"جورج خباز" يؤرخ للمسرح اللبناني في موسوعة مشهدية شاملة
إنها مسرحية آخر العام 2019، بل هي مسك ختامه. "يوميات مسرحجي" للفنان الشامل "جورج خباز" التي إنطلقت عروضها الجماهيرية في 12 كانون الأول/ ديسمبر، شكلت تحدياً للظروف الراهنة التي يشهدها لبنان على أصعدة متعددة، فخالف "خباز" كل النصائح وإفتتح عمله الجديد الرائع، ليجد كثافة جماهيرية لافتة تحتشد عند شباك التذاكر في مسرحه "شاتو تريانو"(شرق بيروت) قبل بداية أي عرض.
يترك الفنان "خباز"أسبوعين قبل دعوة الفنانين والنقاد لمشاهدة أي عمل جديد له، بحيث تكون المسرحية متّنت مشاهدها، وباتت جاهزة بالصورة التي أرادها عند كتابة النص بكل مندرجاته من حركة الممثلين، إلى المشاهد الإستعراضية، وتواكبها مع الضربات الموسيقية، وكل التفاصيل التي تسهّل توصيل الأفكار إلى المتلقي الذي يعتبره "خباز" أساس لعبته الفنية، فكيف وهو يقدّم مادة فنية أكاديمية تروي سيرة المسرح اللبناني في كل الحقب التي مرّ بها ودور الذين أسهموا فيه، مع إشارات توضيحية نقدية لكل واحدة منها بأسلوب محترم، وإنتقال سلس من حالة إلى أخرى بما يشكل كتاباً مرئياً مفتوحاً على نقاشات طويلة إذا ما أرادها الباحثون، وإلاّ فهي متعة مشهدية للمشاهد الوفي لمسرح "خباز" وهو يتلقف الأفكاربفرح وتجاوب كونها من صميم القراءة الجماهيرية لتعاقب الأنواع المسرحية العديدة.
والكلام عن الجمهور ليس عابراً لأن المسرحية أفردت الفصل الثاني منها له بالكامل، ولم تتهاون مع ثقل دم رواد يفتعلون مواقف ويقومون بممارسات مزعجة لا يطيقها العاملون في الصالات. وقد إستحدث "جورج" على الخشبة مسرحاً آخر، فوضع 25 مقعداً منسوخاً من مقاعد الصالة لإستعراض حيثيات تحصل غالباً مع رواد متعددي الأمزجة، وكل منهم يعتبر أنه إمتلك المكان ببطاقة الدخول، هذا عدا عن حضور مسؤولين من وقت لأخر يقوم مرافقوهم بعراضة قوة للفت الإنتباه وحماية الوافد المهم، وقد أجاد "خباز" في إلتقاط اللحظات الدقيقة، والكشف عن ممارسات تحصل معنا إلى اليوم كلما حضرنا إفتتاحاً أو صودف وجود شخصية معروفة في المكان.
فريق الممثلين يتمتع في العرض بديناميكية مذهلة في طاقتها وتجانسها الواحدة بعد الأخرى، لكننا وإن أحببنا وتجاوبنا مع العناصر كلهم (لورا خباز، سينثيا كرم، مي سحاب، كريستل فغالي، إيف شلالا، غسان عطية، جوزيف آصاف، وسيم التوم، جوزيف سلامة، جوزيف ساسين، روميو الهاشم، توفيق حجل، روجيه بركات، فادي أبوجودة، مع المخضرميْن: بطرس فرح، وعمر ميقاتي) فإننا نخص الموهبة الذهبية اللامعة التي فاجأتنا وإستحقت المباركة الخاصة الشاب "عامر فياض" من تلاميذ "خباز" المميزين وقد أفرد له مساحة نجومية لإستعراض قدراته، وبادره الجمهور في تحية الختام بتصفيق حار يستحقه على جدارته كممثل مع نص صعب أداه بعفوية المحترفين ومهارتهم.ونثمن التطور النوعي لأسماء ترافق أعمال "جورج" (لورا تمثيلاً ورقصاً، سينثيا أستاذة الكاراكتيرات، آصاف في حضور أمتن وأوسع مساحة ومحور أحداث، وعطية الجنتلمان المتلون المقنع في كل الشخصيات التي يتقمصها).