علاج على الإيقاع!
على وقع نغمة موسيقية، يمتد جسر لحوار صامت، يحمل باقة من المشاعر والأنفعالات. نوتة تولد انفعالاً لدى متلقيها. في خبايا الآلة الموسيقية تنطلق ألحان لتطرب الآذان، وللعلاج أيضاً!.
بيد أنّ الاهتمام بالموسيقى كعلاج للمرضى، لم يكن وليد الحربين العالميتين، وإنما يعود لعصور مضت.
خلال العصر الوسيط والعصر العباسي بدأت فكرة المعالجة بالموسيقى، وكان من بين الذين اهتموا بالأمر أبو بكر الرازي، وقد استخدم الموسيقى لأغراض العلاج. بدوره، اهتم الفارابي بالموسيقى ورأى أنّ لها غايات تتلخص في إكساب النفس لذة وراحة، و تنشيط المخيلة والانفعالات.
"انطلقت فكرة العلاج بالموسيقى من مبدأ تأثيرها القوي على الإنسان وعلى جهازه العصبي ومشاعره وأفكاره" يقول عميد كلّيّة الموسيقى وعلم الموسيقى في الجامعة الأنطونية البروفسور اللبناني نداء أبو مراد لـ الميادين نت.
يعدد أبو مراد الحالات المرضية التي يمكن تطبيق العلاج بالموسيقى عليها وهي ما يتعلّق بالطب العصبي (مثال: الصرع، الألزهيمر، الأمراض النفسية)، كما في أمراض النفس البدني كالربو وبعض الأمراض الجلدية.
وإذ يوضح أنّ "المعالجة بالموسيقى هي فقط مكوّن يستخدم إلى جانب العلاجات الأخرى، لا يمكن الاعتماد عليها فقط، هي مساعد ومؤازر للمعالجات الأخرى"، يضيف أنّه "خلال أواسط القرن العشرين، نمت في الغرب منهجيات للمعالجة بالموسيقى وهي متعددة جداً، ويوجد اختلافات كبيرة من بلد الى آخر، ومن مدرسة إلى أخرى في الدولة عينها، ولكنها جميعها تقوم على فكرة وهي أنّ للموسيقى تأثير قوي على البشر".
وفي هذا الاطار، يقول البروفسور ابو مراد إنّ منهجيات المعالجة تتنوّع، إذ يستخدم البعض المعالجة الإدراكية وهي تقوم على فكرة إسماع المريض موسيقى معينة، فيما البعض الآخر يعتمد تقنيات مغايرة تقوم على التشارك بين المعالِج والمعالَج بالموسيقى (المعالجة الموسيقية الناشطة، بحيث يكون المريض مدعو إلى العزف).
ويشدّد على أنّ المعالجة بالموسيقى ليست مسألة "معلبة ومبرمجة بشكل نمطي. المسألة الأساسية هي أن تكون هذه المعالجة طريقة لمد جسر بين المعالِج والمعالَج وخصوصاً في حالات التوحد، أو بعض الأمراض الأخرى النفسية".
ويتابع أنّ الموسيقى "وسيط ناجع للتواصل مع المريض. ليس هناك تحديد لطبيعة الموسيقى وإنما هي جسر تواصلي".
وحول مؤهلات الشخص الذي يقوم بالعلاج، يقول أبو مراد أنّه ينبغي أن يتمتع بكفاءات مهمة، وهي أن يكون موسيقياً وعارفاً بالموسيقى وباحثاً في هذا العلم، إضافة إلى امتلاكه كفاءات تربوية لأن المعالجة بالموسيقى قريبة جداً من التربية الموسيقية. كما ينبغي على المعالج أن يكون لديه دراية بعلم النفس.
وانطلاقاً من أهمية المعالجة بالموسيقى، أعلنت كلية الموسيقى في الجامعة الأنطونية في بيروت إطلاق اختصاص جديد هو "المعالجة الموسيقية" في خريف 2017. يعطي هذا الاختصاص للمتعلّم قدرة على تنمية كفاءات متعددة في علم الموسيقى والتربية الموسيقية وعلم النفس.