"قصيدة نثر" ... ليس مجرد مقهى!

مكان صغير وبسيط لكنه يمثل لزواره "حال انسجام مع الروح" ... ما هي قصة "مقهى قصيدة نثر"؟

مقهى قصيدة نثر

مقهى صغير وبسيط يتربّع بهدوء وسط زقاق يفصل شارع 8 آذار عن ساحة الشيخ ضاهر في مدينة اللاذقية السورية. مقهى ليس كغيره من مقاهي المدينة، فهو بحسب ما يصفه روّاده يمثل "حال انسجام مع الروح".

إنه مقهى "قصيدة نثر"، الذي يُحيل إسمه تلقائياً إلى الأدب، وهذا صحيح، إذ يتمسّك المقهى بطابع ثقافي محلي بسيط لم تطغ عليه مظاهر "الحَداثة". يمكن للزائر أن يُطالع هذه "البساطة" في محتويات المقهى من الأثاث وصولاً إلى لائحة المشروبات وطريقة تقديمها.

في وسط المقهى تقوم مكتبة تُتيح الفرصة للزائِر بانتقاء ما يحلو له من بين 2000 كتاب للمطالعة، ما يجعل روّاده من الشريحة المُحبِّة للقراءة والمعرفة.

رامي غدير، وهو أحد مالكي المقهى تحدّث للميادين الثقافية عن بداية تأسيس "قصيدة نثر" قائلاً "بصراحة، البدايات دائماً مُمتعة ومُحمَّلة بأحلام كبيرة. أحلامي كانت مُغايرة للأحلام نفسها التي تحقّقت. كنت أتوقّع أن يحقّق المقهى شعبية معينة، لكنه يحتاج مدة طويلة ليسلِّط الإعلام عليه الضوء بسبب إسمه. فالانتقاء كان قائماً على آلية الجَذْب من خلال الإسم لأن إسمه غريب قليلاً، وكنت أتمنى أن أترك ما أسمّيه أثر الفراشة في الحركة الثقافية في اللاذقية".

ولأن رامي من الشباب الذين يرتادون المقاهي، فقد جاءت فكرة إنشاء مقهى "قصيدة نثر" من أجل "جَذْب روّاد مقاهٍ يتشابهون معنا بالأفكار الجميلة، ومنها أن أجعل روّاد المقهى يقرأون الكتب مجاناً، لأن الكتاب ممكن أن يكون ثمنه غالياً في وقتنا الحاضر، ثم تحويل المقهى إلى منبر للشعراء والأدباء الشباب يقدّمون من خلاله إنتاجهم الأدبي سواء عبر أمسيات شعرية أو تواقيع كتب".

وكما كان يطمح رامي غدير وأصحابه، فقد غدا "قصيدة نثر" أشبه ببيتٍ لبعض روّاده. هذا ما قاله لنا فارس خدوج معتبراً أن "المقهى بالنسبة لي هو البيت. أنا منذ ثلاث سنوات أرتاد المقهى بشكل يومي فهذا المكان يعطيني الوحي وطاقة للعمل بشكل جيد. في عملي أنا محتاج للوحي الثقافي أن يكون محيطاً بي وبكل بساطة عندما أحتاج كتاباً آخذه من مكتبة المقهى وهذا شيء مهم بالنسبة لي. كما هو مهم أن أكون محاطاً بأشخاص يفكّرون مثلي".

اعتمد أصحاب المقهى على رَبْط ذاكرة الزوّار بالمكان وهو الدفء الذي يجذبه إلى الآخر، ومنها مجموعة صوَر للأشخاص الذين ارتادوه مع لوح كبير يكتبون عليه قصاصات ورقية يتمّ تعليقها عليه. هكذا يشعر الزائر أنه جزء من المكان وكأنه في منزله، وبالتالي خلق نوع من الحميمية، كما يشرح لنا رامي غدير.

مواظبة البعض على ارتياد المقهى تراه يارا حداد التي تزور "قصيدة نثر" منذ 6 سنوات بشكل شبه يومي ، ترى أنه "دليل على أن المكان مميّز جداً وطبيعة الأشخاص الذين تقابلهم في المقهى ، بالإضافة إلى المكان والكتب الموجودة فيه والحوارات تضيف لي شخصياً شيئاً مهماً ومميزأً ثقافياً"، مُضيفة أن "الأشخاص الذي يرتادون المقهى يشبهون بعضهم بعضاً، فهم مُحبّون للقراءة والنقاشات، وهذا في المُحصّلة يُغني شخصية الفرد وثقافته".

أما جورج عتيق الذي تجاوز الستين فتحدّث للميادين الثقافية قائلاً "أنا من مؤسّسي مقهى قصيدة نثر وروّاده الدائمين. تعاونت مع الشباب لإنشاء المقهى. تعاملوا معي بحبٍ وحنان. أنا أعمل بالفن وكل خشبيّات وتراثيات المقهى هي من عملي وهذا الجهد نابع من قلبي وأنا أبادل روّاد المقهى كل الحب".

يتمنّى رامي أن يراهن شباب اليوم على القراءة "لأن المعرفة تقدّم لهم إضاءات لا يمكنهم الحصول عليها في أماكن أخرى"، ولذلك "عندما أستطيع تأمين كتاب وتقديمه لروّاد المقهى فإني أكون سعيداً جداً".

على الرغم من انتشار وسائل الاتصال الحديثة اليوم، والتي كانت غائبة عن المقهى عند تأسيسه، إلا أن "قصيدة نثر" كما يشرح حسام بدريه، بقي مُتمسّكاً بشكله الأول. مكتبة الكتب التي تشكّل فسحة للقراءة والدراسة، وغياب "الألعاب الاعتيادية كورق الشدّة وطاولة الزَهر"، والاكتفاء ببثّ دائم للموسيقى الهادئة والأغاني الشرقية القديمة.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]