"كوزيت شديد" قاربت بإمتاع "قيثارة الغناء"

مثلها كمثل كل الكبار الذين صنعوا العصر الذهبي للأغنية العربية، عاش وتمدد نتاج المطربة والممثلة والمنتجة "ليلى مراد" سواء في سنوات إعتزالها الطويلة، أو تلك التي مرت على وفاتها (24 عاماً)، وأسعدتنا الموهبة الغنائية المتمكنة مع خصوصية في الأداء "كوزيت شديد" التي أحيت في "مترو المدينة" ليلة خاصة بما أبدعته "قيثارة الغناء": "ليلى" فأشعرتنا بقرب حميم منها ضاعف متعتنا في التذوق والإستماع.

هذه النوستالجيا التي تحرّك فينا المكامن وتُلهب الحنايا وتجعلنا أسرى تاريخ مضيء ومبهر من العطاآت، وجدنا لها أرضية صلبة عند جيل اليوم مرة بعد مرة من خلال الحفلات المكثفغة التي نتابعها بشغف على أكثر من منبر، بما يعني أن الحنين إلى زمن الأصالة والتراث لا يقتصر على المخضرمين في السن، بل هو الفن الراقي الذي يحضر ويجذب الذواقة من الشباب الذين يقدّرون قيمة ما يستمعون إليه من جواهر الأمس. ومع "كوزيت" امضينا سهرة عامرة بالغناء الجميل، لأغنيات لطالما استعدناها بصوت "ليلى مراد" لكن ماذا لو فزنا بصوت رديف يردد بطريقة صاحبته روائع (يلا تعالى، شحاد الغرام، يا طبيب القلب، اسال علي، يا عز من عيني، ابجد هوز، ليه خلتني أحبك، حيرانة ليه، يا دي النعيم، سنتين وانا حايل فيك، أنا قلبي دليلي، والدنيا غنوة) ويبلغ بنا أعلى درجات الإنسجام.

بملامح أقرب إلى مناخ العصر الذاهب منذ أكثر من مئة عام، بدت صورة المغنية العفوية في حركتها وتمايلها وحتى في تحيتها صورة طبق الأصل عن مظهر صبايا الفنانات في تلك الحقبة، يخدمها براءة الوجه وسماحته، مع خفر طبيعي يجذب إليه العيون والقلوب في آن، وصوت تبدو معه كأنها تتكلم ولا تغني، وخلفها خمسة عازفين متمكنين (سام دبول – قانون، سماح ابو المنى – اكورديون، خضر رجب – كمان، بهاء ضو- بونغوز وطبلة، احمد الخطيب – رق)، وبعدما كنا نشيد بعزفه على الكمان فاجأنا "خضر رجب" بأنه مطرب متمكن يتمتع بالكثير من الخصوصية في الغناء جعلت من الديو بينه وبين كوزيت في غاية الامتاع، وهو ما تعزز بمشاركة العازف أبو المنى في الغناء أيضاً لكن في مكانه المناسب كصوت رجالي مواكب لاغنيات من السهرة.

الرواد الذين ألفوا السهرات من هذا النوع، رددوا كلمات الأغاني، وتمايلوا، ورفعوا الصوت بالآه حيناً والبرافو أحياناً، فيما لم تهتز صورة "كوزيت" على مدى وقت الحفل، الإبتسامة إياها، والوجه المليء بملامح الطيبة، والعينان تحاولان المرور على كل الوجوه، مع ثقة لافتة في حضور ذاكرتها حيث أنها لم تضع أمامها أي ورقة تذكرها بعناوين وتسلسل عزف ألحان الأغنيات، أو حتى كلماتها، مما يدل على التحضير النموذجي المكثف، بحيث يتم تفادي الأخطاء وسقطات النسيان.