الوزيرة التي هزّت عرش الدبيبة

هل تستعدّ ليبيا للحاق بركب التطبيع بعد وصول ترامب؟، أم أنّ ظهور الوزيرة للإعلام مجرّد محاولة ابتزاز للدبيبة؟ قد تهزّ عرش حكومته.

0:00
  • اجتازت ليبيا في 27 آب/أغسطس 2023؛ أزمة سياسية كادت أن تعصف بحكومة الدبيبة.
    اجتازت ليبيا في 27 آب/أغسطس 2023؛ أزمة سياسية كادت أن تعصف بحكومة الدبيبة.

اجتازت ليبيا في 27 آب/أغسطس 2023؛ أزمة سياسية كادت أن تعصف بحكومة الدبيبة؛ عندما التقت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في العاصمة الإيطالية روما، بوزير خارجية كيان الاحتلال السابق "إيلي كوهين". وقُدّمت المنقوش آنذاك ككبش فداء، ونجت حكومة الدبيبة من عاصفة الغضب الشعبي الرافض للتطبيع.

عادت في 7 كانون الثاني/يناير 2025، الوزيرة المنقوش؛ بعدما انزوت ما يقرب من عام تقريباً لتفجّر مرّة أخرى قضيّة التطبيع متهمة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة بأنه منسّق ومهندس اللقاء مع كوهين.

جاءت تصريحات الوزيرة المنقوش في بيئة عربية وإقليمية تشهد جملة متغيّرات متدرّجة ومتدحرجة، تبدأ من عودة عرّاب اتفاقيات التطبيع دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتنتهي عند تغيير النظام السياسي في سوريا، وتتزامن مع حرب إبادة متواصلة في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

ظهرت الوزيرة المنقوش في برومو الحوار على منصة الجزيرة القطرية 360 في بودكاست "أثير"، الذي لم يتعدّ دقيقة واحدة، وبدا أنه موجّه ومقصود وقد اختيرت من حوار الوزيرة العبارة التي تقول فيها إنها "قابلت كوهين بأمر رسميّ، وإنّ اللقاء جاء بتكليف من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة".

 مضيفة أنه تمّ منعها من الإدلاء بأيّ تصريحات بشأن اللقاء، وطُلب منها مغادرة ليبيا على أن تتمّ عودتها بعد أيام، ولكنّ الغياب دام لأكثر من عام.

واعتبرت المنقوش في لقائها مع بودكاست "أثير"، أنّ حكومة الوحدة "تنصّلت بسبب عدم الحكمة وعدم القدرة على معالجة الأزمة بعد تسرّب اللقاء"، مشدّدة على أنّ "مقابلتها مع "الجانب" الإسرائيلي كانت محدّدة في إطار معيّن. وأنها أبلغت كوهين عن وجهة نظر الشعب الليبي والمشاعر الداعمة للفلسطينيين ورفض سياسات الحكومة الإسرائيلية. 

أتوقّف هنا عند عدّة دلالات قبل الذهاب لتبعات ظهور الوزيرة المنقوش على المشهد السياسي في ليبيا، وسأجتاز لغة الجسد والأريحيّة التي بدت فيها الوزيرة خلال البرومو، للتوقّف عند وصف الوزيرة لكيان الاحتلال "بالجانب" الإسرائيلي.

 وكلمة "الجانب" لها وقع ومدلول غاية في الأهمية ولا يُفترض في وزيرة خارجية دولة عربية يُجرّم قانونها التطبيع أن تقع في خطيئة هذا التوصيف وفي هذا التوقيت، ولكن يبدو أنّ الوزيرة ترى في كيان الاحتلال "جانباً" حتى وإن كلّفها هذا منصبها وإقامتها في ليبيا وإخراج الشارع الليبي ليعبّر عن غضبه ورفضه والمطالبة بالتحقيق ومحاسبة المنقوش والدبيبة. 

لم تتأخّر ردّة الفعل الشعبية والسياسية في ليبيا على تصريحات الوزيرة، ما يعني أنّ بالون الاختبار لتحريك المياه الراكدة للذهاب صوب التطبيع قد فشل، بل قد تتدحرج التبعات وتطال رئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة.

 إذ إنه بالإضافة إلى حالة الغضب الحاصلة في الشارع الليبي، تصاعدت الدعاوى بمحاكمة الوزيرة ومحاكمة الدبيبة على خلفيّة التعاون مع أنظمة الكيان الصهيوني. وطالب رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري النائب العام بمحاكمة الدبيبة ونجلاء المنقوش وكلّ المتورّطين في تنسيق اللقاء مع "إيلي كوهين".

تواصلت ردود الفعل الليبية على تصريحات الوزيرة، وطالب "حراك 17 فبراير" السياسي في مدينة مصراته، التي يتحدّر منها الدبيبة، النائب العام بالتحقيق مع جميع المتورّطين في التنظيم للقاء المنقوش مع كوهين، بمن فيهم الدبيبة، وبكشف أسمائهم لضمان محاسبتهم. 

ودعا الحراك القوى الوطنية كافة إلى ضرورة "تشكيل حكومة جديدة تعبّر عن إرادة الليبيّين وتُجري انتخابات رئاسية وبرلمانية". 

وفي مؤشّرات تدحرج العاصفة التي فجّرتها تصريحات المنقوش، دخل مجلس النواب على خطّ الأزمة وطالب عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي بـ "إيقاف الدبيبة عن العمل لحين انتهاء تحقيقات النائب العامّ، بحقّ تصريحات المنقوش".

 وقال النائب العرفي: "اعتراف نجلاء المنقوش بأنّ الدبيبة هو من أوعز لها بلقاء وزير خارجية الكيان الصهيوني، وسمّت شخصيات بعينها نسّقت للقاء، ولم تسمّ شخصيات أخرى، يجعل لزاماً على مجلس النواب التدخّل".

ولفت العرفي إلى أنّ "صمت المنقوش لأكثر من سنة على ما حدث كان وفقاً لصفقة مع الدبيبة، ولكن يبدو أنّ هذه الصفقة فشلت لسبب لا نعلمه، ولا نعلم الصفقة بينهما مالية فقط أم مالية وسياسية".

 موضحاً أنّ "المنقوش لم تذكّر كلّ المعلومات، بل كشفت عن جزء يسير فقط حول ما حدث مع الكيان الصهيـوني، لكي تضغط على الدبيبة لهدف ماديّ أو سياسيّ، لإرجاعها لسابق عملها". وفق قوله.

تطرح عودة وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في هذا التوقيت وتصريحاتها واتهامها لرئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة بأنه مهندس اللقاء مع وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين؛ جملة تساؤلات وتثير عدة دلالات وستفضي لتبعات وتداعيات بدأت ملامحها تتشكّل في حالة الغضب الشعبي ودعوة المكوّنات السياسية الليبية للتحقيق ومحاسبة الدبيبة.

 وبالتالي فإنه إذا كانت ليبيا قد اجتازت تبعات اللقاء في المرة السابقة فإنّ عودة المنقوش وتصريحاتها الموجّهة والمقصودة هذه المرّة تحمل دلالتين؛ أنّ عودة الوزيرة وتصريحاتها ومن خلال منبر الجزيرة تحديداً مقصودة وموجّهة في هذا التوقيت وتعني أنّ الأمر قد يكون بالون اختبار لتقفز ليبيا رسمياً للتطبيع في المرحلة المقبلة، وبالتالي فإنّ التصريحات عبارة عن جسّ نبض للشارع الليبي وقواه السياسية، وإما أنّ تصريحات الوزيرة مقصودة وموظّفة واستُدعيت وأخرجت من منفاها كجزء من حسابات سياسية داخلية ليبية تستهدف تعميق الأزمة السياسية في ليبيا والتي باتت تتقاطع مع حسابات عربية وإقليمية.

واحدة من أهم الدلالات أنّ لقاء الوزيرة المنقوش لم يذع كاملاً حتى اللحظة وهناك تقديرات تقول بأنه لن يُبثّ نهائياً، لأنّ ضغوطات ما قد تحول دون ذلك، ويبدو أنّ هذه التقديرات صحيحة، ولكن هذا لا يعني أنّ التبعات قد تتوقّف.

 إذ إنّ مجرّد ظهور برومو في أقلّ من دقيقة للحوار قد أفضى إلى تحريك الشارع الليبي وأثار غبار أزمة سياسية حقيقية، والأهمّ أنّ الوزيرة المنقوش بيّنت وأوضحت وأظهرت كيف تدار الحكومات والقرارات في أروقة الأنظمة العربية حتى وإن كان الأمر يتعلّق بالتطبيع. 

ففي ليلة ظلماء أوعز الدبيبة لوزيرته وهندس لها اللقاء وعندما سرّبت "تل أبيب" اللقاء ضحّى بها الرجل وانزوى، وحتى عندما ظهر للإعلام عقب تصريحات الوزيرة الأخيرة لم يُعلّق ولم يلتفت وبدا وكأنّ شيئاً لم يكن، وبالتالي فإنه إما أنّ الدبيبة لا يبالي بما قالته المنقوش؛ وإما أنه لا يبالي بردّة فعل الشارع وقواه السياسية ولا يريد الدفاع عن اتهامه بهندسة التطبيع وتبرئة نفسه؛ وإما أنه لا يرى أنّ في التطبيع جريمة يعاقب عليها القانون الليبي وبالتالي سيمضي فيه بمجرّد عودة ترامب. 

وهذا يعني أنّ إرضاء واشنطن والذهاب للتطبيع قد بات أحد مداخل الشرعية السياسية. فهل تستعدّ ليبيا للحاق بركب التطبيع بعد وصول ترامب؟، أم أنّ ظهور الوزيرة للإعلام مجرّد محاولة ابتزاز للدبيبة؟ قد تهزّ عرش حكومته.

إنّ خطيئة الوزيرة المنقوش أوّل مرّة بعقد لقاء التطبيع؛ ثمّ ظهورها في تصريحات عن اللقاء مرّة أخرى واستخدامها لتحريك أزمة سياسية داخلية في ليبيا، يكشف كيف تدار الأمور في الدول العربية وعلاقة الوزراء برئيس الحكومة وعلاقة ذلك بالتطبيع كاجتهاد وكقرار شخصيّ ومغامرة غير محسوبة العواقب.