القدرة البشرية لـ"إسرائيل".. أين تكمن مواطن الهشاشة؟
الجبهة الداخلية للاحتلال الإسرائيلي تعاني تصدُّعات كشفتها وسائل إعلامه نفسها، من خلال تقارير أبرزت مواطن هذا الضعف، وخصوصاً فيما يتعلق بالقدرة البشرية.
"القدرة البشرية الممتازة في محور المقاومة يُقابلها تراجعُ القوّة البشرية الإسرائيلية، وهروب الإسرائيليين من القتال"، بهذه العبارة أشار الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، خلال خطابه الأخير بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، إلى مَواطن ضعف تتحكّم في مفاصل الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال خطابه أيضاً، تحدث السيد نصر الله عما تواجهه جبهة الاحتلال على المستوى الداخلي من "تراجع عقائدي"، شارحاً أنها "ضعيفة"، وأن "الإسرائيليين مستعدون للهروب، ويسعون له".
وجاءت توصيفات السيد نصر الله لهشاشة الاحتلال، في وقتٍ تعاني جبهته الداخلية تصدعات، كشفتها وسائل إعلامه نفسها، من خلال تقاريرها، التي أبرزت مَواطن هذا الضعف، وخصوصاً فيما يتعلق بالقدرة البشرية التي تتشكل منها المؤسسات العسكرية للاحتلال، ومجتمعه.
ما مواطن هشاشة "القوة البشرية" لدى الاحتلال الإسرائيلي؟
التجنيد: تهرب وفرار
أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجراه "ائتلاف الحركات الشبابية" في كيان الاحتلال، ونقلته "القناة الــ12" الإسرائيلية، أنّ "ثلث الشبان الإسرائيليين لا يريدون أن يجري تجنيدهم"، وقالت القناة إنّ "هذه المعطيات خطرة وتدمي القلوب".
وكشفت صحيفة "إسرائيل هيوم"، بدورها، قلق "الجيش" الإسرائيلي من ظاهرة ازدياد عدد المتهربين من الخدمة. والقلق ليس من ازدياد الأعداد فحسب، بل أيضاُ من المنحى الذي تشير إليه، والخشية الكبرى هي الخوف من عدم اتخاذ الإجراءات الملائمة للتعامل مع الظاهرة، لأن "عدد المتهربين من الخدمة سيزداد" وفق تعبيرها.
وما لم تُخفِه وسائل الإعلام الإسرائيلية هو قلق الاحتلال من الجاهزية لما سمّته "الحرب المقبلة"، مرجعةً أبرز أسباب عدم جاهزية "جيش الاحتلال" إلى التهرب من الخدمة العسكرية، واستمرار ارتفاع الأعداد.
بدوره، أكّد اللواء السابق في الاحتياط، إسحاق بريك، لـ"القناة الـ12" الإسرائيلية، في آذار/مارس الفائت، أنّ "إسرائيل" اليوم موجودة في أحد أسوأ الأوضاع الأمنية التي عرفتها منذ عقود، قائلاً إنّ "الجيش" الإسرائيلي "غير جاهز"، للحرب التي قد تندلع في الزمن القريب، أو الزمن البعيد.
وعرض بريك آنذاك الجبهات التي ستفتح على الاحتلال الإسرائيلي في حال اندلاع الحرب، و"هم عشرات آلاف المقاتلين المدربين والمجهزين والتابعين لحزب الله، وآلاف المقاتلين التابعين لحماس في غزة، والجماعات الموالية لإيران في سوريا، كما أنّ إسرائيل ستواجه انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، وأعمال فوضى لمتطرفين داخل إسرائيل"، بحسب قوله.
وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنّ "رفض جنود الاحتياط اليوم التجند داخل الجيش، قد يؤدي إلى رفض مجموعات احتياط أخرى التجند أيضاً، في المستقبل، نتيجة أسبابٍ مُشابهة أو أسباب أخرى".
وكان رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أقر بمخاوفه مما يعانيه قطاع التجنيد لدى "إسرائيل" من الفرار والتهرب من الخدمة، قائلاً إن "رفض الخدمة يهدد أساس إسرائيل الوجودي، ويجب ألّا يكون له مكان".
اقرأ أيضاً: الأعلى منذ 5 سنوات.. معدل الانتحار بين قوات الاحتلال يبلغ رقماً قياسياً
المستقبل غير مضمون!
وكان لافتاً أن أفراد المؤسسة العسكرية لدى الاحتلال الإسرائيلي ينظرون إلى مستقبلهم في هذه المؤسسة، ومستقبل "إسرائيل" عموماً، على أنه "غير مضمون"، وفق ما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية.
وحين تناولت صحيفة "إسرائيل هيوم" الاستقالات التي تحدث في جيش الاحتلال، قالت إنّ هذه الأمور تفاقم مشكلات القوة البشرية في الخدمة الدائمة، بحيث إنّ مئات الضباط والجنود أنهوا خدمتهم. وتساءلت الصحيفة: "لماذا يبقون؟ فالمستقبل غير مضمون".
وأوضحت الصحيفة أنّ "أكثر من 613 عنصر خدمة دائمة برتبة رائد، تركوا الجيش بمبادرة منهم خلال عام 2022، أي بارتفاع بنسبة نحو 70%".
ورأت الصحيفة الإسرائيلية أنه، خلال فترة طويلة، اختاروا في "الجيش كنس أزمة القوة البشرية إلى تحت البساط". لكن قبل نحو عام، "تم تسجيل ارتفاع بنسبة 30% في عدد عناصر الخدمة الدائمة، الذين تسرّحوا منه بمبادرة منهم".
في الجانب المقابل، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أنَّ ثلث الشبان في الكيان لا يعتقدون أنَّ "إسرائيل" ستكون موجودة بعدَ 25 عاماً، مضيفةً أنّ هذا التوقع يجعل الأغلبية تقول إنها "لا تريد التجنيد في الخدمة".
وأظهر استطلاع إسرائيلي جديد أن ما يقارب نصف الإسرائيليين يعتقدون أن "مستقبل الدولة لا يبدو مشرقاً، وأن الوضع سيكون أسوأ في الأعوام المقبلة"، وفق ما أفاد به موقع "آي 24 نيوز" الإسرائيلي.
ولم تنعكس تطلعات الإسرائيليين نحو مستقبلهم، والتي اتسمت بالمأسَوية، على جعلهم غير متمسكين بأداء الخدمة فقط، بل ألمحت وسائل إعلام إسرائيلية أيضاً، في تقارير متعددة، إلى أن الوضعين الأمني والاقتصادي، اللذين تعانيهما "إسرائيل" مؤخراً، جعلا فكرة مغادرة الشباب نحو بلدان أخرى حاضرة، فمن سيشكل القوة العسكرية للاحتلال حينئذٍ؟
مخاوف من التطور الديمغرافي
العام الفائت، حذَّر وزير الأمن السابق، بيني غانتس، من أن القلق الذي يكتنف مستقبل "إسرائيل"، وضعفها في النقب والجليل، وإمكان خسارتهما في النهاية، هي بسبب تعاظم الثقل الديمغرافي للفلسطينيين، ومظاهر تشبثهم بالهوية الوطنية الفلسطينية.
وحدّد غانتس مخاوف "إسرائيل" بأنها قد تتقلص جغرافياً "بسبب تزايد أعداد" فلسطينيي الداخل الفلسطيني المحتل، وفقاً لدائرة الإحصاء الإسرائيلية، التي كشفت أن عددهم بلغ مليونين حتى أيار/مايو 2022، على نحو يزيد على خمس سكان "إسرائيل" البالغين 9 ملايين نسمة، في ذلك التوقيت.
وبالأرقام الدقيقة، أفادت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية بأن تعداد السكان بلغ 9.727 ملايين نسمة، منقسمين على 7.145 ملايين نسمة إسرائيليين، و2.048 مليون نسمة عرب، وأعدادهم آخذة في التزايد وفق إحصاءات الولادات الأخيرة.
يُذكر أن الأزمة الأخيرة التي عصفت بـ"إسرائيل" زادت في الشرخ بين صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلي، إذ تزايدت المواقف الاحتجاجية من جانب الجنود والضباط فيه ضد خطة حكومة بنيامين نتنياهو بشأن التعديلات القضائية.
وأنذرت صحيفة "هآرتس" بأنّ "عمق الشرخ الذي يثيره الانقلاب يزداد وضوحاً. طيار تلو آخر، قائد كتيبة تلو آخر، قائد سرية تلو آخر"، مضيفةً أنّ "آلاف الاحتياطيين، وفيهم أكثر من ألف في وظائف مركزية، يعلنون أنّهم لن يلتحقوا بالاحتياط إذا أُنجز تشريع التعديلات القضائية".
ولفتت "يديعوت أحرونوت"، بدورها، إلى أنّ "هذا الواقع سيؤثّر في حافزية خدمة الاحتياط في مجمل التشكيلات، كما سيؤثّر في حافزية الخدمة القتالية، وأيضاً في حافزية الأهالي الذين يُرسلون أولادهم إلى هذه الوحدات للبقاء فيها".