"إلاّ إذا .. تغيّر شي": مسرح الواقع بإمتياز

    دأبت الشاشات الصغيرة على إعتماد برنامج طويل الأمد يرصد حياة الناس كما هي، وحمل هذا المناخ عنوان "تلفزيون الواقع". وها نحن منذ أشهر قليلة مع نموذج يكاد يكون طبق الأصل عبر مسرحية "إلاّ إذا .. تغيّر شي" للفنان "جورج خباز"، ترصد بشفافية وواقعية شديدة حال الطوائف والمذاهب والتيارات والأحزاب والشرائح الإجتماعية اللبنانية المختلفة، في تفاعلها وتنافرها ومواجهاتها، من دون أن يتغير شيء.

ملصق المسرحية

 السؤال الذي يطرحه الفنان "خباز" نستعمله كثيراً في يومياتنا، وطالما أراد له جزءاً ثانياً وسط ضبابية التعامل بين الأطراف الذين يشكلون الشعب اللبناني بكل تلاوينه وأشكاله، فلأنه يحمل مفاجأة في النص لن نتمكن من الكشف عنها لأنها في صُلب بناء المسرحية التي تُقدّم على خشبة "شاتو تريانو" ومستمرة حتى أيار/مايو المقبل لكي تأخذ الوقت الكافي لإنتقالها إلى قلعة بعلبك الأثرية وتقديمها ضمن أيام المهرجانات الدولية والدورية عاماً بعد عام، في صيف 2019، في مشاركة ثانية لـ "خباز" في المهرجانات الأعرق بعد "إلاّ إذا" العام 2018. هذا الجزء حمل أحداثاً وحيثيات وتفاصيل ذهبت أبعد من المساحة التي غطّاها الجزء الأول، وتكمن الأهمية هنا في أنها حظيت بتصفيق حاد من عموم الشعب اللبناني، رغم أنها لم توفّر طرفاً من التناول والإنتقاد والدلالة عليه مباشرة لا مواربة.

   يمتلك "خباز"ميزان جوهرجية في نصّه، لذا لم تعرف كل أعماله أي ملاحظة من جمهوره أو متابعي أعماله، كان دائماً يرتفع فوق مساحة البلد ويُحلّق على إرتفاع منخفض فوق القضايا الوطنية ويرصدها بعين المواطن المحب لكل المواطنين، دخل على كل شريحة لبنانية وناقشها في المونولوغ الشعبي والسياسي الخاص بها فأثنى على الإيجابيات وإنتقد ما هو سلبي وغير مفيد للبلد وناس البلد. وإذا كان إلتزم لنفسه شخصية طرف رئيسي فإن زملاءه في المسرحية أخذوا مساحة موازية وجسد كل منهم طرفاً لبنانياً معيناً، وليدخل الجميع في مواجهة هي عينها التي تزخر بها هوائيات إذاعاتنا وشاشاتنا الأرضية والفضائية، وصولاً إلى صحفنا ومواقعنا الألكترونية، لذا لم يشعر المشاهدون للمسرحية بأي غربة عن واقعهم فما يرونه على الخشبة كانوا يعايشونه قبل دخول الصالة.

   لأعمال الفنان "خباز" سقف جماهيري واحد منذ 15 سنة وحتى الآن، فكل منها يعيش على المسرح ستة أشهر ويحضر الواحد منها ما بين 90 و100 ألف شخص، يواكبه فريق وفي قد يضاف عليه فنانون قليلون أو يغيب بعضهم، لضرورات فنية مرتبطة بطبيعة الأدوار لكل مسرحية على حدة. وفي "إلاّ إذا .. تغيّر شي" أحاط بـ "جورج خباز" 12 زميلاً (سينثيا كرم، لورا خباز، جوزيف أصاف، غسان عطية، مي سحاب، جوزيف ساسين، وسيم التوم، عمر ميقاتي، يوسف سلامة، بطرس فرح، روميو الهاشم، أسبيد خاتشادوريان) وقام "جورج" مع شقيقته "لورا" برسم الخطوات الراقصة، بينما صاغ لوحده كلمات الأغاني والألحان التي وزّعها "شارل شلالا.