صاقل الجمشت يكشف "أسرار" محمود درويش

الشاعر زياد عبد الفتاح يصدر كتابه (صاقل الماس)، ويرصد لنا وقائع وأخبار فريدة لم نكن نعرفها قبلاً عن محمود درويش.

  • محمود درويش
    محمود درويش

مضى على وفاة محمود درويش عقد أو أكثر من الزمان، وقد ظهر في السنوات الماضية، عدد من الشهادات المُتفرِّقة، التي تؤرِّخ لحياة شاعرنا العظيم. 

أما الشهادة الأقوى والأكثر موثوقيّة - وهي الشهادة التي طال انتظارها - فقد جاءت أخيراً بقلم صديق درويش الحميم وحبيب روحه. لقد ترجَّل زياد عبد الفتاح عن صهوة جواده النثري، وأتحفنا بكتابه (صاقل الماس). وهو الكتاب الذي يرصد لنا وقائع وأخبار فريدة لم نكن نعرفها قبلاً عن محمود درويش.

أضاءت لنا حروف هذا الكتاب، جوانب كانت مُظلِمة - لا مرئية - من حياة درويش الغرائبية. أما المؤلِّف فقد حلَّق بعيداً عن سرب التقليد، ليأتينا بكل ما هو جديد. وهذا تطواف سريع، على بعض ما جاء في طيَّات الكتاب.

القِتال الثقافي

  • صاقل الجمشت يكتب عن صاقل الماس
    زياد عبد الفتاح

في الوقت الذي استبسل فيه فدائيونا في قتال الأرتال "الإسرائيلية" التي تطوِّق بيروت، ابتكر مُثقفونا جبهة ثانية يواجهون منها العدو، فاجترحوا مفهوماً جديداً للقتال، علَّنا نُسمّيه القِتال الثقافي. 

لقد ابتكروا إذاعة مُتنقلّة تجوب بيروت المُحاصَرَة، وأطلقوا جريدة يومية إسمها (المعركة). وكان درويش بكلمته وقصيدته، واحداً من أولئك الأبطال الذين مارسوا ذلك النوع المُبدِع من القتال.

الخروج العسير

أدار درويش ظهره للأفلاك التي حملت رجال الثورة الفلسطينية، وقرَّر البقاء في بيروت وعدم الخروج منها. لكنه سُرعان ما دفع ثمناً باهظاً نظير عناده ويوتوبيته. 

فقد أفاق في أحد الصباحات على الدبابات "الإسرائيلية" وهي تسير في شوارع بيروت. لتنتابه وساوِس الوجودية ومخاوف الوقوع في الأَسْر. فيعيش أياماً عصيبة يُطلق فيها لحيته ويُغيِّر من هيئته، ليخرج في النهاية من بيروت مُتنكِّراً، برفقة السفير الليبي، في سيارته، التي يُرفْرِف عليها عَلَم الجماهيرية.

عودة من الموت

  • صاقل الجمشت يكتب عن صاقل الماس
    صاقل الجمشت يكتب عن صاقل الماس

تعرَّض درويش لذبحةٍ صدريةٍ حادَّة أثناء وجوده في الديار النمساوية، فنقلوه على وجه السرعة إلى أحد مستشفيات فيينا. وفي غرفة الإنعاش، توقَّف قلبه عن النبض مرتين، مرة لمدَّة دقيقة، والأخرى لمدَّة دقيقتين. لقد نجا، وعاد لقلبه النبض، وعاد من الموت في كلتا المرتين.

هكذا أخذ حين تعافى ورجع إلى تونس، يُحدِّث صديقه زياد، عن تجربة الدقائق التي مات فيها، وكيف أن روحه خلال الموت تخفَّفت من ثقل الجسد، وعرجت في الأخدار السماوية، كريشةٍ تسبح في الفضاء والسديم.

الأيدي الخفيّة 

كان يعتقد جازِماً أنه لن يظفر بـ "جائزة نوبل للأدب"، وأن الشاعر السوري أدونيس لن يظفر بها هو الآخر. فالجائزة مُسيَّسة، وتخضع لمعايير شتّى، كلها لا علاقة لها بالأدب!

لقد كان كلامه حول الجائزة، حافِلاً بالدلالات والإشارات، إلا أنها محكومة من الصهيونية أو أسموها إن شئتم حكومة العالم الخفيّة.

ريتا

اعترف درويش أن (ريتا) هي شخصية شعرية، مختلقة، مُتخيَّلة، وأنه لا وجود لها في الواقع. وهذا ما يأتي ردَّاً حاسِماً، على كل من قالوا بأنها شخصية حقيقية، وأنها حبيبة درويش اليهودية التي تعمل مُجنَّدة في الجيش "الإسرائيلي".

الفاتِنة السمراء 

تغنَّى شاعرنا بالقهوة وفنجانها وطقوس تحضيرها وتقديمها. وأفرد لها فصلاً فريداً مُبْهراً في كتابه (ذاكِرة للنسيان). لم تكن القهوة في نظرته، مُجرَّد ذرَّات من البن، تدوخ، وتذوب، وتتلاشى، في غمرة الماء المغلي. بل كانت أيقونة ساحِرة، لها رمزيّتها العالية في الشعر، ولها إحالاتها العميقة في الفلسفة.

صاحب الكوفيّة

كانت تجمع درويش بياسر عرفات علاقة وطيدة، قائمة على التفاهُم والاحترام المُتبادَل، ولم تتأثّر هذه العلاقة بالخلافات التي كانت تنشب أحياناً بينهما. 

ورغم الاختلاف الاستراتيجي بين (السياسي) و(المُثقَّف) في كلٍ من الرؤية والمنهج، إلا أن درويش كان مُحبّاً لعرفات، وكان مُعجباً ببراغماتيته، فكان يصفه بأنه "الذي يمشي بين قطرات المطر، ولا يبتلّ".