غادة سعيد تتحدث للميادين نت عن معضلات الرواية العربية
عن معضلات الرواية العربية، الجسد المحرّم، والتابوهات التي تحكم حركة الأدب، فضلاً عن الرواية النسائية، تحدثت الروائية السورية غادة سعيد للميادين نت. وهنا نص الحوار الذي أجراه معها أوس أبو عطا.
"الجسد المحرم في الأدب العربي الحديث الرواية النسائية نموذجاً"، كان عنوان أطروحتك للدكتوراه في الأدب، هلا تحدثينا عن معضلات الرواية النسائية؟
في ما يخص معضلات الرواية بصفة عامة والرواية النسائية أو لنقل الروايات ذات الاظافر الطويلة، هي نفسها مع اختلاف أن الرواية بتاء الثأنيت رواية ناقصة البوح والجرأة. طبعاً مع استثناءات قليلة وأغلبها في المهجر، لكنها قوبلت بالتهجين والاتهام والرفض وبأن صاحباتها ملحدات أو سافرات أو أنهن يبحثن عن الشهرة. لكن أكثرية الروايات تغلب عليها الرقابة الذاتية واستحضار الموروث وحكم الآخر وكذا العرف داخل مجتمعاتنا العربية. هذا كله طبعاً، نتيجة قوانين مجتمعاتنا العربية التي تستمد نصوصها من الدين الاسلامي، وأحكامه على المرأة باعتبارها ناقصة عقل، فأضحت كل القوانين المشتقة والمستمدة من هذا الدين أو ذاك إلى تجريم فعل "الكلام" عن الجنس، رغم أن كل الأديان تتناقض مع نفسها، وتعتبره الجنس لا حياء له في الدين.
أخذت ظاهرة الثلاثي المحرم (الدين والجنس والسياسية) في عالمنا العربي أبعاداً أخرى بين مطالب بالحرية الكاملة في الكلام عن "التابوهات"، باعتبار أن قوانين بلدانها تحث صراحة على مبدأ "حرية التعبير" في دساتيرها الحديثة، وتمحيصها من وجهة نظر علمية لا فقهية، نرى أن هناك فريقاً يستخف ويمنع ذلك تارة بدعوى الأخلاق العامة، وطوراً بوصف "الكتابات الإيروتيكية" بأنها كتابات تسفيهية ومندسة وتحاول ضرب عمق تلاحم الأسر ومحاولات لفك طوق الحصار على "الجسد المستعبد.
لا يمكن أن ننسى أيضاً أن جنس الرواية في العالم العربي جنس أدبي حديث ودخيل مقارنة مع الجنس الادبي الغربي الذي تناول الجسد بحرية تامة، فالرواية العربية ما زالت تتلمس طريقها، لأن اكتشاف الكتابة الروائية العربية لم يكن إلا في مراحل الاستعمار لبلداننا العربية. فقد شكلت هزيمة حزيران أول نقلة في الكتابة الروائية العربية لتبحث لها عن رؤية عربية من واقع عربي محض كان عنوانه حينها الحرب العربية الاسرائية والمقاومة. ثم بعدها انتقلت مع نجيب محفوظ وغيره للرواية الواقعية التي تجسد مشاكل المجتمعات وخصوصياتها. لكن بقي الثالوت المحرم يختلف من بلد إلى آخر واتخذت الرواية السياسية احياناً دور تصفية حسابات بين الدول العربية التي تأوي معارضين لبلدان اخرى كوسيلة انتقام وحرب نفسية. وكذلك في الغرب حيث لجأ الكتاب العرب اليه مستغلين بطاقة اللجوء ليكتبوا عن بلدانهم الاصلية روايتهم وغالباً ما كانت تأتي على شاكلة السيرة الذاتية. هذا ما فعلته بعض النساء اللواتي استغللن هامش الحرية الغربية وكتبن روايات تدخل في نطاق الثالوت المحرم. فمنهن من كتبت عن الجنس صراحة بالعربية كالسورية سلوى النعيمي في "برهان العسل"، لكن بعد لجوئها الى فرنسا، ومنهن من كتبن بلغات بلدان الاستقبال كفاطمة المرينسي في روايتها "حريم السلطان" لكنها زاوجت بين الدين والجسد.
كيف تقيمين العلاقة بين الصحافة والإبداع؟ وماذا قدم لك عملك كمترجمة؟
أنا لست مترجمة بالمعنى الحرفي للكلمة. فقد درست لغات كثيرة وعلى رأسها العربية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية بحكم تنقلي الدائم بين هاته البلدان نظراً لظروف عديدة. كنت أستغل وقتي في تعلم اللغات والتسجيل في مدارسها الجامعية وأحاول أن أتكيف وأنصهر سريعاً داخل تلك المجتمعات وكان طبيعاً أن أقرأ روايات بلغاتها الاصلية سواء للعرب او لمثقفي تلك البلدان المستقبلة. بالتالي هاته اللغات بدأت تشكل لي نوعاً من التساؤلات والمقارنات بين أدبنا العربي المكتوب بلغة الضاد وادب تلك البلدان، والتي كونت شخصية غادة في الاخير مع لمسات مغربية وجذور سورية. فقد فتحت عيني على الادب العالمي وبدأت في مطاردة الروايات والدواوين في أي بلد أزوره من أميركا اللاثينية إلى أدغال إفريقيا الساحرة إلى الشرق الادنى فيتنام واندونيسيا تحديداً، باعتبار ان بعض جزرها كانت مستعمرات برتغالية سابقة.
أما الاعلام فكان كالصدفة الجميلة. أول مقالة أدبية كتبتها سنة 1994 في جامعة السربون بباريس حول موضوع ما باللغة الفرنسية وبالعربية، وقد لفتت انتباه أحد أساتذتي المستعربين أنذاك وعرضها على مجموعة أساتذة آخرين. ومنها تسربت إلى الاعلام المكتوب وتحديداً لجريدة "لوباريزيان" في حين أن نشرة الجامعة الخاصة اعتمدت النصين معاً وعلى ضوءه شجعني الاساتذة على الكتابة، وتعلمت تقنية الكتابة الصحفية وبلغات مختلفة مما مكنني من التعرف على العديد من الصحفيين الغربيين من متختلف الانتماءات الفكرية والإثنية والدينية.
كما أن زوجي أخذ القصة نفسها ونشرها عن طريق أحد رفاقه في جريدة "أنوال" المغربية والتي فتحت لي الطريق لأتعرف على نساء تقدميات مغربيات اقتحمن ساعتها ميدان الصحافة بإخراج جريدة مغربية نسائية بامتياز. كتبت مواضيع كثيرة فيها نقلت من خلاها تجربة المرأة السورية وما يطالها في المجتمع والتي كانت والى الان من المواضيع والتابوهات المسكوت عنها في الاعلام السوري.
لما نشبت الحرب السورية كنت ساعتها في طرطوس، وكان بعض الصحفيون الغربيون على اتصال بي، ويطلبون مترجمة فورية ومرافقة لهم. أمام الحصار وامتناع البنوك الغربية تحويل نقودي كنت مضطرة لأقبل عروضهم لأتدبر أمري لحين دخول زوجي من الخارج أو أحد أصدقاءنا مع نقودنا التي أضحت بعيدة عن متناولنا، ساعتها.
الترجمة في الادب مهمة صعبة رغم تمكن المترجم من قواعدها وامتلاكه للأدب وتوابله، بحيث يستحيل أن تنقل الكاتب الضمني مئة في المئة كما نشره هو في كتابه الاصلي وبلغته التي يتقنها. والامر متعارف عليه عالمياً.
تعتبرين أن الجوائز الأدبية المحلية تؤدي دوراً سلبياً كونها تحبط المبدعين لماذا؟
الجوائز الأدبية لها قواعد واضحة، وأتكلم عن الجوائز المحلية وليس العالمية كجائزة نوبل مثلاً. فهاته الاخيرة تشبه الجوائز العربية كما جائزة الفرنسية أو مثيلتها الاسبانية التي تعطى للاجانب فهي جوائز فقط لشراء ود دول أو لشخصيات معينة دون غيرها. أتكلم عن جوائز محلية غربية تكون موجهة لأبناء وطنها من أجل تشجيعهم وهي تنظم بشراكة بين الجامعات والجهات العاملة في مجال الكتاب ودور النشر والاعلام ولا علاقة للوزارة بها اطلاقاً. بحيث أنها تبحث عن المتميز في شتى الاجناس الادبية وتكرمهم بعقود وبحضور محامين أو موثقين وخاضعين لقوانين الاتحاد الاوروبي وللمحاسبة أرقام مبيعاتها الشفافة وتحت إشارة الجميع، وتكون الجودة أهم معيار، وكلمة النقاد والقراء والموزعين والجمهور هي الحاسمة والتصويت يكون سرياً بحضور الجميع، وليس ما هو موجود في عالمنا العربي.
إلى ماذا يفتقد الأديب السوري؟ ومن يتسيد المشهد الأدبي في سوريا دور النشر أم العمل المبدع؟
يفتقد الاديب السوري للجرأة والمواجهة وتفعيل المقاطعة السلمية للاعلام الرسمي ولكل مظاهراته الثقافية ببساطة وأن يكتب ابداعاته ولا يطبعها، لأن مافيات الفساد هي التي تستفيد على كل حال من تجارة الكتاب وأغلب الدور هي مملوكة للدولة، والكاتب عموماً لا يستفيد مادياً من أي ليرة، ناهيك أن الدعم هو موجه فقط للمقربيين، في حين الاديب السوري الداخلي وجد مساحة أخرى للنشر على وسائل التواصل الاجتماعي ويلتقي بقراءه مباشرة ويتجاوب معهم سريعاً، ونظرة سريعة على جدارن الفيسبوك مثلاً تعطي مثالاً صارخاً لواقع يرفضه سواء الكاتب أو القارئ.
كتبت سيرة ذاتية لك بعنوان "غادة امرأة من زمن الشرق المتسخ " ورواية ومجموعتين قصصيتين، لكنك تعارضين طباعتها، لماذا؟
لماذا لم أطبع؟ جوابي قلته سابقاً، وزيادة على أني مغتربة حالياً وأغلب كتاباتي موجودة على الفيس أو في جرائد ورقية أو رقمية عربية أم اجنبية أتاحت لي التواصل مع العالم. ناهيك أن عقليتي في النشر وتصوري يختلف عن تصور المثقف السوري في الداخل، أنا تشبعت بالافكار الغربية في ميدان صناعة الكتاب وطرق توزيعه. فما فائدة طبع رواية (غادة :امراة من زمن الشرق المتسخ) والتي تتعدى صفحاتها ٧٠٠ صفحة وتحكي عن تجربة شخصية مغلفة بتوابل أدبية مع أن لي القدرة بطباعتها على نفقتي الخاصة أو بشراكة مع مطبعة أجنبية ولا يقرأها السوري ابن بلدي في الداخل؟
وما فائدة أن أكتب وانتظر مزاجية الرقيب بأن يسمح لروايتي بالدخول إلى بلدي لأي سبب كان؟ أليست هاته مقامرة ورهان خاسر؟ ربما ستقول لي سيقرأها السوري في الخارج والقارئ العربي، سأقول لك عفواً السوريون في الخارج لا يقرؤون الان هم منهمكون في الاندماج والتكيف مع واقع غربتهم والقارئ العربي في مجمله لا يقرأ الا دقيقتين في السنة، وهي كافية لان يقرأ فواتير الكهرباء والماء والهاتف وانذارت السلطات. أم تريد أن أدفعها إلى لجان القراءة في وزارة الثقافة واتحاد كتاب العرب؟ إذن أيننا من حرية التعبير وقول كل شيء مادمت لا أدعو إلى العنف؟ أم ستتم طباعتها وبعدها يتم سحبها من المكتبات كما حدث للكثير من الروايات تحت ذرائع كثيرة منها الاباحة وازدراء الاديان أو أنها تدعو لرأي مخالف للتوجه الرسمي؟ هذا دون أن ننسى أن سوريا الآن هي مدمرة وبنيتها التحتية في الحضيض والقوة الشرائية للقارئ لا تسمح بتحمل تكلفة بضاعة "ترفيهية" مثل الكتاب، لأنه غير مستعد حالياً دفع ثمن كتاب وبطنه وأولاده في حاجة للاكل.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]