"صندوق الفرجة" عزف على وتر النوستالجيا

"صندوق الفرجة" هو عنوان المعرض الذي أقامه "دار النمر" في بيروت.. شاركونا هذه الجولة لنتعرف إلى محتوياته.

  • أدوات متنوعة
    أدوات متنوعة

في "دار النمر" ظاهرة عرض غير مسبوقة، جمعت الغث بالسمين من أشياء توثق عصوراً من الزمن، عفا عنها الزمن، وباتت في عداد لزوم ما لا يلزم، فأصبحت بذلك في مرتبة طبقية واحدة يتساوى فيها الغالي بالرخيص، تحت عنوان: "صندوق الفرجة" الذي افتقدته العروض، وكان صندوق الفرجة مكملاً لعدته، لكنه غاب لتعذر إدراكه. لذلك، أطلق على العرض لقب "صندوق الفرجة" مع عنوان تفصيلي: "لزوم ما لا يلزم".

أما بالعنوان الانكليزي المحمول على الضفة الثانية من الكتيب المرافق للمعرض، فقد تغير التعبير بهدف الغوص في المعنى. لم يعد صندوقاً للفرجة، بقدر ما بات "حجرة الحشرية والفضول والتطفل" (Cabinet of Curiousities). 

تصح تسمية المعرض بــ "صندوق الفرجة" نظراً لعملية الترتيب والتنسيق التي تعرض لها، بينما هو أقرب ما يكون لــ "سوق الجمعة" الذي يجمع عصا من كل واد لمواد مستعملة، لا ترتبط فيما بينها بأي رباط سوى العزف على وتر الحنين (النوستالجيا)، والحنان لذاكرات تحمل متصفحها إلى عالم الإثارة والفرح والدهشة.

لم ينقص المشهد سوى أهزوجة "تعا تفرج تعا شوف"، التي كان يطلقها صاحب صندوق الفرجة لجذب الأولاد للتفرج على عجائب صندوقه عبر طاقات بحجم متسع عيونهم، يشاهدون عبرها صوراً يقلبها الرجل، فتعرض لهم رواية عنترة، أو الزير سالم على وقع صوته وأهازيجه. لعبة جميلة سبقت عصر السينما والتلفزيون، واعتمدت صوراً متعددة متقلبة تسرد قصة محببة على القلوب.

  • إعلان غيتار الحب لصباح وعمر خورشيد
    إعلان غيتار الحب لصباح وعمر خورشيد
  • إعلانات أفلام
    إعلانات أفلام
  • لوحة المقهى لابراهيم غنام وماندولين أوروبي قديم.
    لوحة المقهى لابراهيم غنام وماندولين أوروبي قديم.
  • النول
    النول
  • الهلال الأحمر النسائي في بيروت
    الهلال الأحمر النسائي في بيروت

لم يكن العرض في "دار النمر" أقل تشويقاً للكبار من صندوق الفرجة للصغار. الدهشة أكبر، والإثارة أشد، لكنها إثارة مغايرة للرائج من سوق الأزمات.

وقالت مديرة الدار المشاركة ومسؤولة البرامج والتواصل المجتمعي مها قبيسي لـ الميادين الثقافية: "انتقينا طبيعة المعرض ليكون مريحاً للناس في ظل الأزمات المتواصلة، وقدمنا مادة مريحة لهم، بعيداً من التوتر والصدام".

وتضمنت المجموعة مخطوطات وتذكارات من القدس، ونقوداً وقطعاً خزفية، وبطاقات بريدية وتحفاً زجاجية، وأسلحة، وأقمشة، وخرائط، وأيقونات وساعات أو ورق لف أو علب تنباك وأحذية وأرشيف ورقي لشارع المتنبي، وأرشيف فرقة فلسطين قبل النكبة، وقطعاً موسيقية ولوحات بأعمار مختلفة.

اعتمد المنظمون للعروض تسلسلاً رقمياً للمعروضات، وتسهيلاً للمهمة على الزوار الذين قد لا يعرفون عن المعروضات سوى القليل، وضعوا كتيباً - دليلاً يحمل أرقام المعروضات، وشروحات لها بالتفصيل الدقيق.

من المفضل السير عكس تيار الكتيب في المعرض، وإلا وقع الزائر في مشهدية مغايرة لما وصفته قبيسي بأنه "لإراحة الناس". نبدأ بالوسط، ويمنته لوحة لحائكي قماش على نوليهما، وقرب اللوحة دولاب يلتف عليه الخيط الذي يعبر ثقوب لوحة النول. 

المشهد ليس كثير الرواج في لبنان، لكنه لا يزال حياً يرزق في سوق زوق مكايل، ولم يمضِ على رحيل روبير، الحائك في متحف بسوس للحرير سوى سنوات قليلة مخلفا وراءه نوله الصامت.

  • بورتريهات وكاريكاتور
    بورتريهات وكاريكاتور
  • حصان صيني
    حصان صيني
  • زاوية اللهو
    زاوية اللهو
  •  ساعة الجد لبولس برايمر
    ساعة الجد لبولس برايمر
  • صندوق زفاف
    صندوق زفاف

إلى منصة تجمع العديد من الأشياء التي لم يمضِ الكثير من الوقت على انتهاء وظيفتها. آلة خياطة اختصرت تسميتها ب"الماكينة"، من الصنف الذي يحرك باليد، قربها آلة كاتبة (داكتيلو) التي أتى بها الفرنسيون لبناء مؤسسات الدولة اللبنانية، وأكثر ما اشتهرت زمن الشهابية، الفرنسية الهوى، حيث كان يطلق على جهاز المخابرات التابع للجيش اللبناني عبارة "الداكتيلو" إشارة إلى استخدامها لوضع التقارير من قبل هذا الجهاز.

إلى آلة طباعة بريل للمكفوفين، فعلب تنك فارغة لسمنة ذلك العصر ال Cocose، وأصناف أخرى من معلبات، وقنانٍ فارغة للعصائر، ونوافل أخرى لا قيمة لها إلا فيما ترمز إليه من روح عصرها.

تعلو هذه المعروضات لوحة كاريكاتور شهيرة في عصرها عن البائع بالدين الحزين والبائع نقداً السعيد.

في زاوية الفرح إعلانات وصور عن أفلام، ومسرحيات، تذكر بتفاصيل منسية من الزمن الجميل، مثل بطاقات لمسرحية "شوشو بك في صوفر" التي عُرضت لأول مرة عام 1965، وكذلك مسرحية "لولو" التي قدّمها الأخوان الرحباني سنة 1974، و"أفيشات" لأفلام جورجينا رزق تصلح زينة لغرف نوم المراهقين، ولصباح، ويوسف وهبي، والعد لا يتوقف.

وفي زاوية الموت، مقصلة وثلاثة رؤوس محفورة من خشب تشي بالقطع، ولوحات لغرق الباخرتين الضخمتين، شامبوليون، وفيكتوريا التي ما فتئت تزود غطاسي الميناء في طرابلس ببقاياها، وهي غارقة في بحرهم.

مهما قيل في المعرض وأدواته، لا يكفي، تعرف بها قبيسي أن "غالبيتها هي من مجموعة (رامي) النمر، وقد جمعها منذ أكثر من ثلاثين سنة، ومنها معروضات قدمت استعارة مؤقتة لاستكمال المشهد، فهي متلائمة مع بقية المعروضات، والمناطق والبلاد التي جاءت منها هذه القطع غالبيتها من بلادنا فلسطين، ولبنان، وسوريا، وتركيا، ومصر، وهناك قلة من الهند، أو فرنسا، أو انكلترا".

من أهداف هذا المعرض دغدغة مشاعر الحنين لأزمنة معينة، ومخيلة وذاكرة الزوار"، بحسب قبيسي التي أوضحت أن "الهاتف الذكي يقدم ألعاباً الكترونية مختلفة للجيل الجديد، بينما المعرض يقدم ألعاباً تقليدية لم تعد متوافرة، وبذلك، يتظهر بشكل أوضح التطور الذي لحق بهذا الغرض حتى صار له شكل آخر، مع وظيفة وخدمة أخرى". 

  • إعلان لفيلم جورجينا رزق
    إعلان لفيلم جورجينا رزق "غيتار الحب"
  • غرفة الموت
    غرفة الموت
  • لوحة الباخرة فيكتوريا
    لوحة الباخرة فيكتوريا
  • مجموعة من أدوات شرطة فلسطين
    مجموعة من أدوات شرطة فلسطين
  • مذياع غرونديك
    مذياع غرونديك
  • مطوى الزفاف
    مطوى الزفاف
  • مقصلة مصطفى العلي
    مقصلة مصطفى العلي

وتفيد قبيسي ان الأزمنة التي تعود الأغراض لها قديمة جداً، تصل القرن الرابع عشر بالقرن العشرين، ومنها أيضاً، أنها شاهد على عادات وأعمال تغيرت بمرور الوقت، فهناك صور متصلة بسكك الحديد التي باتت مفقودة، كسكة الحجاز، والشركات التي كانت تعمل في فلسطين قبل الاحتلال، وغيرها على هذا المنوال.

لا يمكن الإحاطة بكل مقتنيات المعرض نظراً لتنوع المعروضات الواسع، وانتمائها إلى أزمنة مختلفة، ومن أجل الوقوف على دور ووظيفة كل منها، قد يستغرق الأمر عدة زيارات للراغب بفهم ماهيتها، يهديه ويقدم له الشرح الوافي الكتيب المرافق المنتظر للزوار على مدخل الصالة.