ذهب ودولار وعقارات..ملاذ المصريّين للحفاظ على قيمة مدخّراتهم
الكثير من المواطنين المصريين يسارعون إلى البحث عن ملاذ بديل من الادخار بالعملة المحلية، حيث تشهد الفترة الراهنة توجّه العديد نحو الذهب والدولار والعقارات في محاولة للحفاظ على قيمة أموالهم مع تدهور قيمة الجنيه.
رغم طرح البنوك المصرية شهادات بعائد يصل إلى 22.5% على الجنية، لم يعد المصريون يفضّلون الادخار بالعملة المحلية بعد تحريك سعر الصرف لثلاث مرات في أقلّ من عام، الأمر الذي دفع إلى ملاذ أكثر مجازفة أملاً في جني مزيد من الأرباح أو على الأقلّ الاحتفاظ بقيمة الأموال نفسها.
عبر مجموعة مغلقة بفيسبوك تحمل اسم "سبايك وجنيه وذهب وفضيات بمصنيعة أقلّ" يوجد نحو نصف مليون غالبيتهم على الأقل من المصريّين، يتبادلون التساؤلات عن أسعار الذهب، وأفضل أماكن للشراء مع السعر الأرخص في العمولة والضريبة، تساؤلات تكاد تتكرّر كلّ يوم من أشخاص مختلفين، فيما لجأ عدد من أصحاب محلات الذهب المتفاعلين لتدشين "غروبات" خاصة بهم من أجل التواصل مع العملاء بشكل يومي، لإبلاغهم بسعر الشراء والبيع لحظة بلحظة.
فضّل المصريون شراء سبائك ذهبية بأوزان مختلفة وجنيهات ذهبية للادخار، باعتبار أن بيعها يجري من دون "مصنعيّة" وبرسوم بسيطة للغاية، بما يمكّنهم من تحقيق أرباح حال ارتفع السعر بأعلى مما اشتروا به.
في آذار/مارس الماضي وصلت أسعار الذهب إلى ذروتها، مع زيادة الطلب بصورة غير مسبوقة مع انتهاء مدة شهادات الادخار ذات الفائدة 18%، والتي كانت تستحوذ على نحو 303 مليارات جنيه، وجرى إطلاقها مع التخفيض الأول لقيمة الجنيه الذي تراجع من 16.5 أمام الدولار إلى نحو 31 جنيهاً لكل دولار وفق السعر الرسمي.
سارع المصريون بالتوجّه نحو الذهب للادخار في محاولة للحفاظ على قيمة أموالهم مع تدهور قيمة الجنيه، خاصة بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض جديد يضمن سعر صرف مرن للجنيه أمام العملات، بما يعني مزيداً من التخفيض لقيمة المدخرات التي كانت موجودة في البنوك، مع استمرار معدلات رفع الفائدة، وتسجيل التضخّم لأرقام قياسية، جعلت أموالهم تخسر فعلياً رغم منح الفائدة نظرياً.
حتى مع توافر شهادات بـ22% على الجنيه، فضّل المصريون اللجوء إلى الذهب والعقارات باعتبارها أصولاً ثابتة، ستزيد قيمتها حتى لو انخفضت قيمة الجنيه مجدّداً، فأسعار العقارات زادت بنحو 100%، وأسعار الذهب التي كانت ما دون الـ2000 جنيه تجاوزت حاجز 3000 جنيه في أيام قليلة بفضل زيادة السيولة المتوفّرة ونقص الكميات المعروضة.
في أيام قليلة من توافر السيولة بلغ الفارق بين السعر داخل مصر للذهب وخارجها نحو 50 دولاراً للغرام الواحد، فارق سعري دفع الحكومة لاتخاذ قرار بإعفاء وارادت الذهب من الجمارك لمدة 6 أشهر، في خطوة ساهمت بخفض الأسعار بشكل تدريجي، لتكون في حدود 2200 جنيه، وبفارق نحو دولارين بالغرام الواحد عن سعر السوق العالمية، وبسعر يكاد يقترب من سعر الدولار في السوق الموازية التي تشهد تذبذباً مستمرّاً.
لكن قرار الحكومة المتأخّر تسبّب في خسارة العديد من المصريين لمدخّراتهم، بعدما اشتروا بالسعر المرتفع أملاً في جني الأرباح بالمستقبل القريب. لكن انخفاض سعر الذهب عالمياً من 2040 دولاراً للأونصة إلى حدود 1925 إلى جانب الكميات الكبيرة الواردة من الخارج مع المغتربين، وتراجع سعر الدولار في السوق الموازية، كلّها أمور دفعت لانخفاض الأسعار الذي لم يفضّله كثيرون مع تحسّرهم على ضياع قيمة مدخّراتهم.
صحيح أن البنوك المصرية لم تعلن عن حصيلة الأموال التي جرى إيداعها في الشهادات المطروحة بالفائدة المرتفعة، لكن عمليات سحب مبالغ مالية كبيرة من البنوك من أجل شراء ذهب وعقارات كانت ملحوظة بقوة، ففي الوقت الذي فضّل فيه البعض شراء دولار من السوق الموازية، لجأ آخرون للذهب والعقارات.
سجّلت عمليات شراء الذهب مبيعات كبيرة للغاية قبل أن تتراجع بشكل جزئي مع تراجع الأسعار، وفقدان نحو ثلث السعر الذي جرى الشراء به، بوقت وصلت فيه واردات المصريين من الذهب للقادمين من الدول العربية نحو 300 كجم في أقلّ من شهرين، وهي الكميات التي جرى الإفصاح عنها في المطارات.
أما السوق العقارية فشهدت رواجاً كبيراً للمطوّرين العقاريين الذين حاولوا جذب السيولة الموجودة في السوق أملاً في مبيعات كبيرة، بوقت تراجعت فيه الحكومة عن أي طروحات عقارية متميزة، تاركة المجال للقطاع الخاص بشكل كامل.
تبدو سوق العقارات أكثر جذباً للمصريين ليس فقط كوسيلة لحفظ الأموال، ولكن أيضاً كأماكن لإقامة أبنائهم وعائلاتهم، خاصة مع التسهيلات والامتيازات التي باتت تتوفّر بالتجمّعات السكانية على أطراف العاصمة، والتي توفّر رفاهية وخصوصية تستهدف بها المصريين المقيمين في الخارج، إضافة إلى الأثرياء العرب الذين بات من حقهم التملّك شريطة سداد الثمن بالدولار للعقارات التي يقومون بشرائها.
ووفق بيانات غير رسمية فإن مبيعات العقارات زادت بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مع تفضيل المشترين الشراء بالتقسيط على عدد أكبر من السنوات، بينما لجأت شركة وحيدة لتحديد سقف لسعر الدولار عند 40 جنيهاً، وحال تجاوزه سيكون على المشترين سداد الفارق.
سعّرت شركات العقارات بشكل شبه رسمي الدولار عند حاجز 50 جنيهاً مع ترقّب تخفيضات جديدة لقيمة العملة، خاصة وأن عدداً من الشركات واجه صعوبة كبيرة في الشهور الماضية نتيجة فارق الأسعار، وارتفاع أسعار مستلزمات البناء، وهو ما دفع الشركات نحو التحوّط تجنّباً للخسائر.
حاول المصريون بالإقبال على شراء الذهب الحفاظ على قيمة مدخّراتهم، لكنهم خسروا جزءاً منها أيضاً، خاصة من اضطروا لإعادة البيع سريعاً من أجل تسييل أموالهم، فيما بقي الرهان على العقار والدولار كملاذ يبدو حتى الآن آمناً للتحوّط الشخصيّ من قرارات تخفيض سعر الصرف المطلوبة من صندوق النقد الدولي.