في ذكرى رحيل الأديب الجزائري كاتب ياسين (1929-1989)
يصادف يوم 28 تشرين الأول - أكتوبر ذكرى وفاة الأديب الجزائري كاتب ياسين.
ولد كاتب ياسين، في يوم السادس من آب - أغسطس من عام 1929 لأسرة جزائرية ثقافتها فرنسية في أحد أحياء مدينة قسنطينة التي تقع شرقي البلاد. اسمه الحقيقي محمد خلوطي وقد اختار لنفسه اسماً فيه الكثير من الرمزية، كاتب بمعنى الكاتب وياسين بمعنى النبي محمد(ص) صاحب الرسالة السماوية، الإسلام، إذ كان الأديب يشتغل أكثر من غيره على الرمز.
عاش ياسين طفولته الأولى يعاني ويكابد ككل الشعب الجزائري البطل من نير الاحتلال الفرنسي، وحين شب عن الطوق تلقى تعليمه في المدرسة القرآنية وانتقل بعدها إلى المدرسة الفرنسية حتى العام 1948، ورأى بعينيه الجزائر وهي تهب وتنتفض ضد الفظائع التي يرتكبها المحتل الغاصب في مدينة سطيف، فلم يجد سبيلاً سوى الانخراط في صفوف الشبيبة الجزائرية وهو في سن السادسة عشرة. تم سجنه عقب مشاركته في التظاهرات التي وقعت في العام 1945، ومن وراء قضبان السجن تفتق ذهنه مبكراً فتوهج إبداعه وانبثق من روحه الوثابة ديوانه الشعري الأول «مناجاة»، على ضوء تجربته الأولى مع السجن، وبعد سماعه بتدهور صحة والدته قلقاً عليه. بعدها قرر أن يسخر قلمه لمناهضة الاحتلال وللدفاع عن ثرى الوطن
تقول فضيلة كاتب، شقيقة الراحل كاتب ياسين، إن والدها أدخله إحدى المدارس الفرنسية، وفي أحد الأيام المصادفة لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، لاحظ الأخير غياب زملائه، ورغم تعلق شقيقها بمادة العلوم الطبيعية، التي كان من المقرر إجراء اختبار فيها، إلا أنه أعاد ورقته بيضاء، وكتب عليها "إن أعياد المسلمين غير معترف بها، فاليوم هو ذكرى المولد النبوي الشريف، لذا سأذهب للاحتفال، لأنني عربي مسلم، ولست فرنسياً".
ما قام به ياسين دفع مسؤولي إدارة المدرسة الفرنسية إلى استدعاء والده، لإبلاغه أن ابنه "متمرد وقليل التربية". ليبقى هذا الموقف شاهداً على عظمة كاتب ياسين في الحفاظ على الهوية الوطنية والإسلامية.
وقد سبق لكاتب ياسين أن نشر كتباً عدة فكان له "أشعار الجزائر المضطهدة" ديوان شعري(1948)، وتوالىت لاحقاً أعماله الإبداعية تباعاً، فكتب الشعر والرواية وأخيراً المسرح، قبل أن يصدر رواية «نجمة»، التي صدرت عن منشورات «لوساي» الباريسية، عام 1956.
كانت "نجمة" العمل الأول الذي أطلقه في فضاء الحياة الأدبية، حيث قام بإدخال تقنية جديدة في كتابه «الأدب الجزائري الحديث» وهي تقنية الإشتغال على الرمز، مقدماً أسطورة رائعة أثارت اهتمام العديد من المشتغلين على الأدب جعلت له مكاناً بين الكتاب الكبار في العالم، أمثال ألبير كامو ومحمد ديب. فكاتب ياسين كان ولا يزال قمة أدبية متميزة ورواية "نجمة" تعتبر العمل الذي اقترنت باسمه مواقف لا يتبناها سوى الكبار.
من هنا، اعتبرت رواية «نجمة» رواية الجزائر بامتياز، حتى وإن كان الصخب الإعلامي العربي العام، منذ ترجمت إلى العربية، واستقبالها على الفور كجزء من النضال الثوري الجزائري وشعاراته، قد غطيا دائماً على قيمتها الأدبية. بل حتى على رنة الاحتجاج التي ميّزتها وأكدت أنها لم تكن فقط رواية «تفضح» الاحتلال وتقارعه. ثم أثّر ذلك في فضاء الحياة المسرحية، ذلك أن كاتب ياسين، وبفضل النجاح الفوري الذي حققته «نجمة»، فكانت بمستواها الفني الراقي، إدانة للاستعمار وتغنياً بمباهج الهوية الجزائرية الضاربة في أعماق التاريخ والدين والحضارة، والتي سعت الآلة الكولونيالية إلى طمسها ومحوها.
وقد وضع الكاتب تباعاً مسرحيات ظلت لها شاعرية «نجمة» لكنها أتت في معظمها جزءاً من رغبة في بعث مسرح نضالي، ليس على صعيد القضية الجزائرية وحدها، بل كذلك على صعيد نضالات العالم الثالث ككل. ومن أبرز مسرحياته التي كتبت بين عام 1959 والسنوات الأخيرة من حياته تعتبر ثلاثية كاتب ياسين، دائرة الانتقام (لو سيركل دي روبريزاي) تمثل أحسن مثال لهذه المعارضة، وذلك من خلال الرسالة التي تحملها مسرحياتها الثلاثة، وهي «الجثة المطوقة» المستلهمة من أحداث 8 أيار مايو 1945 و«مسحوق الذكاء» المتمحورة حول العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية و"القدماء يضاعفون من ضراوتهم"، و«حلقة القمع» و«الجثة المطوقة» و«الأجداد يزدادون ضراوة»، إضافة إلى مسرحيته «الرجل ذو الصندل الكاوتشوك». كتب كاتب ياسين كتب معظم أعماله الأولى بالفرنسية، حتى وصل إلى التجريب في كتابة نصوص ومسرحيات باللغة الجزائرية المحكية، وكذلك بلغة الأمازيغ، هو الذي كان ينتمي إلى هذه الهوية(البربر)، وأمضى السنوات الأخيرة من حياته مناضلاً في سبيل وجودها وهويتها ولغتها.
وكانت حياته مثالاً يحتذى به، فلقد عاش حياته كلها زاهداً، وقارئا كبيرا ًلكتابات محي الدين بن عربي، صاحب ''الفتوحات المكية''، وكتابات الأمير عبد القادر الصوفية، وقد كتب عنه كتاباً، وهو عبارة عن محاضرة ألقاها ياسين في فرنسا وعمره لا يتجاوز السابعة عشر سنة. فقد كان من المثقفين العرب من أصحاب السلطة الأدبية الذي اتجه ضد التيار، عندما كتب مقالته الرائعة على أعمدة جريدة ''لوموند'' والتي انتقد من خلالها تهجمات الروائي الهندي الإنجليزي سلمان رشدي في كتابه ''آيات شيطانية'' ضد شخصية الرسول محمد (ص)، واتخذ موقفاً لصالح الإسلام الحضاري، إسلام التقدم والحرية، الإسلام المناضل ضد ''الأوليغارشيات'' القديمة والجديدة.
وبالرغم أن ياسين كان معجبا بستالين، إلا أنه لم يمكث سوى أسابيع في الحزب الشيوعي الجزائري.
وكان من أوائل الكتاب الجزائريين الذين تعرفوا عن قرب على الثقافة العربية المعاصرة، بحيث جمعته صداقات كبيرة مع الشاعر السوري أدونيس والناقدة اللبنانية يمنى العيد والمفكر اللبناني مهدي عامل الذي استقبله في بيروت بعد عودة كاتب ياسين من فيتنام عام 1968. وفي اتصال للميادين نت مع يمنى عيد ذكرت "أنها فعلاً استقبلت كاتب ياسين مع مهدي عامل في بيروت ومن ثم أمنت له سكناً في صيدا حيث بقي أشهراً عدة مقيما في عبرا إحدى ضواحي صيدا ".
توفي ياسين في 28 تشرين الأول أكتوبر من عام 1989.