الطاقة الشمسية.. بناء مشاريع مستدامة لا تعتمد على الخدمات الحكومية
الطاقة الشمسية طاقة نظيفة ومتجددة تزداد أهمية في سوق الطاقة إلى جانب الطاقات المتجددة الأخرى التي يعود مصدرها للرياح والكتل الحيوية. وقد شهدت مؤخرا انخفاضا في تكاليف الإنتاج بشكل يؤهلها لمنافسة النفط والغاز.
الطاقة التي لا تنفذ أبداً. هكذا يمكن اختصار ما توفّره الطاقة الشمسية التي تُعدّ من أهم مصادر الطاقة المتجددة. وقد بدأ العمل في كثير من دول العالم على إنشاء محطات يتم من خلالها تحويل الطاقة الشمسية لطاقة كهربائية لتشغيل المصانع والمنازل وغيرها.
ترى عدة دراسات تناولت منطقة جنوب وغرب آسيا وبعضها مناطق الصراعات والدول المحيطة بها، أن أزمة استجرار الطاقة طويلة المدى، وأن الحلول تكمن في تمكين هذه المجتمعات من الاستفادة من مصادر طاقة غير مركزية والعمل في كل منطقة بمنطقتها.
يأتي ذلك في وقت تعتمد الدول الواقعة في أماكن الصراع على الطاقة المتجددة بشكل ضئيل، نسبةً لعدم وجود هذه التقنيات في المجتمع من قبل، وعدم علم الناس بها من جهة، وبسبب الاعتماد الطويل الأمد على المحروقات وعلى مخزونات النفط في الدول التي تمتلك احتياطات من النفط والغاز. فيما الواجب في هذه المناطق بعد مرحلة الصراعات، تفعيل ثقافة الطاقة المتجددة والحث عليها في مجتمعاتها.
لبنان والطاقة المتجددة.. غياب دور الدولة ومبادرات فردية
تتطرق الدراسات إلى عدة بلدان، وتنظر إلى التجربة اللبنانية على حدة، إذ ترى أن ما خلفته الحرب الأهلية في لبنان هو شغور وشح في توليد الكهرباء من قبل الوزارة المعنية والحكومات المتعاقبة بشكل عام، مما أوجد سوقاً رديفة غير رسمية لاستجرار الطاقة والتي يستحوذ عليها أصحاب المولدات. هذه المولدات التي تعمل على المازوت ويُقدر أنها توفر حوالي 40% من حاجة الكهرباء لدى اللبنانيين.
ففي الآونة الأخيرة، تفاقمت هذه الأزمة بشكل متصاعد جداً نظراً للأزمة الاقتصادية المحدقة بلبنان، التي يعززها من جهة الحصار والعقوبات، ومن جهة أخرى الفساد والاحتكار.
من هنا، آلت كل هذه الظروف المتعاقبة إلى عدم اكتفاء المواطنين بخدمات الحكومة، وولدت المبادرات الحزبية والفردية بهذا الصدد، والتي كانت إحداها سفن المحروقات الآتية من إيران، وفق ما أعلن مؤخراً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. أما على صعيد الأفراد، فقد انطلقت منذ فترة في لبنان مبادرات لاستجرار الطاقة المتجددة، انطلاقاً من الحاجة الضرورية لها لتأمين الاستمرارية الحياتية من جهة، ولتعويض غياب الدولة من جهة ثانية، وكذلك من أجل تأمين مشروع طاقة نظيفة مستدامة، يولد اقتصاداً دوّاراً (Circular Economy).
ففي بلدة شيحين جنوب لبنان، ولد نموذج لمبادرة فردية، من دون دعم أي جهة رسمية، وفق تأكيد أصحاب المبادرة، والتي تهدف إلى استجرار الطاقة عبر ألواح الطاقة الشمسية (الألواح الكهروضوئية)، للاستفادة على مستوى البلدة، في مشاريع الريّ والزراعة والكهرباء.
صاحب هذه المبادرة هو جميل غيث، المدير التنفيذي لشركة "Smart Businesses SAL" التي تتضمن مشاريع، "Smart Power LB" و"Smart Farms" و"Shihin Organic".
أُقيمت المبادرة بجهود شخصية بين صاحب الشركة ومدراء المشاريع، كل من بسام كرم وعلي ناصر، من خلال الدراسات والاستشارات والتنفيذ، واقتصر التمويل على تبرعات أهالي البلدة.
عن مشروع بلدة شيحين يتحدث نائب رئيس البلدية علي غيث، قائلاً إنه ولد نتيجة لغياب الدولة وغلاء المازوت، فكانت الطاقة الشمسية حلاً على صعيد البلدة بالنسبة لتوزيع المياه للمنازل والري وبنسبة معينة للكهرباء. ويلفت إلى أن عدداً كبيراً من البلديات في جنوب لبنان تواصلوا معهم كي يستفيدوا من نموذج العمل بالطاقة الشمسية في بلدة شيحين، مؤكداً أن المشروع لاقى ترحيباً من الأهالي.
يتألف المشروع من 234 لوحة، طاقة كل لوحة 330 واط، مؤلف من نظام ثلاثي الأطوار 3-phase، يؤمن لغاية 120 أمبير تيار كهربائي، على كل مرحلة VFD Inverter محول كبير بطاقة 75 كيلواط لمضخّة البئر، وصغير بطاقة 24 كيلواط للمضخّة الصغيرة (من سطح الأرض إلى الخزّان)، ويؤمن الطاقة لضخّ المياه لمدّة 6 ساعات، أي ما مجموعه بحدود 450 كيلواط ساعة في اليوم، توفّر أكثر من 15 ليتر مازوت في الساعة.
ويقول المدير التنفيذي للشركة جميل غيث إنه "كي ننجح بتصميم نظام طاقة جيد، يجب أن نفهم طبيعة أنظمة الطاقة المبنية على الطاقة الشمسية. أولاً يجب أن نفصل بين الطاقة التي تولد الألواح والمخزن الذي يخزن الطاقة، فاللوح يولد طاقة بظروف متعلقة بمدى قوة أشعة الشمس، ثم الطاقة المتولدة يمكن استخدامها تلقائياً من دون بطاريات".
ويلفت إلى أنه "من المهم فهم طبيعة الاستهلاك وترشيده، فسوء الاستخدام قد يؤدي الى تلف البطاريات وممكن أن يؤدي إلى إجهاد نظام الطاقة الشمسية"، مؤكداً أن العمل بهذا النظام هو "ثقافة يجب العمل بها ونشرها وإحداث حالة من الوعي الجماعي حولها، فبالرغم من أنها لا تقدم حلاً جذرياً لكنها تغطي 60 إلى 70% من الحاجة الناس".
ويتحدث غيث عن مزرعة "shıhın organıc" والتي تبلغ مساحتها 25000 متر، وتتألف من جزئين، جزء للشجر وجزء ثان للخيم الزراعية، يتم العمل فيها وفق نظام الطاقة النظيفة clean energy، والتي تسيّر نظام الري من خلال البئر الارتوازي الموجود في المزرعة، ويتم استخدام الطاقة الشمسية لاستجرار المياه منه، ومن ثم تنتقل المياه إلى بركة (مصنوعة يدوياً من الأرض)، وتنظم الأخيرة عملية ريّ كل البستان، ويتم العمل وفق هذه الآلية في الأوقات التي يكون فيها الريّ مناسباً، كفترة الصباح أو بعد الظهر، إذ يتم الاستفادة من أشعة الشمس عبر الألواح لجذب الطاقة، وتخزين المياه.
وفي ضوء الأزمة التي يمرّ بها لبنان، من نقص في موارد الطاقة وتقلب الأسعار والاحتكار، يقول جميل غيث إن "هذه السنة جميع الناس عانوا من تقلب أسعار المنتوجات الزراعية، إلا نحن، بحكم مشروعنا، فلم نتأثر بسعر وغلاء البنزين والمازوت، قمنا باستثمار لمرة واحدة، ولم يعد الأمر مكلفاً بالنسبة لنا، فأصبحت الكلفة تقتصر على اليد العاملة لا غير، يعني في مزرعتنا لا نستخدم مواداً كيميائية، لدينا مزرعة دجاج صغيرة نستخدم فيها السماد للخيم والشجر، ونستخدم أيضاً مواداً طبيعية لمكافحة الحشرات، وأوراق شجر ذابلة لكي نصنع سماداً طبيعياً".
سوريا بعد الحرب.. مشاريع مستمرّة في إطار الطاقة المتجددة
أما في سوريا، التي شهدت حرباً احتشدت لها أقطاب العالم، لم تسلم منها مصادر الطاقة، وشهدت استيلاء الإرهابين على بعضٍ من نفطها، لكن كل ذلك لم يقف أمام مساعي المُبادرين، في ما قد يصح تسميته، "صحوة"، في مجال الطاقة المتجددة على صعيد منطقتنا.
انقسمت التجربة السورية في هذا الإطار بين خاصة وحكومية، ففي إطار الدعم الحكومي لمشاريع الطاقات المتجددة وضمن استراتيجية وزارة الكهرباء في تشجيع الاستثمار في تلك المشاريع لتخدم كافة المجالات، تم قبل أشهر توقيع عقد مشروع محطة كهروضوئية باستطاعة /33/ ميغا واط في محافظة حلب وذلك بحضور وزير الكهرباء المهندس غسان الزامل والمدراء المعنيين في الوزارة حيث أكد الزامل أهمية هذه المشاريع التي تسهم في تحسين ودعم قطاع الكهرباء، مشيراً إلى أن الوزارة توفر الدعم الكامل لهذه المشاريع بكافة مراحل العمل.
يبلغ عدد اللواقط الشمسية المقرر تركيبها في هذه المحطة 86840 لاقط شمسي ومن المتوقع أن تنتج حوالى 52 مليون كيلو واط ساعي في السنة مع إمكانية التوسع في المشروع حتى 60 ميغا واط.
يذكر أن هذه المحطة صديقة للبيئة حيث سيتم توفير في كمية الوقود حوالى 13000 ألف طن فيول سنوياً وهو ما يعادل قيمة 3 مليار ليرة سورية وكمية الكربون الموفرة حوالى 39000 طن CO2 وتكفي لإنارة حوالى 13000 منزل طوال العام بتكلفة 36 مليون يورو.
وفي مجال المبادرات الخاصّة، أنهت منذ مدة كوادر شركة "WDRVM" الوطنية للطاقات البديلة والصناعات الثقيلة تركيب العنفة الريحية الثانية قرب جسر شين بريف حمص الغربي، على طريق عام حمص طرطوس.
وأوضح المدير التنفيذي في الشركة، ربيع الياس في وقت سابق في تصريحات إعلامية أنه "تم رفع الشفرات وتركيبها على جسم العنفة"، مضيفاً أن "استطاعة العنفة 2.5 كحال العنفة الأولى، وتستطيع العنفتان معا إنارة 7000 - 10000 منزل تقريباً".
الياس أكد أن هناك خططاً لاحقة لرفع استطاعة العنفة الثالثة التي تنوي الشركة تركيبها حتى تصل لـ3 ميغا بعد وضع شفرات أكبر وتوربين أكبر.
الطاقة الشمسية تغير نظام الطاقة العالمي
يقول كريستيان برايير، أستاذ الاقتصاد الشمسي بالجامعة الفنلندية وخبير سيناريوهات الطاقة العالمية، إنه سيزداد في السنوات المقبلة التوجه عالمياً نحو استخدام الطاقة الشمسية. فمن جهة سيصبح بناء منشآت الطاقة الشمسية في كل سنة أقل تكلفة بين 5 و10 في المائة.
ويؤكد بايير أنه ستكون هناك محطات توليد طاقة كبيرة ببطاريات، وستتولى بالتالي أجزاء كبرى من سوق الكهرباء. وهذا يعني بأن الوضع سيصبح أكثر تعقيداً بالنسبة إلى محطات توليد الطاقة التقليدية.
في مجلة العلوم يصف برايير مع أكثر من 40 باحثاً في الطاقة الشمسية مكونات التطور المستقبلي. وعليه فإن إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في السنوات المقبلة سينمو بسرعة وسيغير بقوة نظام الطاقة العالمي.
ومؤخراً، نشرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تقريراً يظهر أن الولايات المتحدة قد تحصل على 40 بالمئة من الكهرباء من الطاقة الشمسية بحلول عام 2035 في ارتفاع كبير عن حصة الطاقة الشمسية الحالية في توليد الكهرباء.
فيما تخطط الصين لإطلاق أسطول من الألواح الشمسية بطول ميل (1.6 كم) في الفضاء بحلول عام 2035، وإعادة إرسال الطاقة إلى الأرض في محاولة لتحقيق هدفها بتحييد الكربون لعام 2060.
أما في أستراليا، فللمرة الأولى؛ تجاوزت الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية هناك نظيرتها المولدة من الفحم. ووصل سوق الكهرباء إلى مرحلة جديدة، حيث تفوقت الطاقة الشمسية على توليد الطاقة من الفحم لأول مرة منذ إنشاء السوق قبل عقدين، بحسب صحيفة "الغارديان".
وفي دول شمال إفريقيا، تمثل أشعة الشمس التي تنعم بها على مدار العام فرصة هائلة لاستغلال هذا الكم من الطاقة الشمسية، لكن حجم الاستثمار ودعم الحكومات المطلوب لمشروعات واسعة النطاق في هذا المجال، يُعد تحدياً لدول تعاني ضائقة اقتصادية.