شبه الأمي يوفر «القراءة للجميع»!
يعترف بأني شبه أمّي لكنه مولع بالمطالعة. مكتبته توفر القراءة المجانية للجميع. إليكم قصة عبد الجليل القدور.
“الرائحة المُنبعثة من الكتاب تمنحني الانتماء للكلمة وتمدّني بعشقِ لا متناه للمُطالعة، رغم أنني أمّي في نظر الكثيرين من حَمَلة الشهادات العلميّة، إلا أنني تعلّمت القراءة والكتابة، وتغلّبت على بعضهم بشغف الحصول على المعرفة"، يقول عبد الجليل القدور للميادين الثقافية.
ولمَن لا يعرف مَن هو هذا الرجل، فإنه بائع كتب اعتاد منذ ما يربو على 30 عاماً، الجلوس على كرسيّ بسيطٍ على زاوية شارع «أنطاكيا» في محافظة اللاذقية السورية، فيما تقف خلفه رفوف مكتبة تحوي أكثر من 3000 عنوان.
يقضي هذا الرجل الخمسيني أغلب وقته في المُطالعة، وفي رصيده مئات الكتب، ما منحه القدرة على مناقشة بعض زبائنه في مضمون الكتب التي يختارونها من مختلف المجالات الأدبية والثقافية والعلميّة .
يعترف بأني شبه أمّي، لأنه لم يتخط المرحلة المتوسطة، إلا أنّه يعترف بولعه بالمُطالعة وذاكرته الحاضرة وتعلّقه بالكتب كانت كافية لتؤسّس له علاقة متينة مع المعرفة، وتمدّ جسور التواصل الثقافي بينه وبين زبائنه.
يقول عبد الجليل "لديَّ ذاكرة للحفظ جعلتني أحبّ الكتاب. وأحبّ أن أقوم بعمليات الترويج لبيع الكتب، وأن يشتري الناس من مكتبتي"، ويضيف "لكن ليس المردود المادي هدفي من ذلك، إنما الهواية وولَعي فيها. لأن متعتي تكمُن في رؤية الناس يقرأون". يرى عبد الجليل القدور في حديثه للميادين الثقافية أن الجيل الحالي لا يحبّ الكتب ولا القراءة، ويعرّفه بأنه "جيل ملول". لماذا؟
يُجيبنا القدور "إذا أراد بعض هذا الجيل اقتناء الكتب فلأجل ملء المكتبة بالكتب الملوَّنة والمُزَخْرَفة للتباهي بها أمام الأصدقاء، لذلك أحاول أن أشدّهم إلى حب المطالعة والتعلّق بالكتب، وأحاول جاهِداً جعلهم يعون قيمة الكتاب وما بين دفّتيه".
مُقارنة بغيرها من المكتبات، يعرض القدور كتبه بأسعارٍ رمزيةٍ على الرغم من أنها لا تدرُّ عليه أرباحاً تُذكَر، إلا أنه يأسف لانخفاض عدد القرّاء، ولا سيما الشباب منهم. يمضي نهاره في ترتيب كتبه باستمرار ويهتم بها بشكلٍ كبيرٍ ويضع الكراسي ويُخصّصها لكل مَن يريد المطالعة مجاناً خاصة لمَن لا يمتلكون ثمن الكتب.
"ابتعاد الناس عن الكتب مؤلم جداً، ويترك أثراً في الرّوح". بهذه الكلمات أكَّد القدور استمرارية مُبادرته، مُضيفاً "أحاول دائماً أن أحافظ على الروابط الجيّدة بين القارئ وبين الكتاب، وأحاول تسهيل الطريق للوصول إلى المعرفة، وعدم تمكين العراقيل الماديّة من منع الناس من اكتساب شغف المطالعة" ويردف مُتسائلاً "كيف نكون إنسانيين، إذا لم نحارب الجهل ونتحلّى بالأخلاق عن طريق الثقافة والمعرفة؟".
سؤال عبد الجليل القدور يُجيب عليه أحمد خلوف، أحد روَّاد المكتبة، فيقول إن "ما يقوم به صاحب هذه المكتبة بإعارة الكتب للاطّلاع عليها وتشجيع العالم على حبّ الاطّلاع والبحث والمعرفة في عصر تزاحُم المعلومات، يُعتَبر عملاً عظيماً ورائعاً".
وكذلك زينب درويش التي تحدَّثت عن مدى حبّها وتعلّقها بهذه المكتبة. "بالرغم من التطوّر التكنولوجي السريع، ووجود نِسَخ من الكتب على صيغة "pdf"، إلا أنّ ارتباطي الروحي بالورق والكلمات المطبوعة لم يفارقني يوماً".
في ظلّ الغلاء المعيشي وعدم الاكتفاء المادي، وجدت درويش في مكتبة العمّ عبد الجليل حيّزاً جميلاً للمُطالعة المجانية. تتذكَّر نصائحه لها وتصفها بأنها "غنيّة بالمعرفة". فهو يُرشدها إلى الكتب التي بإمكانها مُطالعتها، ويفتح شهيّتها للنقاش لــ "كَسْبِ الخبرة والمعرفة".
لا يزال عبد الجليل القدور شغوفاً بالمُطالعة. حبّه لكتبه وعمله أصبح حافِزاً كبيراً لدى أولاده، للمُحافظة على مُقتنيات مكتبة والدهم المُتواضِعة جداً. يأملون ألا تسرق التكنولوجيا المعرفة.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]