أدباء مغارِبة يقاطعون الإمارات: سنربح نظافة الذمّة
إيماناً منهم بأهمية الموقف، أدباء مغاربة ينسحبون من جوائز ومؤسسات ثقافية إماراتية. الميادين الثقافية حاورتهم، وهذا ما عبروا عنه.
بمُجرَّد الإعلان عن تطبيـع العلاقة بين الإمارات والكيان الصهيوني سارَعَ عددٌ كبيرٌ من المُثقفين والكتَّاب المغاربة إلى التعبير عن مواقفهم الرافِضة له، وأعلن من خلالها بعضهم سحب ترشيحاتهم لنيل "جائزة الشيخ زايد للكتاب" منهم الروائية الزهرة رميج والناقِد يحيى بن الوليد والروائيان أبو يوسف طه وأحمد الويزي وغيرهم.
وأعلن عددٌ منهم عن استقالاتهم من هيئات تحرير مجلات إماراتية مثل عبد الرحيم جيران الذي استقال من هيئة تحرير مجلة (الموروث الثقافي) التابعة لمعهد الشارقة، وعبَّر عن مُقاطعته لكل الأنشطة الثقافية التي تُقام في الإمارات.
كما ألغى عددٌ منهم مُشاركاتهم المُبِرْمَجة مستقبلاً في الإمارات مثل الناقِد والمُفكِّر يحيى بن الوليد الذي أعلن عن إلغاء مُشاركةٍ له في نشاط ثقافي مُبَرْمَج سنة 2021 في الإمارات. كما أعلن الشاعر محمّد بنيس في بيان له عن قرار انسحابه من "عضويّة الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب".
هذا وأصدر عددٌ من المؤسَّسات والهيئات الثقافية بيانات استنكار مثل بيان "بيت الشعر في المغرب"، حصلت الميادين الثقافية على نسخة منه عبر مديرها الشاعر مراد القادري، جاء فيه: "إنّ بيت الشعر إذ يُدين اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، يتوجّه إلى كافّة المُثقّفين والكتَّاب والشّعراء المغارِبة والعرب داعياً إيّاهم إلى المزيد من التضامن والالتحام مع القضية الفلسطينيّة وأفقها النضاليّ والشعريّ والإنسانيّ، وكذا الانخراط في كلّ المُبادرات التي تجعلُ من فلسطين، ومن السردية الفلسطينية أساساً، خطاً أحمرَ لا ينبغي تخطّيه أو الإساءة إليه بأيّ شكلٍ من الأشكال".
وأشادت "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين" في بيانٍ لها بموقف الكتَّاب المغارِبة جاء فيه: "إننا في مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين نوجِّه تحية إكبار واعتزاز للكتَّاب والمُثقّفين المغارِبة على موقفهم الشهم والأصيل، الذي يُعبِّر عن ضميرٍ حيٍّ يُدين الخيانة ولا يقبل المسّ بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني وغير القابلة للتصرّف، ويرفض الدَوْس على مشاعر الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم الداعمين لعدالة القضية الفلسطينية".
الميادين الثقافية حاورت بعض الكتَّاب الذين أعلنوا رفضهم الخطوة الإماراتية واستطلعت آراءهم حول أثر سحبهم ترشيحاتِهم للجوائز الإماراتية، وما يمكن أن تخسره الإمارات ومؤسَّساتها الثقافية، وكيف يُفترَض بالمُثقّف العربي أن يتعاطى مع قضية التطبيع؟
أبو يوسف طه: سنربح نظافة الذمّة
لقد كنتُ البادىء مغربياً وعربياً في الإنسحاب، وهذا يستند إلى اقتناعي، وقد تربيّتُ على ذلك، بعدالة وشرعية القضية الفلسطينية، وإلى التنديد بما جنحت إليه الإمارات وجاهَرت به في تحدِّ سافرٍ من تطبيعٍ مع "إسرائيل"، وفيه سرقة مكشوفة لإرادة الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، فلا شرعية في التصرّف في ما لا يمتلك.(....).
من موقعي ككاتب اتخذتُ القرار المذكور مُناهضة للإجحاف، وتجاوز حقوق الآخرين، فالقضايا لا تتجزَّأ، وأملي أن يصير التضامن عالمياً.
يجب تحصين المجال الثقافي وطنياً من أيّ اختراقٍ، وإعادة النظر في الوجود الثقافي الإماراتي في المغرب، فالتطبيع إذاية، والسياسي والثقافي قرينان، وتصحيح الوضع الثقافي من الرَيْع والاسترزاق.
الانسحابات والمُقاطعة في عُمقهما إجراء ثقافي سياسي، فيه إبانة عن وعي المُثقّف بقضاياه، وهي إنسانية كونيّة، والإسهام كتابة وفعلاً في التعبير عن رأيه وموقفه إرضاءٌ لضميره. إني أشير إلى موقف مُمانعة يؤدّي إلى جوهر الكتابة كرسالةٍ والتزام، لا وسيلة كَسْب ومُقايضة. إن الإمارات ستخسر ملعباً، لكننا سنربح نظافة الذمّة، ولو لم يتساوَ التطبيع بالاحتلال، وهما مرفوضان لترشّح المنسحبون إلى جوائز "إسرائيلية"!
الروائي والمُترجِم أحمد الويزي: انسحابي تضامن مع الإنسان الفلسطيني المخذول
سحبتُ ترشّحي لنيل "جائزة الشيخ زايد للكتاب" لتضامني الأخلاقي والإنساني المُطلق واللا مشروط مع قضية أُمِّنا الكُبرى فلسطين، التي غذّتنا بلبن أدبها المُمانع، وربّانا كُتّابها وشعراؤها وفنّانوها على اجتراح فعل المقاومة.
إنّ قضية التطبيع ينبغي أن تكون أولوية الأولويات، مما يتعيَّن على مُثقّفي وأدباء وفناني هذه الأمّة أن يضعوه نُصب اهتمامهم، لأنه جزء لا يتجزَّأ من صراعهم اليومي ضد أشكال الظلم والاستبداد والبشاعة كافة.
والإمارات ستخسر، إلى جانب ما خسرته إلى حدّ الآن، الشيء الكثير بانسحاب المُثقفين والأدباء والفنانين، ومُقاطعتهم لمؤسَّساتها الريعيّة البيترودولاريّة، لأنّ ما تقدّمه هذه الفعاليات من سندٍ قوي ودعمٍ روحي لإمبراطورية مدن الملح (بتعبير الكاتب الكبير عبد الرحمن منيف)، لا يُقدَّر بثمن. إنّ ما سُمّي إشعاعاً ثقافياً إماراتياً في وقتٍ سابق، سيضحى مُجرَّد سرابٍ خلَّبي لا روح فيه!
الكاتب عبد الرحيم جيران: لن أتعامل مع أية مؤسّسة تنتمي لدولة تُقيم علاقات مع دولة لقيطة
أعلنتُ عن استقالتي من هيئة تحرير إحدى المجلات الإماراتية الأكاديمية احتجاجاً على عملية التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني؛ فلا يُعقَل أن أتعامل مع أية مؤسَّسة تنتمي إلى أية دولة تُقيم علاقات مع دولة لقيطة مُحتلة واستعمارية أذاقت شعباً عربياً أعزل من الويلات ما لا يقبله الضمير الإنساني الحيّ.
المُثقف هو ضمير الأمَّة، وينبغي أن يكون الحارس الأمين على قِيَمِها، والمُدافِع عن هويّتها، والحامي لتاريخها؛ ولهذا عليه أن يكون مُتيقّظاً لكل ما من شأنه أن يمسّ وجودها ومستقبلها. ودوره التاريخي هذا يحتمّ عليه أن يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني الاستعماري بكل ما يمتلكه من وسائل، وبخاصة الكلمة التي هي سلاحه الناجِع. وكل صمت للمُثقف حيال قضايا أمّته وكل حياد يُعدَّان موقفاً مُخزياً، بل جريمة أشدّ من التطبيع نفسه.
والإمارات ستخسر الشيء الكثير، وأول ما ستخسره عُمقها الاستراتيجي الذي هو الوطن العربي. وخسارتها الثقافية تمثل أساساً في كون الاقتصاد لا ينفصل عن الثقافة، أكيد أن السائِح العربي لا يُشكّل أهمية لها أمام السائح الغربي، لكن عزلتها في ضمير الأمّة ستجعل من مُنتجها الاقتصادي المُصدَّر إلى العالم العربي شبيهاً بالمُنتَج الإسرائيلي. كما ستخسر الإمارات أمنها الذي سيأتي من تهديد الرأسمال "الإسرائيلي"، ومن المُنتجات "الإسرائيلية" التي قد تحمل في طيّاتها ما يُلحِق الضَرَر الفظيع بصحّة المواطن الإماراتي، وبخاصة المُنتجات الغذائية، وينبغي أن تُدرِك الإمارات أن المُخطّط "الإسرائيلي" أبعدُ من فلسطين. إنه يسعى إلى التوسّع، والخارِطة "الإسرائيلية" تشمل الجزيرة العربية، وعلى الزعماء العرب كلهم أن يتنبّهوا إلى كلمات النشيد الوطني "الإسرائيلي" فهي تتضمَّن الدعوة إلى قتل العرب. كيف سيؤدّي زعيم عربي مُطبِّع تحيّة لنشيدٍ وطني يدعو إلى قتله؟
الناقِد والمُفكّر يحيى بن الوليد: فلسطين خط أحمر
سحبت ترشيحي من "جائزة الشيخ زايد" لأن فلسطين خط أحمر، ولا يمكن الموافقة أو القَبول أو الذهاب... إلى حيث الفظاعة على مستوى التعاطي مع القضية الفلسطينية وكذلك المُتاجرة السياسية بها. ومن جهتي فقد كتبتُ كثيراً عن فلسطين وعن سردية فلسطين وعن إدوارد سعيد صاحب الكتب الكثيرة في مُناصرة فلسطين من منظورٍ تاريخي وإنساني. وكتبتُ أيضاً عن محمود درويش الذي ارتبط بالقضيّة. وكتبتُ عن الشهيد المغربي عبد الرحمن أمزغار الذي استشهد في عملٍ فدائي بطولي في فلسطين إلى جانب شبابٍ من فلسطين وتركيا. وكتبتُ كتاباً أيضاً عن الكاتب والمُفكّر المغربي اليهودي إدموند عمران المليح الذي ناصًرَ القضية الفلسطينية بقوَّةٍ لحد شطب إسمه من المعجم القومي اليهودي، بل اتهامه بمُعاداة "إسرائيل".
والمُثقّف لا يمكنه وقف التطبيع ولا وقف زحف الدبابات وأصوات الطائرات... لكن ذلك لا يعفيه من أداء دوره النقدي على الأقل، من ناحية مواصلة ارتباطه بفلسطين والوفاء لتاريخ فلسطين وذاكرتها. وألا يكون مُتفرِّجاً، ولو من بعيد، على تفتيت البقية الباقية فيها.
أما بخصوص خسارة الإمارات، في إثر التطبيع، وفي رأيي، فلا ينبغي تلخيص الخليج بأكمله في أنظمتها؛ لأن ذلك لا يفي بصوغ نظرة متكاملة للموضوع. ينبغي التمييز بين الأنظمة والشعوب أو المجتمعات بثقافاتها المحلية... بالرغم من محو المجتمعات وابتلاعها من قِبَل هذه الأنظمة. وهذه حال ربما عامة وتمتد في العالم العربي ككل. وكما ينبغي الالتفات إلى شبه انعدام البنيات الثقافية التحتية والمجلات والمواقع الثقافية... وغير ذلك من الوسائل التي تساعد المُثقّف على انتشاره ودونما تفريط في قناعاته واختباراته. وهو ما يدفع به إلى الخارج.