الشمال اللبناني يفتح ذراعيه للنازحين
إزاء حالة النزوح المتكررة بسبب العدوان، سارع اللبنانيون لنصرة إخوتهم، وقاموا بمبادرات عفوية سريعة لإيواء المهجّرين.
ظاهرة التضامن الإنساني، الذي أظهرته غالبية الشعب اللبناني مع الوافدين من مناطق القصف، هي من الإيجابيات غير المعهودة للحرب. فما إن تفاقم القصف الوحشي على مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، والبقاع وغيرها من المناطق اللبنانية، حتى سارع العديد من العائلات إلى ترك منازلها خوفاً من الموت المحتّم حيث القصف الصهيوني لا يرحم، ولا يحترم إنسانية الإنسان.
وإزاء حالة النزوح المتكررة لأبناء هذه المناطق بسبب العدوان، سارع اللبنانيون لنصرة إخوتهم، وقاموا بمبادرات عفوية سريعة لإيواء المهجّرين، وأبرز المحطات طرابلس وزغرتا والضنية والمنية وعكار في لبنان الشمالي، والبداية بتقديم الناس بيوتهم بالمجان للوافدين منعاً لمكوثهم في العراء، والمبادرة لتقديم الحاجات الضرورية الحياتية لهم.
طرابلس: استقبال ورعاية
أولى المحطات كانت عند مدخل المدينة في نقطة تعرف بدوار السلام، حيث قامت مجموعة من الشّبان بالتجمع، رافعة شعار استضافة الوافدين للتدليل على من يساعدهم، وكانت تؤمن لهم المنازل، وحاجاتهم السريعة.
لم تلبث مختلف فعاليات المدينة وأهلها، أن دخلوا على الخط، وسرعان ما امتلأت المنازل بالوافدين، فعمدت السلطات الرسمية، وبعض ساسيي المدينة إلى فتح أماكن واسعة تستوعب المئات من العائلات، وأولى الأماكن كان فندق "كواليتي إن" الذي استوعب زهاء 700 شخص، وهو فندق خاص أقفل منذ سنوات قليلة عقب أزمة الكورونا.
إضافة لذلك، جرى فتح معهد الفندقية في الميناء، واستوعب عشرات العائلات، وتولّت لجنة من القطاعين الرسمي والخاص إدارة شؤون الموقع، والاهتمام بالمقيمين، ويتواصل الاهتمام بهم وتأمين حاجاتهم.
كما جرى فتح بعض المدارس الرسمية لإيواء الوافدين، في ظل معاملة إنسانية، وتعاون منقطع النظير.
العديد من الشخصيات والهيئات بادرت للمساعدة، وتقديم التبرعات العينية والمالية وبدأت تتشكّل لجان متفرقة لتنسيق الموقف.
زغرتا المتعاطفة تاريخياً
كأنّ المدينة المتعاطفة تاريخياً مع المقاومة، تحسست بصعوبة الموقف المقبل، فجهزت خطة لاستضافة من يمكن مغادرة مسكنه، وعند بدء أزمة القصف، أسرعت هيئة مختصة بحملة الاستضافة إلى استقبال الوافدين، فأمنت لهم منازل قدّمها أصحابها بالمجان، كما أوعز الوزير سليمان فرنجية للفنادق العديدة في القضاء بفتح الأبواب أمام الوافدين، وجرى إيواؤهم، وقدّمت لهم الرعاية اللازمة.
وقامت الهيئة بفتح مراكز عامة مثل مهنية زغرتا، ومدارسها الرسمية، وجهّزتها بأفضل الطرق من فرش، وبطانيات، وأمّنت لهم الوجبات الضرورية، ويتولى أطباء زيارة المواقع، والوقوف على حاجات المقيمين الصحية، خصوصاً منها الحالات المرضية المزمنة.
ورغم أن القضاء بات يستوعب أكثر من عشرة آلاف نازح، فإن مشهد المدينة والقضاء لا يوحي بوجود هذا الكم من الوافدين نظراً لجودة التنظيم، والعناية بأماكن الإقامة.
وأنشىء مطبخ في مهنية زغرتا ينتج 2500 وجبة يومياً، ويجري التحضير لإنشاء مثيل له في إهدن، حيث تكتظ المدينة بالوافدين، ذلك لأن سكان المدينة بدأوا بالنزول الشتوي إلى مدينتهم الأم زغرتا، وقدّم كثيرون منهم بيوتهم الصيفية للمحتاجين بالمجان.
وتتولى لجان في تيار المردة تنظيم الورش، كما تشارك معها جمعيات مثل "جمعية الميدان"، و"مركز أجيال".
ويرعى بعض التربويين من المعاهد المتخصصة في القضاء حاجات الأولاد والأطفال النفسية، وتقدّم لهم وسائل اللعب والترفيه.
لم تخلُ الحملة التي يشارك فيها كل الناس من تأمين المنظفات ومعداتها، والمعقمات، ويستعد أهالي القضاء لاستقبال المزيد تداركاً منهم لتطورات قد تحصل فتزيد أزمة النزوح.
عكار: مباردات مسبقة
ومنذ بداية التطورات، وفد إلى منطقة عكار، مئات العائلات، فقدّمت لهم المنازل في مختلف قراها وبلداتها، بمبادرات فردية، وسعت فاعليات ومتطوعون إلى تأمين أماكن إضافية، ولا يزال الجهد قائماً، وتولى محافظ المنطقة عقد لقاءات مع البلديات، وفاعليات المحافظة لتنسيق الجهود، وتأمين مراكز إيواء بعد أن استنزفت المنازل، وامتلأت بالمقيمين، بينما بدأ تنسيق فتح الأماكن العامة من مدارس رسمية.
وتميزت بلدة رحبة بمبادرة مسبقة التنظيم، فاستضافت البلدة زهاء ألف شخص جلهم في المنازل بنسبة تسعين في المئة، وهناك عدد قليل في مراكز الإيواء في المدارس، كما أن هناك لجنة متابعة تضم الكاهن وجمعيات البلدة في صالون كنيسة مار جرجس، ومتطوعين من الشباب لجمع التبرعات المادية والدينية ويتولون توضيب المساعدات، وتوزع تباعاً على الوافدين حيث يقيمون.
واتخذت فعاليات سياسية و ميدانية مبادرة توجيه الوافدين إلى سوريا عبر معبر العريضة الحدودي الساحلي، ومنها إلى طرطوس بعد أن جرى تنسيق الأمور مع المعنيين في سوريا، وأفادت مصادر الناشطين أنه تم حجز ما يناهز السبعمئة بيت للوافدين من أجل إقامة مريحة لهم.
وأقام الحزب السوري القومي الاجتماعي مراكز استضافة للوافدين، ومن المراكز واحد عند مفترق بيت حدارة-الحصنية، حيث يجري توزيع الوافدين على منازل خاصة، وأماكن شاغرة، إضافة إلى تنظيم الحاجات الحياتية لهم.
ولم تختلف الحال في مناطق أخرى من الشمال، حيث اكتظت البيوت بالوافدين، في الكورة والضنية والمنية، ولم تعد هناك بيوت للمزيد، ويمكن القول إن حركة النزوح بدأت تلقي بضغط في الشوارع، والطرقات العامة التي بدأت تكتظ بالعابرين خلافاً للفترات السابقة.
كما أن حركة النازحين بدأت بتنشيط الحركة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة لتلبية حاجات المواطنين من الأسواق والمحلات التجارية.