من هدايت إلى دولت آبادي ... قطار الرواية الايرانية لم يتوقف

من "البومة العمياء" إلى "عيناها". من صادق هدايت إلى غلشيري وبراهني وشيوا ارسطوئي، عناوين وأسماء كثيرة كوّنت الحياة الروائية ورسمت عالماً مختلفاً مما نراه ونسمعه عن إيران. تعالوا نتعرّف على أهم الروايات والكتّاب في إيران الذين شقّوا طريقهم إلى العالمية.

صادق هدايت

الرواية الحديثة كما نعرفها اليوم نمط جديد من الكتابة الأدبية تعرّف عليها الأدباء في "العالم الثالث" من خلال الترجمة. في إيران كما هي الحال في العالم العربي،كان للترجمة دور جوهري في ترسيخ هذا الشكل الأدبي الذي انتشر وبسرعة في المجتمعات التي كانت تدخل الحداثة الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية منذ قرن من الزمن.
أول رواية إيرانية حديثة مُعتَرف بها من قِبَل النقّاد والمُختصّين في الفن الروائي هي الرواية الشهيرة "البومة العمياء" لصادق هدايت. الرواية نُشِرَت في عام 1937 وأذهلت الكثير من المتابعين. فهي وبرغم أنها لم تتجاوز المئة وعشر صفحات، كانت ومازالت تلفت الأنظار وتثير دهشة الكثير في إيران والعالم. فقد تُرجِمَت إلى معظم اللغات العالمية ومنها اللغة العربية.
تمر أحداث الرواية في مناخ سريالي وصوفي. فمنذ السطر الأول في الرواية تشعر بالوجع والجرح الذي يأكل الروح. لا يمكن للقارىء أن يميّز بين الخيالي والواقعي في أحداث الرواية وتطوراتها الفنية. إذ عند وصوله إلى الصفحة الأخيرة سيكتشف ضرورة إعادة قراءتها ليجد نفسه مع أول سطر يواجه الألم مرة أخرى.
"في الحياة جراحٌ كالجذام، تأكلُ الروح ببطء، وتبريها في انزواء، هذه الآلام لا يمكن إظهارها لإنسان، إذ أن البشر عموماً ألفوا اعتبار هذه الآلام التي لا تصدق نوعاً من الاتفاقات والأحداث النادرة العجيبة، ولو أن إنساناً تحدّث بها أو كتب عنها، فإن الناس يحاولون تلقّيها ببسمة شائكة ساخرة تماشياً مع العقائد الجارية ومعتقداتهم الشخصية".
الكثير من النقّاد نسبوا غموض الرواية إلى القمع السياسي في إيران آنذاك والبعض راح يبحث عن معتقدات هدايت الفلسفية وحتى ترجمته لقصص الكاتب فرانتس كافكا. إلا أن هدايت وروايته "البومة العمياء" كباقي النوادر الأدبية تباغت عصرها وتتجاوزه فتبقى عصيّة على أن نستنتج منها خلاصات جازمة.

رضا براهني ورواية ما بعد الحداثة

رضا براهني

هناك الكثير من الروايات الإيرانية الشهيرة التي لا يمكن حصرها وذكرها في هذا المقال. لكن يمكن الإشارة السريعة إلى الرواية الأكثر قراءة في إيران وهي رواية "عیناها" للکاتب بزرک علوی التي نُشِرَت عام 1952وتُرجِمت أكثر من مرة في العالم العربي. الترجمة الأخيرة كانت لأحمد الحيدري في عام 2016. تعكس الرواية الواقع السياسي والاجتماعي في إيران بالإضافة إلى سرد قصة حب من خلال الشخصيتين الرئيسيتين فيها. فالأستاذ (ماكان)، وهو فنان تشكيلي مناضل مشغول بهموم الناس الكادحين وبمشكلات وطنه السياسية والاقتصادية، يوظّف فنه للدفاع عن قضايا وطنه. أما الشخصية الأخرى (فرنكيس) فهي الفتاة الجميلة التي تنتمي لأسرة غنية؛ حيث تتعرّف على الفنان المناضل الذي يكبرها سناً، وينتمي إلى طبقة مختلفة بعد أن يطلب منها والدها أن تتعلّم الرسم على يديه، فتصدمها لامبالاته وعدم وقوعه في حبها، وتكتشف أنها لا تملك أية موهبة حقيقية، فتذهب إلى فرنسا للدراسة، ومن بين العديدين الذين تلتقي بهم كان اليساري (خداداد) الذي يكون سبباً في لقائها بـ(ماكان) مرة أخرى إثر عودتها إلى طهران، حيث تبدأ قصة حبها له أثناء تردّدها على مرسمه، وحينها قام برسم بورتريه لها وأطلق على اللوحة إسم "عيناها".
ثم تبدأ (فرنكيس) بالعمل السياسي السرّي، وحين يتم القبض على (ماكان) تقوم هي بالتضحية بسعادتها وحبها ومستقبلها حين تطلب من رئيس دائرة الأمن أن يُفرج عنه في مقابل قبولها بالزواج منه، ويتم لها ما أرادت، فيُطلق سراحه ليُنفى إلى قرية نائية، وتتزوّج هي وترحل للعيش مع زوجها في أوروبا.
هاتان الروايتان من أهم الروايات في بداية مشوار الرواية الإيرانية. يمرّ قطار الرواية في إيران عبر شخصيات كبيرة من أمثال جلال آل أحمد، سيمين دانشور، غلام حسين ساعدي، إبراهيم غلستان، هوشنغ غلشيري والشخصيات التي أثرّت كثيراً في الأدب الإيراني الحديث.
من أهم أعلام الجيل الثاني في الرواية الإيرانية هو رضا براهني الذي لعب الدور الأكبر في إنعاش الأدب الإيراني الحديث. من أهم رواياته "البئر بالبئر"، "أسرار بلدي"،" زمن أياز الجهنمي"، و"السيّدة آزاده وكاتبها" التي تُعدّ نقلة أساسية في الرواية الإيرانية حيث تعتبر النموذج الأبرز للرواية التي تُصَنّف تحت عنوان رواية ما بعد الحداثة التي نُشرِت عام 2000 وتُرجمت إلى الإنكليزية والفرنسية.
تتمحور "السيّدة آزاده وكاتبها" حول شخصية آزاده خانم وتجليات صورتها وتحوّلاتها المختلفة من المرأة النموذجية الإيرانية إلى المرأة الأثيرية على قرار شخصيات صادق هدايت في رواية "البومة العمياء". تمر أحداث الرواية بين العقد الثاني من القرن المنصرم إلى نهايته وتعكس الواقع الاجتماعي بطريقة مُغايرة من خلال تفخيخ مفهوم الزمان والمكان.

دولت آبادي ولعبة المكان والزمان

محمود دولت آبادي

أما الجيل الروائي الجديد في إيران فيشمل الكثيرين منهم صفدر تقي زاده، كوروش اسدي، علي محمّد علي، إسماعيل فصيح والروائية شيوا ارسطوئي.
من أهم الروائيين الأحياء في إيران الذين وظّفوا شخصيات عربية في أعمالهم الروائية محمود دولت آبادي، الذي تُعد روايته "كليدر" من أضخم الروايات في تاريخ الأدب الإيراني. الرواية تتكوّن من 10‌ مجلدات و 2525 صفحة، إقتبس الكاتب إسم الرواية من قرية في شمال شرقي إيران؛ واستغرق كتابة هذه الرواية أكثر من 15 عاماً يسرد فيها الكاتب مواضيع تاريخية واجتماعية مختلفة.
لكن الروايات التي يوظف فيها شخصية الشاعر العربي الشهير امرئ القيس هي روايات "سلوك" و"تلك الفلوات ذات العرف الأحمر". هاتان الروايتان تعدان تكملة لبعضهما. فالقارىء سيجد فيهما قيس تارةً في مقبرة من دون التعرّف على المكان والزمان يُدخّن السجائر وأحياناً في العراق زمن الرئيس عبد الكريم قاسم أو في مترو طهران أو في الصحاري العربية. إنه توظيف غير تقليدي للزمان والمكان يعالج من خلاله الكاتب إشكالية العلاقة بالآخر.
قبل فترة قليلة صدرت روایة جديدة لمحمود دولت آبادي بعنوان "طريق البسملة" بعد عشرة أعوام من المكوث ولقيت استقبالاً واسعاً من قبل القارىء الإيراني. تدور أحداث الرواية في حقبة الحرب العراقية الإيرانية ويلج الكاتب من خلالها إلى النظرة المختلفة للحروب والأزمات والعلاقة بالآخر. يمكن القول إن هذه الرواية هي امتداد لروايات دولت آبادي حيث معالجة العلاقات البشرية من دون الانحياز إلى العرق والوطن.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]