انهيار الليرة التركية بسرعة فائقة.. ما الأسباب؟ وهل يستمر هبوطها؟
الليرة التركية تفقد هذا العام نصف قيمتها، مع استمرار السياسات المالية التي أدّت إلى هذا الانهيار، وفي مقدمتها خفض أسعار الفائدة، وفي ظل ازدياد التضخم. فما هو مستقبل العملة والاقتصاد التركيَين؟
خلال العام 2021 فقدت الليرة التركية نحو 50% من قيمتها، لتبلغ مستوى غير مسبوق من قبل.
عند مرحلة ما من تعاملات اليوم الجمعة، تراجعت العملة التركية بنسبة 8% لتقترب من 17 ليرة للدولار، كما أعلنت بورصة إسطنبول عن تعليق التداولات فيها، بعد انهيار العملة التركية إلى مستوى 16.8 ليرة مقابل الدولار الواحد، وهو مستوى قياسي منخفض، ويأتي بفعل الضغوط التضخمية وجهود خفض الفائدة.
وللمزيد من فهم التدهور الذي تعانيه العملة التركية، فإن قيمتها بلغت 7.43 ليرة للدولار أول أيام هذه السنة.
ماذا وراء هذا السقوط المدوّي؟
تأتي خسائر الليرة الفادحة لهذا العام، في ظل ارتفاع التضخم بشكلٍ سريعٍ. وتجاوز معدل التضخم مستوى 21%، في البلد الذي يقطنه 84 مليون شخص، في ظل رفض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لرفع الفائدة، وهو الإجراء الذي يرى اقتصاديون أن من شأنه احتواء ارتفاع الأسعار، التي تؤدي بطبيعة الحال إلى تآكل القدرة الشرائية للعملة المحلية.
وتوقّعت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني أنَّ التضخم في تركيا سيتجاوز 25% في العام المقبل، وسيضرّ بالنمو الاقتصادي في البلد.
وبالأمس، قرر البنك المركزي التركي خفض سعر الفائدة الرئيسي إلى 14%، بعد أن كان 15%، ما دفع العملة المحلية إلى التراجع السريع إلى مستوىً قياسيٍّ متدنٍّ جديد. أعقب ذلك قراراً برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50% لامتصاص بعض الضغوط عن المواطنين.
سياسة استثنائية
يجادل الرئيس إردوغان بأن أسعار الفائدة المرتفعة هي ما يزيد من التضخم، في حين أن المعدلات المنخفضة ستؤدي إلى انحسار التضخم، وهو اعتقادٌ يخالف ما شهدته الاقتصادات حول العالم عبر التاريخ، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وأقال إردوغان تقريباً كل مسؤول اقتصادي عارض هذه السياسات، بما في ذلك مسؤولين في وزارة المالية والبنك المركزي، وهناك القليل من الإشارات على أنه سيغير رأيه، فيما دعا مستثمرون واقتصاديون إردوغان بإلحاح، إلى عكس مساره، بحسب شبكة "سي إن بي سي".
ويقول إردوغان أيضاً، إنَّ انخفاض قيمة الليرة جاء نتيجة "مؤامرات" تحاك ضد البلاد وليس بسبب السياسة الاقتصادية، مشيراً إلى أن بلاده اتخذت مساراً "محفوفاً بالمخاطر ولكنّه صحيحٌ"، من خلال خفض أسعار الفائدة على الرغم من انخفاض الليرة بشكلٍ حادٍّ.
كيف أثّرت هذه السياسات؟
بحسب "وول ستريت جورنال"، أدت سياسة خفض أسعار الفائدة إلى انهيار قيمة الليرة، والتي أصبحت إلى حدٍّ كبيرٍ واحدةً من أسوأ الاستثمارات في العالم لهذا العام.
وعندما تكون أسعار الفائدة أقل من معدل التضخم، يشعر رجال الأعمال والمستهلكون والمستثمرون الأجانب بالقلق، لأن هذا يعني تآكل القوة الشرائية.
الأسوأ من ذلك، أن العملة التي تضعف بسرعة يمكن أن تخلق دوامةً تضخّميةً مهلكةً، لأنها ترفع تكلفة الواردات الرئيسية مثل الغذاء والطاقة.
بالنظر إلى الوضع الراهن، نما التضخم في تركيا بنسبة 21.3% بالضبط في الشهر الماضي، مقارنةً بما كان عليه قبل عامٍ، وهذا المستوى أكثر بمقدار 7.3 نقطة مئوية عن معدل الفائدة المعلن يوم أمس الخميس.
أي أنَّ معدل الفائدة الحقيقية (الفارق بين معدلي التضخم والفائدة) يبلغ (-7.3%)، ما يعني أنَّ الأموال المستثمرة في البنوك تتآكل بفعل الفائدة المنخفضة، التي لا تستطيع تعويض ارتفاع الأسعار.
نقاطُ ضعفٍ مقلقة
عندما تعرّضت الليرة التركية للضغط في عام 2020، تمكّن البنك المركزي التركي من إدارة انخفاض قيمتها عن طريق اقتراض العملات الأجنبية من البنوك المحلية والكيانات الأخرى، وبيع تلك الأموال في السوق لشراء الليرة. وأدّى هذا إلى استنفاد العملات الأجنبية التي تمتلكها تركيا في خزائنها، حيث يُقدر أنَّ لدى البنك المركزي التركي التزاماتٍ أكثرَ من الأصول التي يمتلكها، وفقاً لتقرير "وول ستريت جورنال".
يخشى بعض المتابعين من أنَّ الحلقة الضعيفة في أزمة العملة الحالية هي القطاع المصرفي التركي، حيث أنَّه اعتباراً من أيلول/سبتمبر الماضي، كان مديناً للخارج بـ 83 مليار دولار، وهي ديونٌ مُستَحقَّة السداد في الأشهر الـ 12 المقبلة، وفقاً لبيانات البنك المركزي التركي.
تاريخياً، كانت البنوك قادرةً على تجديد قروضٍ كهذه مع الدائنين الأجانب، مما يعني أنه ليس عليها استخدام احتياطياتها من العملات الأجنبية، لكن الآن يتطلّع الاقتصاديون لمعرفة إذا كان المقرضون الأجانب سيسمحون للبنوك التركية بتجديد الدفعة الكبيرة التالية من القروض المستحقة في الربيع.
هناكَ مصدرُ قلقٍ رئيسيٍّ آخرَ، هو تخلّي المواطنين عن الليرة، حيث أصبح ما يقرب من 60% من الودائع المصرفية الآن بالعملات الأجنبية، وفقا لبيانات "كابيتال إيكونوميكس".
وتجدر الإشارة إلى أنَّ الزيادة المفاجئة في سحب الدولار من البنوك ستجبرها على استهلاك احتياطياتها من العملات الأجنبية، إلا إذا تدخّلت الحكومة وفرضت ضوابطَ على رأس المال تحدُّ من قدرة المواطنين على سحب العملات الأجنبية.