التجسس عبر "بيغاسوس" كجريمة إلكترونية.. من يعاقب عليها؟
على الرغم من أن الحقّ في الخصوصية مكفولٌ بموجب مواثيق الأمم المتحدة، وتضمنه الحكومات "الديمقراطية"بموجب دساتيرها، فإن اختراقات الخصوصية تتكرّر في السنوات الأخيرة من جانب شركات غربية، وغالباً بعلم تلك الحكومات.
تُعدُّ الخصوصية حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، بحسب ما يرد في مواثيق الجمعية العامة للأمم المتحدة ومعاهداتها، ومجلس حقوق الإنسان التابع لها.
ونظراً إلى أن الأجهزة الإلكترونية، وتحديداً الهواتف الذكية، صارت ملتصقة بالإنسان طوال اليوم، يُنجز من خلالها أعماله على اختلاف أنواعها، فلقد شكّل اختراقها وقرصنتها الوسيلةَ الأولى للاعتداء على خصوصيته، بهدف إلحاق ضررٍ مادي أو معنوي به، سواء كان هذا الضرر مباشِراً أو غير مباشِر، وهو ما صار يُعرف قانونياً بـِ"الجرائم الإلكترونية".
وفي حين لا يرد ذكر الحق في الخصوصية في دساتير عدد من البلدان، فإنه مكفولٌ دستورياً، بصورة واضحة وصريحة، في دساتير بلدانٍ أخرى. وعلى الرغم من ذلك، فإن أغلبية الحكومات لا تحترم هذا الحق لمواطنيها. وإن فعلت ذلك، فإنها لا تطبّقه على مواطني بلدان غيرها.
والحالة الخاصّة التي تُعتبر فيها مخالفة الحق في الخصوصية قانونيّةً هي "حالات الطوارئ التي تمسّ حياة الأمة"، وهي "الثغرة" التي تستغلها الحكومات للتذرّع بها بعد افتضاح حالات التجسّس التي تقوم بها.
أضاء المتعاقد التقني والعميل السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إدوارد سنودن، سنة 2013، على حجم التدخل الحكومي في خصوصية الأفراد، وخصوصاً من دولةٍ كأميركا، تضع نفسها، على الدوام، في موضع الحامي لحقوق الأفراد والشعوب وحرياتها.
صار العالم، بفضل سنودن، يعلم بحجم التدخّل الحكومي الأميركي في خصوصية الناس، وذلك بموجب أمرٍ قضائي سرّيٍّ يُلزم شركة "فيريزون" للاتصالات الهاتفية بإطْلاع وكالة الأمن الوطني "بصورة يوميّة مستمرّة على معلومات عن كل المكالمات الهاتفية التي تتمّ عن طريق الشركة".
كما نعلم، من خلاله أيضاً، بشأن برنامج وكالة الأمن الوطني السري، المسمّى "بريزم"، والذي يسمح بالوصول مباشَرة إلى المعلومات في مواقع شركات ميكروسوفت وياهو وغوغل وفيسبوك ويوتيوب وسكايب وآبل، وغيرها.
ولمزيد من الفعالية التجسُّسية، تبيّن أنه يمكن للوكالة، من خلال مبادرتها المسمّاة "مُخْبِراً بلا حدود"، أن تربط المعلومات التي تجمعها من جميع هذه المصادر.
وبعد فضيحة "بيغاسوس"، دعا سنودن المقيم في روسيا إلى مقاضاة شركة "NSO"، وأعرب عن قناعته بأن الشركة المذكورة "يجب أن تتحمل المسؤولية الجنائية المباشرة عن مقتل واعتقال أشخاص تم اختراق بياناتهم الشخصية بواسطة البرنامج"، وطالب بفرض حظر شامل على "بيع برامج التعقب".
قبل إدوارد سنودن، قام جوليان أسانج بالأمر نفسه، لكن معكوساً؛ إذ فضخ مؤسِّسُ موقع "ويكيليكس"، من خلال قرصنته للمواقع الإلكترونية العائدة إلى منظمات دولية وجهات حكومية ومؤسسات متعدّدة حول العالم، معلوماتٍ سريّةً، وآليةَ عمل هذه المؤسسات، التي نشكّل القرصنة والرقابة جزءاً أساسياً منها، بالإضافة إلى فضحه ما يجري في الكواليس الخلفية للسياسة الدولية، وكيف يتم طبخ السياسات في دوائر صنع القرار في العالم.
وبالتالي، فإنَّ ما تردَّد صداه بالأمس، بشأن تجسّس شركة "NSO" الإسرائيلية ليس بجديد، وخصوصاً أننا قرأنا، في السنوات الماضية، عن قدرة برنامج "بيغاسوس" الذي تُنتجه هذه الشركة على دخول برامج المحادثة ووسائل التواصل الاجتماعي والاطلاع على محتوياتها.
وكما في الولايات المتحدة، ليس سلوك الشركة الإسرائيلية بعيداً عن حكومة الاحتلال. فلقد أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، أمس الإثنين، بأنَّ "وزيرة الداخلية الإسرائيلية أياليت شاكيد صديقة مقرّبة جداً من رئيسة شركة NSO"، الأمر الذي يطرح تساؤلات مشروعة عن الجهات التي تقف خلف هذه الشركة وغاياتها، وخصوصاً أننا نتحدث عن "حكومة قرصنت أرض شعب كامل وشرّدته منها".
يفيدنا ذكر مثال أسانج أعلاه في التساؤل عمّا إذا كانت ملاحقة المتهَمين بالقرصنة والتعامل الرسمي معهم، ستتمّ بالكيفية نفسها. السعودية والإمارات، بشخصَيْ وليَّي العهد فيهما، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، هما من الجهات التي استخدمت برنامج "بيغاسوس"، المعروف الأغراض، في التجسس على مسؤولين رسميين وصحافيين في دول أخرى، كرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وغيرهم من المسؤولين، بالإضافة إلى الصحافيَّين غسان بن جدو وإبراهيم الأمين.. وطبعاً معارضين لهم في داخل البلاد وخارجها.
ما هي الأهداف والغايات السعودية والإماراتية من عملية التجسس هذه؟ وفي حال تعرّضت إحدى هذه الشخصيات لـِ"ضرّرٍ مادي أو معنوي"، كما جرى للصحفي السعودي جمال خاشقجي وللصحفي المكسيكي سيسيليو بينييدا بيرتو الذين تعرّضا للتجسس من قبل "NSO" ومن ثم قُتلا، ألا تتحمّل هاتان الجهتان المسؤولية عن سلامتها؟ وهل ستتمّ محاسبتهما على هذه "الجريمة الإلكترونية"؟