من أين تؤكل الكتف؟

لم يعد مقبولاً أن نستخدم مذاهبنا وطوائفنا وغرائزنا ساعة نشاء ونحاضر بالوطنية حين نشاء. تحديد المفاهيم ينطلق من المعايير الواضحة من دون التباس وانفصام. محزن ومؤلم ما يحدث، ومقزّز المشهد وجارح لا يولّد سوى حقد مدفون.

هي مشكلة مفاهيم وقيم وتحديد معايير. لم يعد مقبولاً كل هذا الانفصام، وهذا الانقسام العامودي الذي لا ينتج سوى الكيد السياسي والأخلاقي.

في غياب الدولة القوية والقادرة يحدث الفراغ والفساد والعشوائية والمحاصّصة. على الدولة أن تحدّد مَن هو العدو ومَن هو الصديق وسياسات الحد الأدنى من الحقوق لمواطنيها. على الدولة أن تكون الضامِن والحاضِن لكل مكوّناتها ورعاياها.

في غياب الدولة يغيب المواطن، وتغيب الحقوق والواجبات. هل لبنان وطن ودولة وشعب ومجتمع؟ هل يحيا الإنسان المجتمع؟

إذا مررنا بشكل سريع على محطات وتاريخ لبنان، ما النتيجة التي نحصل عليها؟ هل لدينا القدرة بالحصول على نتائج محدّدة وبعدها نتجادل ونتعارك ونتخاصم ونرتّب خياراتنا ونأخذ قراراتنا؟ لم يعد مقبولاً أن نبقى نتعاطى بمنطق الأبيض والأسود، غياب الدولة كمفهوم مؤسساتي بأجهزتها وسلطاتها من دون النظر والانطلاق من قواعد مشتركة ومن منظار سقف الدولة والأمّة ومصالحها.

لم يعد مقبولاً أن نستخدم مذاهبنا وطوائفنا وغرائزنا ساعة نشاء ونحاضر بالوطنية حين نشاء. تحديد المفاهيم ينطلق من المعايير الواضحة من دون التباس وانفصام. محزن ومؤلم ما يحدث، ومقزّز المشهد وجارح لا يولّد سوى حقد مدفون.

أي وطن نريد وما هي القِيَم وما هي المعايير وما هو سقف الوطن؟ تحديد مفهوم المقاومة ومفاهيم الحرية والديمقراطية. تحديد الهوية التي تتكوّن من الرؤية أي الهوية نكوّنها من أمامنا وليست معلّبة تأتينا من الوراء. وإلا نحن في قارب الموت الصامت وفي قطار الجنون وفي طريق العشوائية المليئة في الفوضى المُدمّرة لدولة مارِقة ومواطنين مدجّنين عاجزين فاشلين في زمن الحداثة يعيشون قمّة الجهل والتخلّف، بين طبقة جشعة تمتصّ قدرات ومقدّرات الطبقة المسحوقة تستغلها وتبتزّها وتحتكر وتهدم وتنتج العنف.

مع طبقة تسكن في الأبراج العاجية وتستمد ماهيتها ووجودها وفعاليتها واستمرارها من قوى عالمية أكثر توحّشاً وأكثر جشعاً وأكثر قسوة وأكثر عنجهية، ماذا نريد وكيف نحقق ما نريد؟ لم يعد مقبولاً تشخيص الأزمة وتحليلها والاستسلام لها والتعايش معها ومساكنتها بإرادة مسلوبة وصرخة مقموعة، في لحظة تاريخية حاضرة بكل أبعادها علينا أن نخرج من ببغاء حلقنا، ومن قسوة العادة وكسل التسطيح.

في لحظة الاعتراف بحقنا بالوجود وحقنا بالتغيير والرؤية والحياة.في لحظة تدمير للإنسان والمجتمع والوطن والحضارة والقِيَم وكل أوجه الإنسانية والتمدن ومع خلاصة آلاف من سنوات البشرية لم يعد مقبولاً أن نواجه كينونتنا ووجودنا في أشكال التخلف والحقد والجهل والتدمير. أن نبدل المفاهيم كما يحلو لنا ونستغبي أنفسنا ونصدق غبائنا وسخافتنا ونطلق كل أنواع الكيدية والأمراض المجتمعية في قيم تكنولوجية جاهزة أدواتها ووسائلها بوجبات سريعة بطعم الحداثة والعولمة الفضفاضة.  

بمعنى آخر تباً وتباً وتباً للأوراق التي تسقط في صناديق الذلّ والغرائز والغباء. متى نحاسب أنفسنا بما تقترف أيدينا لنصنع كل هذه الوحوش ونبني كل هذه القصور ونحرس كل هذه الإمارات، وندفع خويات رزقنا المشحوذة بلقمة خبزنا اليابس والمكسور في أعين أبنائنا.

إنفصام وانفعال وأكثر وأكثر.

الحل ببناء الوعي أولاً – الإنسان أولاً... كيف ذلك؟ بناء عامودي وليس أفقي. أن يعي المواطن مجتمعه وحقوقه عبر أرضية تراكمية وتيار عابر للطوائف والمناطق والتجاذبات السياسية بمفاهيم عصرية علمية إجتماعية رؤيوية.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]