الذكرى الـ90 لاستشهاد عمر المختار.. نحن ننتصر أو نموت
لم يتمكن الاحتلال الإيطالي من القضاء على المقاومة الليبية بقيادة المجاهد عمر المختار، ليجبر موسوليني على تبديل قادته في ليبيا عدة مرات، علها تخلصه من عقدة "أسد الصحراء" والمقاومة الليبية.
تحلّ اليوم (16-09) الذكرى الـ90 لاستشهاد قائد المقاومة الليبية عمر المختار، بعد إعدامه على يد الاحتلال الإيطالي.
من هو عمر المختار؟
هو عمر بن مختار بن عُمر المنفي الهلالي. وهو أشهر المقاومين في تاريخ العرب والمسلمين الحديث. يعود نسب المختار إلى قبيلة منفة الهلالية التي تسكن في بادية برقة في ليبيا.
هو مجاهد ليبي قاوم الغزو الإيطالي لبلاده وقاد لـ20 عاماً مئات المعارك ضدّه، ما بين 1911-1931، منذ كان في الـ53 من عمره. خاض في هذين العقدين سلسلة من المعارك في أراضي ليبيا، حتَّى أُسر خلال إحدى المعارك مع جيش الاحتلال الإيطالي.
حارب عمر المختار ببضعة مئات من المجاهدين والمقاومين جيشاً استعمارياً قوامه نحو 20 ألف جندي، مزوداً بأحدث الطائرات والأسلحة والعتاد.
أسلوب مقاومته كان كراً وفراً؛ هجمات سريعة محدودة ومحددة الأهداف، متبوعة بالانسحاب والتشتت في الصحراء، أفقدت الإيطاليين صوابهم، فلجأوا إلى أسوأ أساليب التعذيب، ولم يتردد الفاشيون في ذلك الوقت في قصف الليبيين بالغازات السامة، ومارسوا سياسة التطهير العرقي، حيث تم تهجير نحو 100.000 ليبي آنذاك، في محاولة سلخ شعب عن أرضه، واستبداله بآخر من وراء البحر، لتحقيق أكذوبة أن ليبيا هي الشاطئ الرابع لروما (La Quarta Sponda) المصطلح الذي أطلقه الزعيم الفاشي موسوليني، رغم أن احتلال ليبيا كان قبل وصول الحزب الفاشي إلى الحكم.
Statues of #Libya's Omar Mukhtar: Africa Heroes Park Havana, #Cuba (L) & Paseo los Ilustres Caracas, #Venezuela (R) pic.twitter.com/u3tQhuyNpD
— Alwasat Libya (@alwasatengnews) September 16, 2016
اقرأ أيضاً: عبد الحميد بن باديس.. حياته وإنجازاته
متى وُلد عمر المختار؟
تختلف المراجع حول العام الذي ولد فيه المجاهد عمر المختار، بعضها يقول في العام 1858، وبعضها الآخر يقول في العام 1862. وتتفق على أنه ولد في قرية جنزور في منطقة الجبل الأخضر ببرقة، شرقي ليبيا.
ووالدته هي عائشة بنت محارب. أمّا والده الشيخ محمد، توفي وهو في طريقه لأداء فريضة الحج، فتولى شيخ زاوية جنزور السنوسية حسين الغرياني رعايته بوصية من والده، فأدخله مدرسة القرآن الكريم بالزاوية. ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم هناك.
النضال ضد الاحتلال الإيطالي
في الـ29 من أيلول/سبتمبر للعام 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على السلطنة العثمانية، التي كانت ليبيا جزءاً منها، وبدأت السفن الحربية تقصف مدن الساحل الليبي. فسارع عمر المختار بالعودة إلى "زاوية القصور" لتنظيم حركة الجهاد ضد الغزاة الإيطاليين، فشارك في معركة السلاوي أواخر العام 1911.
تولى قيادة "المجلس الأعلى" للعمليات الجهادية، الذى أدار أعظم المعارك في التاريخ الليبي مع المحتلين الإيطاليين، خاصة بعد انسحاب الأتراك من البلاد في العام 1912 بموجب معاهدة لوزان.
ألحق المجاهدون بقيادة عمر المختار هزائم قاسية بالغزاة الإيطاليين، فقتلوا مئات الضباط والجنود، وخاضوا مئات المعارك في حرب استمرت 20 عاماً.
بعد انسحاب السنوسيون من ليبيا إلى مصر في العام 1922، استمرت المقاومة بقيادة عمر المختار الذي أعاد تنظيم صفوف المقاتلين. ونجح مع رفاقه في إلحاق خسائر فادحة بالقوات الإيطالية، ما دفع روما إلي تعيين حاكم عسكري جديد ليدير المواجهة مع المقاومة الليبية ويفرض سيطرته عليها.
أما عندما حاصره المحتلون في الجبل الأخضر في العام 1926، فلجأ إلى ما يُعرف بحرب العصابات، وأجبر القيادة الإيطالية على طلب مفاوضته في العام 1929، لكنه رفض المنح المالية ومطالبهم بوقف القتال والخروج من البلاد واستأنف المقاومة.
اقرأ أيضاً: العربي بن مهيدي.. شهيد من الجزائر "كيّع" الاحتلال الفرنسي
مفاوضات سيدي رحومة
في لقاء "سيدي رحومة" الذي حضره كل من عمر المختار، وبيترو بادوليو حاكم طرابلس الغرب وبرقة، ونائب حاكم برقة سيشلياني، قدم المختار شروطاً لوقف إطلاق النار، منها إعادة فتح المدارس العربية، وإطلاق سراح الأسرى، والتوقف عن اقتحام القرى والنجوع.
بينما قدَّم الإيطاليون عرضاً، كان بمثابة رشوة، يتضمن راتب تقاعدي مغرٍ للمختار، بينما يسلّم باقي رجاله أنفسهم وسلاحهم لضابط إيطالي تسميه روما.
وكان العرض قُدّم بوساطة الحسن بن الرضا السنوسي، الأمر الذي رفضه المختار وزجر الحسن الرضا قائلاً "لقد غرّوك يا بني بمتاع الدنيا الفاني"، واستمرَّت المفاوضات العسيرة أكثر من مرة، وانتهت كما بدأت. لكن بادوليو، أطلق في مؤتمر صحافي إشاعة أن "عمر المختار ورجاله استسلموا"، الأمر الذي كذَّبَته الوقائع لاحقاً.
عندما فشل غراتسياني في استمالة المختار بالتفاوض، لجأ إلى معسكرات الاعتقال الجماعية في الصحراء، وأحاطها بالأسلاك الشائكة، وزجّ فيها بأغلب القبائل الليبية في برقة، في محاولة للضغط على المختار للاستسلام.
لكن المختار لم يرضخ للضغوط، معتبراً أن التخلي عن المقاومة والاستسلام "خيانة بحق الليبيين".
ووصف الصحافي الإيطالي كانيفار وصول عمر المختار إلى المفاوضات "محاطاً بفرسانه، كما يصل المنتصر الذي جاء ليملي شروطه على المهزوم".
كيف تم أسر عمر المختار؟
في إحدى المعارك في العام 1931 وبعد يومين من القتال المستميت، وبعد أن أطلقت قوات الاحتلال غازاً خانقاً، أسر الإيطاليون عمر المختار ابن الـ73 عاماً. ونقل إلى مرسى سوسة ومنه إلي بنغازي عن طريق البحر وأودع السجن الكبير.
وكان سبق للاحتلال الإيطالي أن فشل في جميع محاولات أسر وقتل عمر المختار، ما أجبر موسوليني على تغيير القيادة الايطالية في ليبيا للمرة الثالثة، فتولاها الجنرال رودولفو غراتسياني (1882 - 1955)، والذي كان يعتبر من أكثر جنرالات إيطاليا قسوة ووحشية، لتخليص إيطاليا من عقدة عمر المختار والمقاومة الليبية.
كانت عملية الأسر مفاجأة يحلم بها موسوليني وقادته. بداية لم يُعرف أن عمر المختار وقع في الأسر، ظنوه مجاهداً في صفوفه، إلى أن تعرف عليه أحد الضباط الإيطاليين.
اقرأ أيضاً: فيدل كاسترو.. رمح الثورة وصانع التاريخ
اللقاء بين عمر المختار والجنرال غراتسياني
لعل اللقاء الذي جرى بين عمر المختار والجنرال غراتسياني، من أشهر اللقاءات التي جرت بين قائد قوات احتلال ومجاهد ضدّه. قال فيه عمر المختار كلاماً لن ينساه التاريخ.
كان عمر المختار وقوراً رغم السلاسل التي تكبله، لم ينحنِ ولم يتنازل، فهو يمثل الحق، وغراتسياني يمثل الباطل. لم يتوسل حياته التي عرضها عليه غراتسياني مقابل أن يستسلم ومقاتليه، وقال له "نحن ننتصر أو نموت".
لم يخف غراتسياني انبهاره بأسد الصحراء ووصفة بالرجل الشجاع، أظهر له الاحترام والتقدير. فلم يترك له عمر المختار ثغرة واحدة ليستغلها. كان لكل سؤال جواب، وصار مثلاً يضرب.
مارس غراتسياني خلال اللقاء عملية ابتزاز وضغط على عمر المختار، فعرض عليه أن يستسلم ومقاتليه مقابل حياته. رفض عمر المختار وقال له "نحن لن نستسلم.. نحن ننتصر أو نموت".
اقرأ أيضاً: حسيبة بن بو علي.. أصغر أيقونات الثورة الجزائرية
عمر المختار في عيون عدوه غراتسياني
كتب الجنرال ردولفو غراتسياني في كتابه "برقة الهادئة" (Cirenaica pacificata) عن هذا اللقاء "يُخيل إلي أنَّ الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال؛ له حضور وهيبة رغم شعوره بمرارة الأَسْر. ها هو واقفٌ أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوتٍ هادئ وواضح.
غراتسياني: لماذا حاربتَ بشدَّة متواصلة الحكومة الفاشية؟
المختار: من أجل ديني ووطني.
غراتسياني: وإلى أين كنت ستصل باعتقادك؟
المختار: لا شيء إلا طردكم.. لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله".
قال غراتسياني عن نهاية اللقاء مع عمر المختار إنه "عندما وقف ليتهيأ للانصراف، كان جبينه وضاءً كأنَّ هالة من نور تُحيط به، فارتعش قلبي من جلالة الموقف، أنا الذي خاض المعارك والحروب العالمية، والصحراوية، ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان، ولم أستطع أن أنبس بحرفٍ واحد". وقال فيه أيضاً إن "ذنبه الوحيد أنه كان يكرهنا كثيراً".
وكان سبق للجنرال غراتسياني أن أعلن عن جائزة قدرها 200 ألف فرنك لقاء جلب المختار حيّاً أو ميتاً.
يروي محمد نجل عمر المختار في إحدى مقابلاته أنه "في معركة السانية في تشرين الاول/ أكتوبر من العام 1930، سقطت من الأسد (عمر المختار) نظارته، وعندما وجدها أحد الجنود الطليان أوصلها إلى غراتسياني الذي قال: الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يوماً ما، وهذا ما حصل، ففي مساء الخميس في الـ10 أيلول/سبتمبر للعام 1931 أسر البطل عمر المختار عندما كان يستطلع منطقة سلنطة وسط كوكبة من فرسانه الثوار".
وتابع يقول "كان غراتسياني سفاح ليبيا متواجداً في روما، تأكله الكآبة والحزن من فشله في القضاء على المجاهدين في برقة، فقرر السفر إلي باريس للاستجمام والراحة هرباً من الصحافة التي بدأت أقلامها اللاذعة في إيطاليا تنال منه، مشككة في قدرته على إدارة الصراع، حين تلقى برقية مستعجلة من بنغازي مفادها أن عدوه اللدود عمر المختار وراء القضبان، فأصيب بحالة هستيرية لأنه لم يصدق الخبر، فألغى إجازته واستقل طائرة خاصة وهبط في بنغازي في اليوم نفسه، وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه كي يراه بأم عينيه".
بعد 5 أيام من الأسر، عقدت خلالها وقائع محكمة صورية، التزم خلالها شيخ المقاتلين بالهدوء والثبات. تلا القاضى الحكم بإعدام عمر المختار شنقاً حتى الموت.. تُرجم الحكم للمختار.. فرد بكل شجاعة قائلاً: "الحكم حكم الله لا حكمكم المزيف. إنا لله وإنا إليه راجعون".
فى الساعة التاسعة من صباح الـ16 من أيلول/سبتمبر من العام 1931، اصطف عدد كبير من السجناء السياسيين أخرجوهم لمشاهدة الإعدام.. وجىء بعمر المختار إلى منصة الإعدام وهو يتلو قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَةً)، ونفذ الحكم، أمام أكثر من 20 ألفاً من أبناء برقة، الذين ودعوه بالزغاريد.
اقرأ أيضاً: لخضر بورقعة "رسول الثورة الجزائرية" على الميادين
صفات عمر المختار
كان عمر المختار على قدرٍ عالٍ من الفطنة والذكاء. كما اشتهر بالجدية والحزم والاستقامة والصبر. كان على إلمامٍ واسعٍ بشؤون البيئة التي تحيط به، ويدرك أحوال الوسط الذي يعيش فيه، وعلى معرفة واسعة بالأحداث القبلية وتاريخ وقائعها، ومعرفة الأنساب والارتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض، وبتقاليدها، وعاداتها، ومواقعها، فأتقن وسائل فضّ الخصومات البدوية.
كان خبيراً بمسالك الصحراء وبالطُرُق من برقة إلى مصر والسودان في الخارج وإلى الجغبوب والكفرة في الداخل. كما كان على معرفة بأنواع النباتات في برقة وخصائصها الطبية. كما كان على دراية بالأمراض التي تُصيب الماشية وبطُرُق علاجها.
المناصب التي تولاها عمر المختار
تولّى عمر المختار في بداية حياته العديد من المناصب، ففي العام 1897 أصبح، بتكليفٍ من المهدي السنوسي، شيخاً (بمثابة والٍ) لبلدة تسمَّى زاوية القصور في منطقة الجبل الأخضر (شرق). فكان مُنصِفاً حكيماً عادلاً بين الناس.
حين بلغ مرحلة الشباب، انتقل عمر المختار، إلى بلاد "التشاد" الإفريقية، حيث عمل على نشر تعاليم الدين الإسلامي ومقاومة المُستعمِر الفرنسي لتشاد في العام 1900.
تنقل في أنحاء شرق إفريقيا والصحراء الكبرى، حيث بنى المساجد والزوايا ليعلّم الناس دينهم وينشر الإسلام بينهم.
عمل عمر المختار في السودان لسنوات طويلة نائباً عن المهدي السنوسي، الذي قال فيه بإعجاب: "لو كان عندنا 10 مثل عمر المختار لاكتفينا بهم".
وأقام في "قرو" (غرب السودان) مدة من الزمن، ثم عيّنه السيّد المهدي شيخاً لزاوية "عين كلكة"، فاستمر المختار في السودان وقتاً طويلاً نائباً عن السيّد السنوسي، وكان يقوم بتعليم أبناء المسلمين، وينشر الإسلام في هذه البقاع النائية. وشارك في القتال الذي نشب بين السنوسية والفرنسيين في المناطق الجنوبية في السودان.
بعد وفاة محمّد المهدي السنوسي، في العام 1902، عاد عمر المختار إلى برقة بطلبٍ من القيادة السنوسية، ليُعيَّن مُجدّداً شيخاً لبلدة زاوية القصور في العام 1906، والذي أحسن إدارتها لدرجة أن السلطنة العثمانية آنذاك، رحّبت بإدارته للمنطقة التي جلب إليها الهدوء والاستقرار.
في العام 1908 شارك في المعارك بين السنوسيين والقوات البريطانية على الحدود الليبية المصرية.
ما هي ألقاب عمر المختار؟
حصل عمر المختار على ألقاب كثيرة في حياته وحتى بعد استشهاده أبرزها:
أسد الصحراء
شيخ المجاهدين
"سيدي" عمر، اللقب الذي لم يكن يحظى به إلا شيوخ الحركة السنوسية الكبار.
شيخ الشهداء
أشهر أقوال عمر المختار
قال للجنرال غارتسياني:
1- عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي.
2- نحن أيضاً لدينا تاريخ، علوم ورياضيات وطب. في قرون ظلامكم قدنا العالم في المعارف.
3- أنت لن تفعل بي إلا ما قدره الله لي.
4- لا حق لأمة في احتلال أمم أخرى.
5- يمكنهم هزيمتنا إذا نجحوا باختراق معنوياتنا.
6- صاحب الحق يعلو وإن أسقطته منصة الإعدام.
7- المعركة التي تنتصر فيها وحدك، لا تحتفل بها مع الذين تخلوا عنك وأنت تحت ضرب السيوف.
8- الحكم حكم الله لا حكمكم المزيف.
9- آفة القوة استضعاف الخصم.
10- من كافأ الناس بالمكر كافأوه بالغدر.
11- يستطيعُ المدفع إسكات صوتي، ولكنه لا يستطيع إلغاء حقي.
12- حين يقاتل المرء لكي يغتصب وينهب، قد يتوقف عن القتال إذا امتلأت جعبته، أو أنهكت قواه، ولكنه حين يحارب من أجل وطنه يمضي في حربه إلى النهاية.
فيلم عمر المختار
تمّ تكريم المجاهد عمر المختار بفيلم عن حياته حمل اسم "أسد الصحراء" للمخرج السوري العالمي مصطفى العقاد. وجسد دور عمر المختار الممثل الراحل أنطوني كوين.