سابقة موسيقية مع مقطوعات شرقية من دون إيقاع
خاضت "الأوركسترا الوطنية اللبنانية الشرق عربية" بقيادة المايسترو "أندريه الحاج"، تجربة رائدة في سهرة ليل الخميس في 23 كانون الثاني/ يناير الجاري على مسرح بيار أبو خاطر- جامعة القديس يوسف في بيروت، بتقديمها عشر مقطوعات شرقية تم فيها الإستغناء عن كل الآلات الإيقاعية إحتراماً للأوضاع العامة السائدة في لبنان منذ أشهر، فيما تحوّلت الموسيقى التي إستمعنا إليها إلى النمط الكلاسيكي العالمي الجاذب.
السهرة التي حملت عنوان "ويبقى الوطن" شكلت تحدياً إيجابياً لواقع الأمور السياسية والإقتصادية في البلاد، وأسهمت في تظهير صورة حضارية عالمية لموسيقانا وهي ممارسة إعتبرها المايسترو "الحاج" سابقة عربية إعتمدها بجرأة وموضوعية لكي يُثبت طواعية النغمة العربية وإنسجامها مع الهنك الكلاسيكي العالمي، وبالتالي فإن الأسلوب الذي إتبعه في إدارة العزف تجعل لاحقاً وجود إمكانية فعالة لأن تُعزف كل موسيقانا في أي مكان من العالم دونما عوائق من أي نوع، وهو ما سيتم البناء عليه لفتح أبواب جديدة لهذه الموسيقى في سعيها لعبور القارة إلى أكثر من قُطر والتعاطي مع مبدعيها بكثير من الإحترام والتقدير، خصوصاً مع وجود جمهور غربي مثقف يُدرك أهمية الإنتاجات الوافدة من عالمنا الناطق بالضاد.
كل مافي مظهر المايسترو "الحاج" يتحرك يعبّر ويتفاعل، يده اليسرى تدل على العازفين واحداً واحداً يؤشر لهم كي ينخرطوا في العزف، بينما عصا القيادة باليمنى تغطي عازفيه الباقين بأسلوب يُشعرنا نحن المتابعين في الصالة بأنهم طوع بنانه يحفظ آلاتهم واحدة واحدة ويصب عليها النغمات المطلوبة كي تؤديها كما يقتضي التوزيع، حيناً ينتفض وأخرى يهبط كمن يحتاط من طلقات قناص في عز معركة حامية، والحال كذلك على الخشبة، فالمطلوب الفوز بأفضل أداء من العازفين المقاتلين بالنغمات، حيث بدا المشهد ممسوكاً من القائد الفذ من دون سقطات، وإذا كان جميع أفراد الأوركسترا على نبض واحد من الإجادة فإننا نشد على ريشة العوّاد الماهر "مازن صالحة" وهو يشارك بمقطوعة "مع عودي" (إعداد وجدي أبو دياب)، فقد أمتعنا بطريقة الضرب على أوتار عوده وكأنها ترتدّ صدىً في السمع والقلب.
ليلة أسعدتنا. وجعلتنا نميل شيئاً فشيئاً صوب التفرغ للموسيقى بعيداً عن الأصوات الآدمية التي يسيء كثيرها إلى رفعة الأنغام الراقية وليس كل الأنغام طبعاً. أما التسع مقطوعات الباقية في برمجة الحفل فشملت على التوالي: "لونغا نوا أثر"(لـ جيلبير يمين) "إلى صادق جلال العظم" (نصير شمة) "رقصة الغيرة" (الأخوان رحباني) "درب الصيادي" (أنطوان فرح) "آثار على الرمال" (زياد الرحباني) "بعد سنة" (أندريه الحاج) "بين النور والروح" (وليد نهرا- إعداد وليد بوسرحال) "ذكرى" (إياد كنعان) "الفصل الأخير" (وليد غلمية) "نور" (لوقا صقر).