إيران عضو كامل في "منظمة شنغهاي".. التوقيت والأهمية الاقتصادية
لا يخلو قبول إيران كعضو كامل في "منظمة شنغهاي للتعاون" في هذا التوقيت من دلالات، لتزامنه مع تغيرات داخل إيران وخارجها. تغيراتٌ تبدو لصالحها، خاصة لناحية إخراجها من الحصار الاقتصادي الأميركي الذي بدأ رسمياً بتوقيعها اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع الصين.
انطلقت اليوم في مدينة دوشانبي، عاصمة طاجيكستان، أعمال قمة "منظمة شنغهاي للتعاون"، في الذكرى الـ20 لتأسيس هذه المنظمة، التي تُعَرِّف عن نفسها بأنَّها منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية ذات طابع إقليمي يتمثّل بمنطقة أوراسيا. أسستها كلٌّ من الصين، روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان وأوزباكستان في العام 2001.
وفي العام 2005 انضمت إيران والهند وباكستان للمنظمة بصفة عضو مراقب، وفي عام 2017 تحولت الهند وباكستان إلى العضوية الدائمة.
وتعد أفغانستان ومنغوليا وبيلاروسيا دول أعضاء مراقبة في المنظمة في الوقت الحاضر، كما تقدمت دول أرمينيا وجمهورية أذربيجان والنيبال وكمبوديا وتركيا وسريلانكا بطلب الانضمام للمنظمة عام 2015.
لكنَّ دور هذه المنظمة وتأثيرها السياسي يتعدّى منطقة أوراسيا إلى مناطق أخرى من القارة الآسيوية، بل خارج حدودها أيضاً، نظراً إلى الثقل الاقتصادي والعسكري الذي يتمتع به أعضاؤها. كما أنَّها أخذت تتوسع تدريجياً إلى خارج نطاقها الضيق، وتضمّ دولاً أخرى من منطقة آسيا الوسطى، أهمها الهند وباكستان.
إيران عضواً كاملاً في "منظمة شنغهاي"
وفي خطوةٍ توسعيّةٍ أخرى وذات دلالةٍ كبيرةٍ على مختلف الصُّعُد، أعلنت المنظمة في اجتماعها اليوم، بلسان الرئيس الصيني شي جين بينغ، موافقتها على منح إيران العضوية الكاملة فيها، بعدما كانت عضواً مراقِباً فيها طيلة سنوات، حيث قال الرئيس الصيني "سيتم اعتبار إيران عضواً كاملاً في منظمة شانغهاي في اجتماع اليوم".
دلالة توقيت العضوية
يبدو منح إيران العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي في هذا التوقيت لافتاً، إذ إنَّه أعقب كلاً من:
1- الاتفاق الاستراتيجي الصيني - الإيراني، الذي تمَّ التوقيع عليه في طهران في 27 آذار/مارس الماضي، بعد جولةٍ إقليميةٍ لوزير الخارجية الصينية وانغ يي شملت دول الخليج وتركيا.
و"وثيقة الشراكة الاستراتيجية" كما سمّيت، هي اتفاقية مدتها 25 عاماً بين البلدين، تشمل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والصناعية.
وتخدم هذه الاتفاقية كلاً من البلدين، إذ تضمن للعملاق الاقتصادي العالمي مزيداً من تنامي دوره وترسيخ حضوره على الساحة الدولية، خاصة في البلدان التي وضعتها الولايات المتحدة على لائحة "المناطق المحرّمة"، التي تسلّط عليها عقوباتها الاقتصادية القاسية.
كما أنها تضمن لإيران منفذاً مفتوحاً تتحرر من خلاله من هذه العقوبات، وتصرّف إنتاجها النفطي الذي لا تشتريه أميركا، وتمنع غيرها من الدول من شرائه من خلال فرض عقوبات عليهم، وذلك في محاولةٍ للضغط الاقتصادي على إيران من أجل تغيير مواقفها السياسية، كما أنَّ إيران تستورد مقابل نفطها المُصدَّر ما تحتاج إليه من معدات صناعية وآلات وخبرات، وتجهّز مرافئها وبناها التحتية بمساعدة صينية بما يتيح للأخيرة أن تستخدم هذه المرافق لتصدّر عبرها براً وبحراً منتجاتها نحو الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، ثم إلى القارتين الأوروبية شمالاً والأفريقية جنوباً.
2- الانسحاب الأميركي العسكري الكامل والمتعجّل من أفغانستان، البلد الذي خضع لاحتلال الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي مدة 20 عاماً، الواقع ضمن حدود المنطقة الأوراسية، والمغروس بين الدولتين الكبريين في العالم، الصين وروسيا، بحيث سعت الولايات المتحدة لمنع تقاربهما، وإعاقة نموهما الاقتصادي، خاصة الصين، من خلال قطع طريق صادراتها البري والبحري نحو الغرب، وتهديد أمنه بإشعال الحروب والاضطرابات الأمنية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّه ليس صدفةً أو تفصيلاً أن تكون المنظمة قد تشكَّلت قبل نحو 4 أشهر فقط من ذكرى الغزو الأميركي لأفغانستان، وعلى وقع طبول هذه الحرب التي قرعتها الولايات المتحدة ومعها بريطانيا بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر التي أطاحت ببرجي التجارة العالمية في نيويورك، واستهدفت كذلك مبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
وقد ظهر الدور الأميركي المعيق لعمل منظمة شنغهاي ولتعاظم المكانة الاقتصادية للصين من خلال مسارعة قادة حركة "طالبان"، التي استولت بسرعة وتدريج على كافة المناطق الأفغانية بالتزامن مع رحيل القوات المحتلة، إلى زيارة الصين ولقاء المسؤولين في وزارة خارجيتها، وتشديدهم على الدور الصيني المحوري في إعادة إعمار البلد المنهك بالاحتلال والصراعات، وطمأنتهم بأنهم لن يقوموا باستخدام الأراضي الأفغانية لاستهداف أمن الدول الأخرى.
3- انتخاب رئيسٍ جديدٍ لإيران في شهر حزيران/يونيو الماضي، هو رئيس السلطة القضائية والرجل القوي إبراهيم رئيسي، بفارقٍ كبير من الأصوات عن أقرب منافسيه المتبقيين، بعد انسحاب أشهر الأسماء المرشحة لمصلحته ككبير المفاوضين النووين السابق سعيد جليلي.
وقد سعى رئيسي منذ بداية ولايته إلى تعزيز حضور بلاده ومكانتها في العالم، من خلال تمتين علاقاتها على الصعيد الإقليمي، والاستفادة من كل ما لديها من إمكانات، وفي مقدمتها موقعها الجغرافي، حيث صرّح الرئيس الإيراني خلال كلمته في القمة أنَّ "إيران يمكن أن تكون حلقة وصل لأوراسيا عبر ممر يربط الشمال بالجنوب".
وقبل توجهه إلى طاجيكستان، قال رئيسي إنَّ مشاركة بلاده في القمة "ستركز على علاقاتنا الاقتصادية والثقافية مع الدول الآسيوية"، وشدَّد على أن "التعاون مع دول الجوار والمنطقة على رأس أولويات سياسة إيران الخارجية".
وفي آب/أغسطس الماضي، أعلن رئيسي أنَّ تعزيز علاقات إيران مع روسيا والصين، العضوان الرئيسان في المنظمة، هي من أولويات سياسته الخارجية.
فتح المجالات الاقتصادية أمام إيران وتحريرها من الحصار الأميركي
بين النقاط الثلاث السابقة، يشكّل الاتفاق الاستراتيجي بين إيران والصين، التي تمثّل الركن الأبرز في المنظمة، الأمر الأكثر أهميةً الذي ساهم في انضمام إيران إليها، حتى ليبدو أنَّ ما جرى ما هو إلا توسيعٌ للاعتراف الدولي الرسمي بدور إيران وحضورها الإقليميين، ومساهمةٌ أكبر في إخراجها من تحت الحصار الاقتصادي الأميركي، وفي فتح المجالات أمامها من قِبَل كلٍّ من الصين وروسيا، التي صرّح رئيسها فلاديمير بوتين خلال كلمته في القمة، بأنَّ بلاده "تؤيّد القرار المقدم للموافقة عليه من قبل مجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون بشأن بدء إجراءات قبول إيران في المنظمة"، مؤكِّداً على الأهمية المتبادلة لانضمامها بقوله إنَّ ذلك "سيزيد من السلطة الدولية للمنظمة".
وفي أول تعليقٍ إيرانيٍّ، اعتبر المتحدث باسم هيئة الرئاسة في البرلمان الإيراني نظام الدين موسوي، في حديثٍ لوكالة "إسنا"، أنَّ ما نشهده هو "إقامة نظام عالمي جديد حيث تعتبر رباعية القوة في الشرق (روسيا، الصين، الهند، إيران) من أهم اللاعبين الدوليين في هذه المنظومة العالمية الجديدة"، وأضاف أنَّ "انضمام إيران إلى هذه المنظمة، على الرغم من معارضة واشنطن، يثبت أن عصر السياسات الأحادية انتهى و نشهد إقامة نظام عالمي جديد".
ومن الناحية الاقتصادية، أفاد موسوي أنَّ انضمام بلاده "يعني التوصل إلى سوقٍ حجمه 3 مليار نسمة، وهذه فرصة كبيرة يجب أن نملك خارطةَ طريقٍ لاستغلالها بأفضلِ طريقةٍ".
وقد سُبِقَ هذا الانضمام بالمفاوضات النووية بين إيران ودول (5+1)، التي أجريت جولات منها في العاصمة النمساوية فيينا في الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس السابق حسن روحاني، مع الحديث عن التحضير لجولات أخرى بعد تشكيل الحكومة الإيرانية الأولى في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، دون إغفال الزيارة الإيجابية التي قام بها رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى طهران ولقاءه برئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي.
كلُّ ما تقدَّم يسهم في إراحة إيران مع بداية عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، ويجعلها تقترب من مكانةٍ دوليةٍ تسعى للوصول إليها رغم إعاقة أعدائها لذلك، وهو الأمر ذاته الذي سيضعها أمام تحدياتٍ كبرى من أجل الثبات على هذه المكتسبات، والاستفادة من الفرص الجديدة المتاحة.