محمد رضا شجريان بعيون فنّانين ونجوم وخُبراء لبنانيين
لدى شجريان في عالمنا العربيّ الكثير من المُعجبين الذين يقدِّرون موهبته المُتفرّدة.. فكيف يراه مارسيل خليفة وجاهدة وهبة وغيرهما من أهل الموسيقى والفن؟
حينما رحل الفنان الإيراني محمّد رضا شجريان (1940- 2020) كان قد سبقه أثرُه الإبداعي الاستثنائيّ الشاهِق إلى أفلاك الخلود.
"الأستاذ" كما يحب أن يُلقّبه الإيرانيون، وصاحب الأغنية الفارسية الكلاسيكية وأسطورة الموسيقى الفارسية، لم يزده غيابه إلاّ حضوراً وتأثيراً.
لدى شجريان في عالمنا العربيّ الكثير من المُعجبين، وأولئك الذين يقدِّرون موهبته المُتفرّدة في مكانتها، والقيمة الإبداعية التي يُشكّلها الفنان الإيراني بحُنجرته ونِتاجه وما بناه وشيَّدهُ منذ عقود.
بعيونِ نجوم وخبراء ذوّاقين يُقيَّم شجريان اليوم في لبنان، وتتجلّى أكثر هذه القيمة أمام الجمهور المُحِبّ وعشّاق فنّه.
المُبدعان مرسيل خليفة وأندريه الحاج والمُطربة والفنانة جاهدة وهبة، والباحِث الموسيقي عامر ديدي تحدَّثوا عن أهميّة شجريان في أفياء تواريه الذي يُجوهر وجهه واسمه.
مرسيل خليفة: يروّض شبق الأغنيات ويردّد نحيب الروح
مرسيل خليفة الغنيّ عن التعريف الذي لا يزال مُنكبَّاً حالياً، باستغراقٍ كلّي، على تأليف عملٍ موسيقي جديدٍ في مدينة سيدني في أستراليا حيث يُقيم منذ 19 آذار/مارس الماضي وفقاً لما قاله في حديث مع الميادين الثقافية، مُنوّهاً بمحمّد رضا شجريان ورفع ذِكره.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مرسيل خليفة المُعتكِف مؤقتاً، كان قد دوَّنَ عبر صفحاته في "فيسبوك" و"تويتر" أنّ "محمّد رضا شجريان رحل وترك لسعة الحنين تفوح لها رائحة المدى وينتشر عرفُها في قلب الحب".
وأضاف أنّ "شجريان هو الوَجع الشديد يرفع روحاً عن المألوف. هو الصدى الذي يأتي من بعيدٍ ليأخذك. هو ما لم تنتظره قبل أن يَفْجَأكَ. هو الولادة من مخاضٍ لا ينتهي. يستعير ملح الكلام لحافظ وسعدي الشيرازيين والرومي والعطار، يغنيه كإكسير الحياة، يروّض بالمواويل شبق الأغنيات، ويردّد نحيب الروح في الجهات. غناءٌ تشظّى أو ترسّلَ وأقام له في بلادِ فارس خيمةً ظليلة. صوته ما كان أمس وما سيكون غداً. رَحَلَ وحيداً ولن يُشيّعه النسيان".
أندريه الحاج: خير مُمثّل لبلده قبل الثورة وبعدها
أما المؤلِّف الموسيقي وقائد "الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق- عربية" المايسترو أندريه الحاج، والعائد منذ فترة قصيرة من إيران حيث قاد الأوركسترا الوطنية الإيرانية ضمن تحيةٍ فنية إلى العاصمة اللبنانية بعد تفجير مرفأ بيروت، في إطار تعاونٍ موسيقي وفنّي، فقال في تصريحٍ للميادين الثقافية: "في الحقيقة، ليس غريباً على بلدٍ بحجم إيران؛ إيران الثقافة والشعر والغناء والفنون كافة، أن يكرَّمَ فيها مؤلِّفٌ موسيقي وفنانٌّ ومُغنٍّ بحجم محمّد رضا شجريان، قبل وفاته وبعدها. في إيران حيث كان لي الحظ أن أقودَ الأوركسترا الوطنية الإيرانية لمستُ مدى الاهتمام بالموسيقى والفنون بشكلٍ ملحوظ عموماً. محمّد رضا شجريان هو "الأستاذ" كما يلقِّبونه في إيران، عِلماً بأنه يمثّل قيمةً فنية لإيران لناحيتَي اللحن والأداء الرائع والراقي، وهو خَيْر مُمثّل لبلده قبل الثورة وبعدها. إنّه صوتٌ جميلٌ حسّاسٌ كبير يدخل إلى القلب قبل الأذن. شهادتي بهذه القامة قليلةٌ، هو الذي أمضى تاريخه بألحانه وبصوته وبتمثيله لبلده في إيران وفي دول العالم كافة".
جاهدة وهبة: وَهَبَ حياةً أبدية للأغاني التُراثية الفارسية
أما المُطربة جاهدة وهبة فقالت بدورها إنّ "صوت شجريان الرسوليّ يسافر بك إلى أكوانٍ موازية من الدَهشة والانخطاف، إلى ملكوت الجمال والترحال الرائع"، مضيفة أنه: "وَهَبَ حياةً أبدية للأغاني التُراثية الفارسية، ومَنَحَ حياةً رديفة للحياة بعملٍ دؤوبٍ رهيف وبحثٍ مستمرٍّ شفيف، بأداءٍ مُبْهِر وإتقانٍ فذّ، بأغانٍ استلهمت روح الشعب واحتلّت قلوب الناس. هو الذي كان وسيظل مُمَجَّداً مُعَظَّماً، وَهَبَ صوته للناس والإنسانية بحالٍ وهالةٍ وجودية وعرفانية خارِقة، لتجربة إنشادية خرجت عن كونها "عُرَباً" (زخارف صوتية) وموسيقى وصوتيات إلى صيرورةِ عشقٍ وسيرةٍ حاضرة صادِحة مُتجلّية في رَدْهة الخلود. هذا العام كان لي شرف المشاركة في مهرجان قونيا الصوفيّ الذي جرى بشكلٍ إلكترونيّ والذي افتتحه بكل جمال صوته وحضوره الآسر، كنت جداً سعيدة وفخورة أنني أشاركه المهرجان نفسه ولو بشكلٍ إفتراضي، وحضرتُ سابقاً في باريس لإبنه همايون الذي أُعزّيه من هنا وقد تتلمَذ على يده وتأثّر به، وكان اتفاقٌ على التعاون وربما تجديد شيء من أعمال والده المُعلّم. وذكرت له كيف أنّ مقطوعة "ربّنا" الشهيرة لوالده ألهمتني وتعلّمتُ منها الكثير وكنتُ أنصح تلاميذي بسماعها والتعلّم منها".
عامر ديدي: شجريان صفحة وضّاءة في تاريخ الموسيقى الإيرانية
من جهته قال الباحِث عامر ديدي في حديث للميادين الثقافية إنّ "شجريان حجز لنفسه من خلال أسلوبه صفحةً وضّاءةً في تاريخ الموسيقى الإيرانيّة والرديف (التقليد الموسيقي الإيراني)، وتاريخ المقام بمفهومه الأعمّ. أكثر ما يجذب في أسلوب شجريان قوَّة الحضور، وعلاقته بالموسيقيّين المُرافقين له. إنها علاقة تجمع بشكلٍ عجيب، بين السطوة والتناغُم في آن، من دون تفاضُل لواحدهما على الآخر. فها هو مُرافَقاً بتار حسين علي زاده، يخطو واثقاً صعوداً وهبوطاً تبعاً لموجبات الداستكاه (وهو المقام الموسيقي الإيراني)، أو تراه ينسج خامته الصوتيّة نغماً حزيناً، تغار منه تلك الأحزان الأبدية التي وشجت منذ البدء في قلب كمانشاه كيهان كلهور، أو الناي الإيراني ذي النغم الشجيّ الممزوج بنفس العازِف.
ويضيف: "كيف لشجريان أن يمزج بصوته كل تلك العناصر، ناريّة السنطور، بهوائيّة الناي، بترابيّة الضرب (آلة إيقاعيّة)، بمائيّة الكمانشاه؟ على أنّ مدى شجاريان لا ينبسط عَمُوديّاً فحسب، أي في ربطه بين صوته الأرضي ومداه الكونيّ، بل هو ينفلش على كامل التراب الإيراني، فإذ بصوته عالم إثنولوجيا، أو نحلة تقطف رحيق مئات التقاليد والأساليب المُنتشرة على طول البلاد وعرضها، فيسكبها في قوالب عسليّة تختزل نكهات لا مُتناهية من الأذواق والأداءات الموسيقيّة الإيرانيّة... ليكن رحيل شجريان الجسدي مناسبة لمَن لم ينهل من منهله، بأن يطرب لإبتهالاته الدينيّة، ويخشع لأغنياته الدنيويّة".