منطقة على طول الحدود الشمالية لسوريا.
بعد ذلك بأشهر، كشف كلشدار أوغلو زعيم "حزب الشعب الجمهوري" المعارض، عن خطّةٍ خاصة بحزبه، تتألف من 4 مراحل، واستعرض تفاصيلها في أثناء لقائه سوريين، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في ولاية كلس الحدودية.
كما استعرضت صحيفة "جمهورييت" تفاصيل خطة كلشدار أوغلو، بقولها: "إذا فاز حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات، فإنّ الخطوة الأولى التي ينوي اتخاذها هي الاجتماع مع الحكومة الشرعية في سوريا، وفتح السفارات لبعضها البعض".
في غضون ذلك، تكشفت خطةٌ أخرى خلال الأسابيع الماضية، خاصّة بـ"حزب الجيد" المعارض ذي الجذور القومية، إذ أعلن المتحدث باسمه، كورشاد زورلو أنهم تقدموا مؤخراً بطلبٍ إلى وزارة الخارجية التركية، من أجل لقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
وتحدّث زورلو أنّهم يريدون مناقشة 4 قضايا في الاجتماع، الأولى هي "المساهمة في توفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية اللازمة للسوريين الذين اضطروا إلى مغادرة بلادهم للعودة إلى وطنهم".
أما القضية الثانية فترتبط بـ"وضع استراتيجية مشتركة لإنهاء أنشطة الميليشيا الكردية التي لا تزال موجودة في سوريا، من أجل حماية وحدة أراضيها". وأضاف الناطق باسم الحزب، أنّهم يريدون ثالثاً، "تقديم دعم دبلوماسي لإعادة إعمار سوريا وعودتها إلى المجتمع الدولي".
إضافةً إلى قضيةٍ رابعة، وهي "تطوير نهج مشترك لمحاربة المنظمات الإرهابية غير حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي العاملة في سوريا، والتي تُشكّل تهديداً أمنياً لتركيا وسوريا".
اقرأ أيضاً: اللاجئون السوريون في تركيا.. ما هي حسابات إردوغان؟
يبدو أنّ سوريا اتخذت خطاً براغماتياً بشأن علاقاتها بتركيا، لذلك، دمشق لا تريد توفير خدمات لإردوغان بالمجان، إذ تريد أنقرة تثبيت حدودها وتضييق الخناق على الكرد ورفع أعباء اللاجئين السوريين عنها قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن قبول عودة هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم يحتاج بادرةً من تركيا وروسيا معاً، لتمكن دمشق، التي تقع تحت ضغط الاقتصاد والطاقة، من استعادة حقولها النفطية في الشمال السوري. فهل سيحمل العام 2023 تغيراتٍ جديدة بالنسبة إلى الساحة السورية؟