"إسرائيل" تدعم البرهان في السودان
على وقع الصمت الرسمي بشأن الأحداث في السودان، حددت مصادر موقف "إسرائيل"، غير المتناغم مع الموقف الأميركي العلني الشاجب للانقلاب العسكري، وفق ما ذكرت صحيفة "إسرائيل هيوم".
التزم المسؤولون الإسرائيليون الصمت بشأن تطورات الوضع في السودان، والانقلاب العسكري الذي كرّس حكم العسكر بقيادة "صديق إسرائيل"، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان؛ صمتٌ لم يحجب حقيقة الموقف الإسرائيلي الذي تابع باهتمام أحداث السودان، والذي يُفضل بقاء البرهان على رأس السلطة، على الرغم من التقديرات بتأثير سلبي على المدى القصير على مراسم توقيع اتفاق يُعلن رسمياً عن انضمام الخرطوم إلى اتفاقيات "أبراهام" التطبيعية بين "إسرائيل" ودول عربية، والتي كان من المفترض أن تستضيفها واشنطن في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
المقاربة الإسرائيلية للتطورات في السودان، جاءت متعارضة مع الموقف الأميركي المعلن برفض الانقلاب، وهو ما عكسته المواقف المنسوبة إلى مصدر إسرائيلي انتقد فيها موقف واشنطن مما يجري في السودان، معترفاً بأنه في الوضع الحالي يفضل دعم الجيش وقائده عبد الفتاح البرهان.
البرهان " الراشد المسؤول"
على وقع الصمت الرسمي بشأن الأحداث في السودان، حددت مصادر إسرائيلية موقف "إسرائيل"، غير المتناغم مع الموقف الأميركي العلني الشاجب للانقلاب العسكري، وفق ما ذكرت صحيفة "إسرائيل هيوم"، عندما نقلت عن مصدر إسرائيلي انتقاده موقف واشنطن مما يجري في السودان، وقوله إنه "في الوضع الحالي يُفضل دعم الجيش وقائده رئيس المجلس الانتقالي عبد الفتاح البرهان، لا رئيس الحكومة عبد الله حمدوك". المصدر الإسرائيلي أوضح أن "الانقلاب كان حتمياً. منذ سنوات، الرئيس، المدعوم من قبل الجيش، ورئيس الحكومة يشدان في اتجاهات متناقضة. كان واضحاً أن ذلك سيصل إلى حسم".
المصدر أضاف أن الزعيمين السودانيين يدركان في الواقع أن الدولة ملزمة بتعزيز علاقاتها مع الغرب، وأن" التطلع الأميركي للديمقراطية مفهوم لكن من بين الزعيمين، البرهان يميل لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر من الحمدوك".
وقال المصدر الإسرائيلي أيضاً: "لأن الجيش السوداني هو الجهة الأقوى في الدولة، ولأن البرهان هو القائد الأعلى، فإن التطورات التي حصلت الليلة تحديداً تمنح أملاً أعلى لمزيد من الاستقرار في السودان، الذي هو أمر حيوي للمنطقة، وكذلك لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل خصوصاً".
تجدر الإشارة، حسب موقع "يديعوت أحرونوت"، أن عبد الفتاح البرهان، داعم لدفع العلاقات مع "إسرائيل"، بل حتى أنه اجتمع برئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو في أوغندا في شباط/فبراير 2020. ووفقاً للموقع نفسه، فإن قضية التطبيع مع "إسرائيل" كانت موضع خلاف بين البرهان وبين رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، الموجود الآن قيد الإقامة الجبرية مع وزرائه، بعدما اعتقلهم الجيش. حمدوك أوضح في الماضي أنه لا يعارض التطبيع مع "إسرائيل"، لكنه اعتقد ألا مكان لفعل هذا في الوقت الحالي.
مع هذا، معارضتهم لم تعرقل حرارة العلاقات بين البلدين، التي بلغت ذروتها قبل حوالى أسبوعين في لقاءٍ علني نادر في الإمارات بين وزير القضاء في السودان، ناصر الدين الباري، ووزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج، ووزير الأديان متان كاهانا، ونائب وزير الخارجية عيدان رول. كما زار سراً "إسرائيل" في مطلع الشهر وفدٌ أمني من السودان، وفي الأشهر الأخيرة زارت وفود أمنية إسرائيلية البلد الأفريقي.
معلقون أشاروا إلى أنهم في "إسرائيل" قدّروا أن الخلاف بين البرهان وحمدوك يمكن أن يعرقل تطبيع العلاقات، حتى أن هناك جهات في "إسرائيل" تعتبر البرهان، الذي يريد علاقات مع "إسرائيل"، وحتى أنه حاول الدفع قدماً لإجراء حفل التوقيع الرسمي في واشنطن، بأنه "الراشد المسؤول" في السودان، مقابل رئيس الحكومة حمدوك، الذي لا يحاول دفع استمرار العلاقات بين البلدين.
في السياق، من المفيد التذكير أن جهاز الموساد ومجلس الأمن القومي في "إسرائيل"، توليا عملية نسج العلاقات مع السودان وتطويرها، بتكليف طبعاً من المستوى السياسي، وأن الجيش الإسرائيلي ليس مشاركاً حتى الآن في هذه الاتصالات بسبب قرار وزير الأمن، بيني غانتس، الذي يعتقد أنه ما دام السودان لم يوقّع بعد على اتفاقٍ مع "إسرائيل"، فليس من الصحيح إشراك الجيش. وبالفعل، في السنة الماضية أبطل غانتس ضم ضباط من الجيش الإسرائيلي إلى رحلة وفدٍ إسرائيلي إلى السودان، ترأسه حينها رئيس شعبة الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي.
توقيت غير مريح
رغم الانحياز الإسرائيلي الواضح للبرهان، على خلفية موقفه الإيجابي من التطبيع مع "إسرائيل"، أشار موقع "يديعوت أحرونوت"، إلى أن الانقلاب في السودان جاء في توقيتٍ غير مريح في كل ما يتصل بالتطبيع بينه وبين "إسرائيل". فـ"البلدان سجّلا مؤخراً دفئاً في العلاقات، وأجريا اتصالاتٍ حول إقامة حفل توقيع على الاتفاق في واشنطن، الذي يُقر رسمياً انضمام السودان إلى اتفاقات أبراهام".
وبحسب التقرير الذي نشره "موقع يديعوت"، اقترح الأميركيون إقامة حفل التوقيع منذ أسبوعين، خلال زيارة وزير الخارجية يائير لابيد لواشنطن، لكن الجانب الإسرائيلي اعتقد أن التوقيت غير مناسب في ظل الأنباء عن توتر بين الجيش والحكومة في السودان. الأميركيون فكّروا أيضاً بإقامة حفل التوقيع في الشهر القادم، لكن الآن يبدو أن الأحداث في السودان ستؤجل التوقيع، لكنها لن توقف استمرار العلاقات، حسب التقديرات الإسرائيلية.
وذكرت تقارير إعلامية أن التطورات في السودان قد تمثل مدعاة لقلق "إسرائيل" وإدارة بايدن على حد سواء، لأنهم يعملون في واشنطن في هذه الأيام مقابل الخرطوم، بهدف دفعها لاستكمال عملية التطبيع، وإرسال ممثل سوداني رسمي دائم إلى "إسرائيل"، وبالطبع فتح ممثلية سودانية هناك. وعليه، يرى مراقبون أن الأحداث التي شهدها السودان، تُصعب دفع عملية التطبيع قدماً، رغم الأخذ في الحسبان أن حمدوك لم يكن هو من دفع لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وأن من دفع لهذه الخطوة الهامة هو القيادة العسكرية برئاسة البرهان، ولذا، من المحتمل أن يستغل الفرصة لاستكمال العملية.