ما التخاطرُ؟ 

إذا صحّ التعبير، فلقد تمّت صياغة التخاطر لأول مرة عام 1882 من جانب عالم النفس، فريدريك دبليو أتش مايرز. وعلى الرغم من أنه لا يزال يُعَدّ علماً زائفاً من جانب كثيرين لأنه يصعب إثباته، فإن هناك عدة دراسات أثبتت مدى فعاليته.

تُعرّف عالمة النفس وقارئة التاروت، دافيدا رابابورت، التخاطر بأنه "القدرة على إيصال الأفكار بوسائل أخرى غير الحواس الخمس التي يتعلمها الأطفال في المدرسة: الرؤية والسمع والشم والتذوق واللمس".

هل حدث يوماً أنك كنت تفكر في شخص معيّن، وقام الشخص نفسه بالاتصال بك؟ مصادفة مضحكة، لكن من الممكن أن تكون قوة التخاطر الخاص بك.

اقرأ أيضاً: علم النفس كأداة للإبداع في العمل 

لماذا يُستخدم التخاطر؟ 

يَعدّ البعض أن التخاطر هو "الصوت الصغير" داخل الشخص، أو حاسة سادسة، أو لغة أخرى وُلدت ونحتاج فقط إلى تذكرها، إذ يساعد التخاطر خلال الأوقات التي لا تعرف فيها ما تقوله، أو حتى كيف تقوله. 

أنواع التخاطر

في التجارب، التي يعود تاريخها إلى القرن الـ19، قام العلماء بالتحقق من صحة نوعين من التخاطر: التخاطر الغريزي، أي القائم على المشاعر، والتخاطر العقلي. ووفقاً لتعاليم الحكمة، هناك نوع آخر أعلى من التخاطر، يسمى التخاطر من الروح إلى الروح؛ أي التخاطر الروحي.

أجسادنا الأثيرية هي جزء من بحر تفاعلي للطاقة يربطنا بكل شخص وكل شيء في عالمنا. ومن خلال هذه الأجساد نرسل ونستقبل معلومات توارد خواطر. تعرّفْ إلى أنواع التخاطر بالتفصيل:

- الاتصالات الذهنية  Instinctual 

التخاطر الغريزي هو أدنى أنواع التخاطر، ويستخدم الغريزة والعاطفة. في هذا النوع من التخاطر، يسجل شخص، عن بُعد، مشاعر شخص آخر أو احتياجاته. واستخدم عدد من الثقافات القديمة والحديثة هذا التخاطر.

البوشمان الأفارقة مثلاً. اكتشف عالم الأنثروبولوجيا برادفورد كيني هذا الأمر، بحيث يعتقد البوشمان في صحراء كالاهاري، جنوب قارة أفريقيا، أن كلّ الكائنات الحية مرتبطة بتيار فضي من الطاقة يمتد من شخص إلى آخر. ويستخدم البوشمان هذه "الخطوط" الأفقية مثل أسلاك الهاتف لإرسال رسائل توارد خواطر واستقبالها.

اقرأ أيضاً: دراسة: النوم يفرز مشاعر إيجابية 

من جهة أخرى، يعتقد السكان الأصليون الأستراليون أن "ميوي" هو الذي يجعل من الممكن لهم أن يروا أو يسمعوا عن بُعد. والميوي: كلمة نغاريندجيري، تُترجم إلى "روح" أو "غريزة"، تقع في حفرة المعدة. تنتقل الميوي من الأب إلى الطفل، وهي حاضرة لدى الجميع، لكنها قوية بصورة خاصة عند رجال الطب الذين يستخدمونها للتخلص من المرض وزيارة أرواح الموتى. يجعل miwi من الممكن أيضاً رؤية الرؤى والتنبؤ بالأحداث المستقبلية.

أمّا في ثقافتنا الحالية، فإن مصطلح الشعور الغريزي هو الطريقة الأكثر شيوعاً لشرح مشاعرنا الغريزية تجاه شخص أو موقف، ويحدث ذلك عندما نقول "لقد وثقت بحدسي في اتخاذ هذا القرار" مثلاً.

ما هو مثير أنه، في عام 2004، أجرى أخصائيا التخاطر، عميد رادين ومارلين شليتز، تجربة في معهد علوم نوتيك مع 26 زوجاً من أجل تحديد ما إذا كان يمكن أن يشعر شخص آخر باستجابة القناة الهضمية. وتم عرض سلسلة من الصور المصممة لإثارة مشاعر "إيجابية أو سلبية أو مهدئة أو محايدة" لشخص واحد.

في غرفة أخرى، تمت مراقبة رد فعل جهاز الاستقبال بواسطة أقطاب كهربائية موضوعة على عضلات القلب والجلد والمعدة. وجد المجربون أن المشاعر الإيجابية والسلبية أنتجت استجابات قابلة للقياس لدى المتلقي، وخلصوا إلى أن القناة الهضمية لها "دماغ بطن" مع "ذكاء إدراك" خاص بها.

دعمت الأبحاث الطبية ما قيل بشأن وجود دماغ بطن، وتم توثيق ذلك لأول مرة من جانب طبيب الأعصاب الألماني في القرن الـ19، ليوبولد أورباخ، ثم أعاد اكتشافه لاحقاً الدكتور مايكل غيرشون. وقيل إن الدماغ الثاني يتكون من مليارات الخلايا العصبية في الجهاز الهضمي، كما يعتقد بعض الباحثين أن هذا الدماغ قد يكون مصدر تفاعلات الأمعاء اللاواعية، والتي يتم توصيلها لاحقاً إلى الدماغ الرئيسي.

- التخاطر الحيواني Animal 

من السهل اكتشاف التخاطر الغريزي لدى الحيوانات. ويُلاحظ ذلك في أنماط الهجرة الغامضة للطيور والحشرات وغيرها.

أما التخاطر الغريزي بين الحيوانات والبشر فهو واضح أيضاً، وهو يعتمد على العلاقات الوثيقة. استكشف Sheldrake هذا النوع من التخاطر عندما تعرف الكلاب متى يعود أصحابها إلى المنزل، وغيرها من القوى غير المبررة للحيوانات. وسجّل Sheldrake عدداً من الأمثلة الأخرى على التخاطر من إنسان إلى حيوان، مثل القطط التي تعرف مسبّقاً متى سيتم أخذها إلى الطبيب البيطري.

اقرأ أيضاً: هل هناك اختلاف بين دماغَي المرأة والرجل؟

- التخاطر العقلي Mental

التخاطر العقلي هو التخاطر من العقل إلى العقل. يستخدم هذا النوع من التخاطر المستويات السفلية من المستوى العقلي. وتتطلب ممارسة التخاطر العقلي تركيزاً شديداً.

التخاطر العقلي الحقيقي لا يزال نادراً إلى حد ما، ويُعتقد أنه سيكون الأسلوب المفضل للاتصال في نحو 400 عام.

مثال على هذا التخاطر هو النقل المباشر الذي مارسه المعلم البوذي بادماسامبهافا، الذي جلب الممارسات البوذية من الهند إلى التيبت في القرن الـ8. وقيل إنه أخفى التعاليم والنصوص والأشياء الدينية لتكتشفها الأجيال اللاحقة. والمصطلحات الأرضية هي نصوص رمزية مكتوبة على لفائف صفراء مخفية في الصخور والبحيرات والمعابد، وبمجرد العثور على هذه الرموز ستعيد إيقاظ عقل terton الواعي إلى تعاليم المعلم.

- راديو عقلي Mental Radio 

في أواخر عشرينيات القرن الماضي، أجرى أبتون سنكلير سلسلة من 300 تجربة تخاطر مع زوجته ماري كريج كيمبرا. سينكلير ينشئ صورة ويضعها في مظروف مغلق، وفي غرفة أخرى كانت ماري تضبط الصورة وتحاول رسم نسخة مكررة.

عام 1930، نشر سنكلير كتاباً بعنوان Mental Radio، وصف فيه هذه التجارب. كان معدل دقة ماري مثيراً للإعجاب على نحو يكفي لجذب انتباه عدد من الأصدقاء البارزين، بمن فيهم ألبرت آينشتاين، الذي كتب مقدمة الكتاب مشيداً بسنكلير بسبب تقاريره الواعية.

- اختبارات البطاقة ESP Card Test 

ابتكر جي بي راين تجارب التخاطر باستخدام سلسلة من البطاقات، تتكون من 5 رموز: دائرة، صليب، مربع، نجمة، وصورة مكونة من 3 خطوط عمودية متموجة. يتكوّن السطح من 5 بطاقات من كل رمز. وفي هذه التجربة، كان المرسل يخلط البطاقات. وعندما يتم تسليم كل بطاقة سيحاول إرسال الصورة ذهنياً إلى جهاز الإستقبال في غرفة أخرى.

- تجارب الأحلام DREAM TELEPATHY 

تمّ إجراء تجارب الأحلام هذه للمرة الأولى بواسطة الباحث الإيطالي، جي بي إرماكورا، في ثمانينيات القرن الـ19. تضمنت هذه التجارب جهاز استقبال ومرسلاً. كان المتلقي يُمضي الليل في مختبر أحلام عازل للصوت ومحمي إلكترونيّاً. بمجرد أن ينام جهاز الاستقبال ستتم مراقبتها بحثاً عن حركات العين السريعة التي تشير إلى حالة الحلم، وسيحاول المرسل عقلياً نقل صورة تم اختيارها عشوائياً إلى الحالم. وبمجرد أن يتم ذلك، تم إيقاظ المتلقي والطلب إليه وصف الحلم.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تشرح أهمية النوم و"قلة التفكير"

- تجارب GANZFELD TELEPATHY 

في هذه التجربة، يتم وضع جهاز الاستقبال والمرسل في مقصورات منفصلة ومعزولة. عينا المتلقي مغطاتان بنصفين من كرتَي بينغ بونغ، وأذناه مغطاتان بسماعتي رأس تُصدران ضوضاء بيضاء. بمجرد إرخاء جهاز الاستقبال، يتم عرض الصور الثابتة أو مقاطع الأفلام على المرسل، ثم يحاول المرسل إرسال هذه الصور إلى جهاز الاستقبال عن بُعد، ويتم تسجيل انطباعات المتلقي ومقارنتها بالصورة الأصلية.

- التخاطر الروحي Spiritual 

التخاطر الروحي، أي من روح إلى روح، هو أعلى أنواع التخاطر. يستخدم هذا النوع المستويات الأعلى من المستوى العقلي، ويصبح ممكناً فقط عندما نكون أنشأنا رابطاً بين الدماغ والعقل والروح. وعندما نقوم بمحاذاة الدماغ والعقل والروح، تصبح لدينا القدرة على العمل كوسطاء بين العالمين المادي والروحي.

طريقة التخاطر

يقول الباحثون إن التخاطر يحدث بصورة أفضل مع أشخاص تعرفهم من قبل، كأفراد العائلة أو الأصدقاء أو حتى الحبيب. إليك خطوات التخاطر بين شخصين:

اقرأ أيضاً: حواس متيّقظة على رغم النوم... لماذا؟ 

الجلوس في حالة تأمل 

اجلسْ في حالة تأمل وقُمْ بتخيل الشخص الذي تريد التواصل معه. تخيَّلْ أنك ترسل الحب أو مشاعر امتنان، وخذ هذا الشعور واعتبره حالة من الطاقة التي يمكن أن تنتقل إليهم.

إرسال رسائل صغيرة إلى شخص تهتم بأمره 

يُقال إنه لتعزيز اتصال توارد خواطر الأحلام مع الآخرين قبل النوم، اطلب من نفسك الأعلى "زيارة" وعيهم وإعطاء رسالة. كيف؟ ابدأ إرسال رسائل إلى شخص ما من خلال أفكارك وحالتك الذهنية، واطلب الرد عليك في حال تلقّى الرسالة التي أرسلتها.

كن مستعداً لتلقي رد من الآخرين

هل قمت بتعزيز اتصال خواطر الأحلام؟ كن مستعداً للحصول على الرد. يقول الباحثون إن الشخص سيتفاجأ بعدد المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية التي سيحصل عليها عندما يستيقظ. سيقومون بإخبارك عن مدى رغبتهم في التواصل معك اليوم. سيسألونك عن أحوالك أو يمكن أن يقوموا بضغط زر الإعجاب على أحد منشوراتك في صفحات التواصل الاجتماعي. 

التحلي بالصبر

أكثر ما يمكن أن يكون مهمّاً في عملية التخاطر هو التحلي بالصبر، ويُعَدّ الأمر مثل تعلم مهارة جديدة سوف تستغرق وقتاً للحصول عليها.

اقرأ أيضاً: إنَّنا في هذا العالم أسرى أفكارنا

ابحثْ عن مرشد نفسي

يجب أن تتأكد من أنك تمارس نظافة روحية جيدة. ويعني ذلك أنك تعتني بنفسك طوال فترة تطورك النفسي. أنت في حاجة إلى أن تكون قادراً على إطلاق أشياء ليست لك، مثل الأفكار العادية أو المخاوف. لذا، يمكن أن يتطلب ذلك تدريباً، ويمكن أن يساعد وجود المرشد.

ما فوائد التخاطر؟ 

تبدأ رؤيةَ أنماط أكبر في حياتك بمجرد أن تبدأ استخدامَ التخاطر، أي أن تفهم أن الأشياء تحدث معك ومن أجلك.
تبدأ اتخاذ تصرفات الآخرين بصورة أقل شخصية، أي بدلاً من إدراك الحياة كسلسلة من الأشياء العشوائية التي تحدث عن طريق الصدفة، تدرك أننا في الواقع نتحرك بالتنسيق مع بعضنا البعض.

اقرأ أيضاً: لغة الجسد: هل تشكّل طريق العبور إلى أفكار الآخرين؟

أضرار التخاطر 

يجب أن تكون على دراية بحدودك الخاصة وحدود الآخرين، ومن غير المقبول انتهاك الإرادة الحرة لأي شخص.
قد تكون هناك أوقات لا تريد فيها الرسائلَ التخاطرية التي يرسلها شخص ما إليك. ولسوء الحظ، يمكن لبعض الأشخاص أن يكونوا بارعين في التمسك بطاقتنا والتلاعب بروابطنا النفسية من أجل التواصل معنا بصورة سلبية.

ما هو التخاطر في الإسلام؟

كيف عُرف التخاطر في الإسلام؟ 

يُقال إنه على قدر تعلق الشخص بأحد يحبه، يكون توارد الأفكار والمشاعر بينهما عظيماً، وتكون روحاهما معلَّقتين، إحداهما بالأخرى. واستند العلماء المسلمون إلى بعض الآيات من القرآن الكريم، وقوله تعالى: "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجَل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، والدعاء الوارد عن النبي (ص) قبل النوم: "اللهم إني وضعت جنبي فإن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرجعتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".

يعني هذا الأمر أنه، في لحظة النوم، تخرج الروح من الجسد، الأمر الذي جعل النوم يُعرَف بالميتة الصغرى، وهو ما وقف عنده علماء الإسلام. وتم اكتشاف مقدرة الإنسان من خلال طرائق معينة على التخاطر مع من يرغب عن طريق التواصل الروحي، بحيث يبدأ الفرد في الاسترخاء التام، وقبل بلوغ النوم يفكر فيمن يرغب في التواصل معه، ومنذ تلك اللحظة تبدأ الرحلة.

اقرأ أيضاً: "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" لمالك بن نبي

ولقي موضوع التخاطر اهتمام الغرب إلى درجة أنه يدرَّس في الجامعات للطلاب. وعلى رغم أن البعض لا يؤمن بوجود هذا النوع من الاتصال الروحي، فإن البعض الآخر يؤمن يوجود طريقة للتواصل مع الأشخاص أينما كانوا على وجه الأرض.