ظافر العابدين: "غدوة" لا يحمل رسائل سياسية
عودة ظافر العابدين للسينما التونسية كانت من الباب الكبير، فإلى جانب تجربة الإخراج والكتابة التي لم نألفه فيها سابقاً، اختار سينما المؤلف الطاغية على التوجه السينمائي في تونس.
كثيرون هم الذين حلموا بــ "غدوة " (غداً) بعد الثورة في تونس لتتويج أحلامهم وآمالهم وجني ثمار نضالاتهم وتعويضهم عمّا كابدوه في سجون نظام بن علي، سواء عبر تعويضهم عن الظلم والقهر أو محاسبة المتسببين به في أقبية وزارة الداخلية ودهاليزها.
من هذه الفكرة انطلق فيلم "غدوة" (96 دقيقة) لكاتبه إلى جانب السيناريست أحمد عامر ومخرجه الممثل ظافر العابدين.
عن المجتمع التونسي وأزماته في مرحلة ما بعد العام 2011، قدّم الفنان التونسي ظافر العابدين تجربته الإخراجية الأولى. بعد أشهر من التحضير كان العرض الأول في "مدينة الثقافة" بتونس العاصمة، والثاني في قاعة "سيني مدار" بحضور ثلة من الممثلين والفنانين والنقاد والصحفيين.
عودة ظافر العابدين للسينما التونسية كانت من الباب الكبير، فإلى جانب تجربة الإخراج والكتابة التي لم نألفه فيها سابقاً، اختار سينما المؤلف الطاغية على التوجه السينمائي في تونس، حيث كانت السينما التونسية سينما أفراد ومخرجين وكل يروج لمشروعه على حدة.
وتدور وقائع فيلم "غدوة" حول فكرة إجهاض مسار الانتقال الديمقراطي وعدم إنصاف ضحايا الاستبداد والتعذيب أيام نظام بن علي.
وخلال العرض المخصص للصحفيين قال ظافر العابدين عن هذه التجربة ومدى ارتباطها بمسار العدالة الانتقالية: "لم أفكر في عنوان العدالة الانتقالية"، مضيفاً أن: "فكرة الفيلم تندرج في إطار مطالبة مواطن بالمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون مهما كانت الاختلافات بتفكير بسيط وغير معقد". كما أكد أن الفيلم لا يتحدث أبداً عن السياسة ولا ينتمي لأي جهة سياسية أيضاً.
ورغم إصرار مخرج الفيلم وكاتبه وبطله الرئيسي في آن واحد على أن الفيلم لا يتحدث عن السياسة، فإن موضوعه يظل سياسياً بامتياز، ويصب في إطار وأد مسار العدالة الانتقالية في تونس ما بعد الثورة. يتعزز هذه الأمر مع تكرار كلمات على غرار المصالحة والعدالة، وكذلك فكرة الفيلم وسياقه العام والإشارات الواضحة التي يحتويها، على عكس ما صرح به العابدين.
في صورة مغايرة للرجل الوسيم الذي تلاحقه النساء في جل أعماله السينمائية والتلفزيونية، يطالعنا ظافر العابدين بشخصية سي الحبيب المحامي الملتزم بالقضايا الحقوقية وبمتابعة ملفات التعذيب والتنكيل، في مقابل أولئك الذين اختاروا وضع أيديهم في أيادي المجرمين والاستفادة من اقتسام كعكة الثورة من دون محاسبة كل من اضطلع في تلك الجرائم. وهنا يظهر جلياً أن المحامي نفسه يعيش نفس انهزامات وانكسارات الضحايا بين الواقع وبين إصراره على غد أفضل.
المحامي المطلق والمريض الذي يعيش انكساراً على المستوى الشخصي إثر تخلي زوجته الأولى عنه، ثم على المستوى المهني والاجتماعي بعد تخلي زملائه عنه وتخلي السياسيين عمن يشبهونه، يصبح ملاذه الأول هو ابنه المراهق ومن ثم دائرته الاجتماعية الضيقة المكونة من جاره العم هاشم وجارته سعدية.
التحضير للدور الرئيسي كان واضحاً خاصة وأن البطل يحمل مرضاً نفسياً يتطلب تجهيزاً خاصاً ومعرفة بمطبات الشخصية، ناهيك عن الجمع بين التمثيل والإخراج في ذات الوقت وهو ما يتطلب مجهوداً إضافياً في توظيف كل العناصر، كالألوان الباهتة أو ديكور الفوضى عامة في اتجاه التعبير عن المرض النفسي والخراب عامة.
في صناعة الأحداث والحبكة الدرامية كان لكل شخصية دور مميز، ومن بين الشخصيات اللافتة في العمل الجارة "سعدية" التي جسدتها الممثلة رباب السرايري من خلال الفانتازيا والاغراء كانت مصدر السعادة للمحامي المضطرب وتعويضاً عن خيبات الواقع. فيما ظهر الممثل بحري الرحالي في شخصية مغايرة لما أداه في السنوات الأخيرة، شخصية العم "هاشم" المفعمة بالحب والحنان كانت أيضاً ملاذاً للشخصية الرئيسية.
أما انقلاب الأدوار في علاقة الأب بابنه فكانت رتقاً لشرخ الفشل الأسري الذي عاشه البطل وعذاباته داخل السجون. وتميز الممثل الشاب أحمد بن رحومة على صغر سنه بأداء مقنع في دور الابن مبشراً بمستقبل فني جميل. كذلك كان دور الممثلة نجلاء بن عبد الله رغم اقتضابه مفعماً بالدلالات خاصة أمام تخليها عن زوجها المريض.
بعد رفضه من لجنة انتقاء أفلام المسابقة الرسمية لــ "مهرجان أيام قرطاج السينمائية" لعام 2021، شارك فيلم "غدوة" في فعاليات الدورة 43 من "مهرجان القاهرة السينمائي" وحصد "جائزة النّقاد"، واليوم ينصفه جمهور النقاد والفنانيين والإعلاميين والصحفيين في انتظار عرضه للجمهور في دور السينما التونسية بدءاً من 2 آذار/مارس المقبل.
يذكر أن الفيلم من بطولة نجلاء عبد الله، والبحري الرحالي، ورباب السرايري وغانم الزرلي والممثل اليافع أحمد بن رحومة.