الرئيس الإيراني رئيسي أمام تحديات داخلية وخارجية.. كيف سيقارب الملفات؟
بعد حُكم التنصيب وأداء القسم، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمام تحديات داخلية وخارجية، في ظل عقوبات وضغوط غير معلومة الأجل، فماذا يُتوقع للحكومة الجديدة وكيف ستتشكل؟
يُقْبل رئيس الجمهورية الثامن لإيران، على ولايته، بتحديات واسعة، وبرنامج وضعه للحكومة الشعبية لإيران القوية، يطمح إلى أن يكون على قدر آمال الشعب. فمن أين يبدأ؟ وممن سيتشكل طاقمه الحكومي، الذي وعد بأنه سيكون من اختيار الشعب؟
منذ بدء برنامجه الانتخابي، وخلال المناظرات، حتى تنفيذ حكم تولّيه من جانب المرشد، وأداء القسَم، تجتمع كلمات رئيسي على فكرة الحكومة التي تُنفّذ الخطوة الثانية للثورة. هذه الفكرة التي كان شرحها المرشد الإيراني آنفاً في الذكرى الأربعين للثورة، والتي يعتبرها رئيسي محط آمال الثوريين والنُّخب وأصحاب الفكر والرأي، وخصوصاً الشباب. وكرّر، في عدّة مناسبات، قوله: إننا من جملة أصحاب "نحن نستطيع". هذه العبارة التي أطلقها الإمام الخميني الراحل، مؤسس الثورة، ويعتبرها الثوريون شعاراً لهم في المضيّ من أجل استكمال خطوات هذه الثورة.
عبّر الرئيس المنتخَب، في أكثر من مرة، عن أن الدافع الذي جعله يترشح هو "دغدغات الشعب"، وأنه يطمح إلى أن يكون خادماً لهذا الشعب، بحيث يعمل على حلّ مشكلاته وترقية حياته.
تحديات الملف الداخلي
اعتبر الرئيس الإيراني أن كثيراً من هذه "الدغدغات" يكمن في الملف الداخلي، وخصوصاً الاقتصادي. وعبّر عنه آنفاً بمسألة "سُفرة الناس"، وبما يمسّها من ضغوطات، سواء غلاء الأسعار، أو التعاملات المصرفية، وكذلك مسألة تطلعات الشباب، من المسكن والعمل والزواج. هذه المسائل كلها كانت رؤوس أقلام برنامج الرئيس المنتخَب، وعرضها في خطته الاقتصادية المُفصَّلة.
سُمِّيت هذه "خريطةَ الطريق الاقتصادية"، وقُسَّمت فيها العناوين ضمن 3 خانات مفصلية، هي: العائلة والمعيشة، العمل والفعالية الاقتصادية، والحكومة. وجرى هذا التقسيم طبقاً لدراسة العيوب والأخطاء الموجودة في الحكومات السايقة، وسُبل تصحيحها وعلاجها.
وبينما رأى رئيسي أن معيار تشكيل الحكومة ليس مرتبطاً بتيار أو جناح خاص، بل إنها ستتعاون مع كل أبناء البلاد، رأت اللجنة الاقتصادية العاملة ضمن مكتبه أن البدء يجب أن يكون عبر ملف الحكومة، لتصل الخطة إلى مبتغاها، شعبياً ومجتمعياً.
وعلى صعيد الإجراءات الحكومية، التي ستبدأ في إطار الخطة الاقتصادية، ترى اللجنة الاقتصادية أن الخطوات الأولى للحكومة، التي بات موعد الإعلان عن أفرادها وشيكاً، ستكون في إنفاذ الشفافية في القوانين الإجرائية الحكومية على الصعيد الاقتصادي، ووضع برنامج أمام عموم الناس، يُتيح متابعة القوانين والإجراءات، وحتى الشكاوى، في ملف المخالفات الاقتصادية.
وفي السياق ذاته، وفي طور متزامن، ستكون هناك إعادة هيكلية للميزانيات الحكومية والخزينة، سيتم من خلالها محاولة خلق ميزان رابح غير مرتبط بالمبيعات النفطية، وستكون هناك إعادة هيكلة للنظام المالي، وفي الدرجة الأولى إصلاح الاعتمادات والديون الحكومية لدى المصارف، ووضع العمليات المصرفية بصورة شفافة، بالإضافة إلى خفض الضرائب على الأعمال الإنتاجية بدرجة 10%. كما أنه ستطرح برامج لمكننة الإجراءات المالية.
انطلاقاً من هذه الإجراءات الأولية، هناك خطوات على صُعد الإنتاج والتصدير وخفض المصاريف العائلية، ثم رفع الرواتب العائلية، وكلها ضمن الأطر التراتبية للبرنامج. فحين تُنفَّذ أُولى الخطوات، يصبح تنفيذ الخطوات الآنية أكثر سلاسة وسهولة، وتدخل كل الخطة الاقتصادية قيد التنفيذ.
تحديات الملف الخارجي
شدّد الرئيس إبراهيم رئيسي، في موضوع السياسة الخارجية، على أنه يجب أن تكون الأولوية هي العلاقات بدول الجوار، وأن الوجود الأجنبي في المنطقة هو ما يُعكّر صفو الأمن فيها.
وعبّر، في أكثر من مناسبة، عن أن إيران تعتبر دول الجوار وشعوبه جُزءاً من عائلتها، وتتمنى لها التقدم والازدهار، وأنها ستكون إلى جانب المظلوم أينما كان، في أوروبا أو أميركا أو أفريقيا، أو في اليمن وسوريا وفلسطين، ولن تقبل السكوت عن الظلم والجرائم والاعتداءات على حقوق المظلومين العُزّل إينما كانوا، مشيراً إلى "أننا مدافعون حقيقيون عن حقوق الإنسان".
وكانت التحركات الدبلوماسية الأولى، بعد تنفيذ حكم تنصيب الرئيس المنتخَب من جانب المرشد، توحي بهذه السياسة، إذ التقى رئيسي دبلوماسيين وممثِّلين عن العراق، أرمينيا، أفغانستان، باكستان، اليمن، فنزويلا، روسيا، تركيا، النيجر والجزائر، بينما أجمعت هذه اللقاءات على تعزيز الروابط بين إيران وهذه الدول.
وعن البرنامج النووي الإيراني، قال رئيسي إنه "سلمي بامتياز، والسلاح النووي محرَّم شرعاً في عقيدتنا"، مضيفاً أن "لا مكان للأسلحة النووية في استراتيجة إيران الدفاعية". وشدد على أن الاتفاق النووي يجب أن تُحْيِيه الدول الأوروبية وأميركا، مضيفاً أن "الشعب الإيراني يطالبكم بأن تلتزموا تعهداتكم". وبحسب رئيسي، فإن "العالم اليوم في حالة تغيير، وتحقيقَ مصالح الشعوب مرهون بفهم العالم الجديد"، مضيفاً أن "السياسة الخارجية الناجحة ستكون السياسة الخارجية المتوازنة".
وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تتواصل التهديدات لإيران من "اسرائيل" ودول غربية وأميركا، في حين يرى مراقبون، بخصوص مسألة الاتفاق النووي وسياسة حكومة رئيسي بشأن هذه الناحية، أن الحكومة لن تتخذ مجرى جديداً منافياً لما سبق، لكنها في الآن ذاته لن تبقى معوّلة على تنفيذ الاتفاق، بل ستكون هي من ينتظر التقيد به من الدول، باعتبار أن استمرارها في التعويل عليه والانتظار سيزيد في الضغوطات التي تضعها تلك الدول.
بعد عرض المواقف والتصريحات والخطط المُعَدّة، وفي ظل التهديدات المتواصلة من أعداء إيران، بالإضافة إلى الضغوطات والعقوبات، والتي ليس معلوماً جدية رفعها، ومع عراض التحليلات بين من يرى أفقاً مسدوداً للاتفاق النووي ومن يرى أنه اتخذ مجراه، تقف حكومة الرئيس الإيراني الجديد أمام تحدّياتٍ متعدّدة. فهل تستطيع؟