أموك.. أو أزمة الجنون القاتل

نوبة مفاجئة من العنف المُميت ... ماذا تعرفون عن مرض الــ "أموك"؟

ما هو أموك؟

أموك أو أزمة الجنون القاتل

الــ "أموك Amok" مرض نفسي يشير إلى نوعٍ من الجنون القاتِل يمكن أن يُصيب الرجل فجأة. وهو يبدأ في صورة سلوك عدواني فردي كإصابة أو قتل أو إهانة جميع الأشخاص الذين يقابلون المُصاب.

إنه نوبة مفاجئة من العنف المُميت الذي ينتهي بقتل المُصابِ عدداً كبيراً أو قليلاً من الناس، وهو سلوك ذكوري في الغالب. وقد لوحظت ظاهرة الأموك الغريبة في بعض البلدان الآسيوية بخاصة في ماليزيا، ووصفت بــ "أزمة الجنون القاتِل".

عندما يُصاب المريض فجأة يركض بسرعة في اتجاهات مختلفة مفصولاً عن الواقع. ويُعتقد في ثقافة الملايو*، أن المُصاب يمتلك روح الانتقام ويدخل في شكلٍ من أشكال الانتحار، لأنه سينتهي به المطاف في الغالب مقتولاً في سباقه المجنون، كما تُعتبر ظاهرة الأموك في الميثولوجيا الماليزية نوعاً من العقاب الذي تسلّطه أرواحٌ على أشخاص تنتقم منهم بعد أن تسحرهم.

ووفقاً لعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء النفس الذين كانوا يدرسون هذه الظاهرة في البلدان الآسيوية، غالباً ما يتمّ تحريك الأموك نتيجة الإحباط الكبير، بحيث يمكن للرجل الذي تعرّض للإهانة أو عانى من الهزائم القاسية أو الخزي أن يتورَّط في هذا النوع من الجنون الغاضِب، فيسقط في الانتقام وتدمير الذات، تحت وطأة المجتمع والتقاليد.

أصل كلمة "أموك" وتداولها

أموك أو أزمة الجنون القاتل

تمّ اعتماد مُصطلح "Amok" في اللغة الفرنسية عام 1830، وقد جُلِبت من لغة الملايو (Amuk) التي تعني "الغضب الذي لا يمكن التحكّم فيه".

واعتمد المصطلح أيضاً من قِبَل البريطانيين لوصف السلوك القاتل بشكلٍ عشوائي.

كما تمّ تداوله لاحقاً في الهند في ظل الاستعمار البريطاني، لوصف فيلٍ خرج عن نطاق السيطرة وتسبَّب في أضرار جسيمة. ثم أصبح المصطلح شعبياً من خلال القصص الاستعمارية لروديارد كبلينغ  (Rudyard Kipling 1865/1936). لكنه يستخدم أيضاً بشكل شائع في اللغة الإنكليزية لوصف سلوكيات الحيوانات المجنونة والمُدمّرة بما فيها الحيوانات الأليفة.

وما تزال كلمة "Amok" تتداول إلى اليوم، على نطاق أوسع لوصف سلوك أو موقف أصبح خارج نطاق السيطرة.

الـــ "أموك" في الأدب والفن

استهوت ظاهرة الــ "أموك" عدداً كبيراً من الأدباء والفنانين. ففي الأدب يُعتَبر الروائي النمساوي ستيفان زفايغ (Stefan Zweig 1881–1942) من أهم الذين تناولوا هذه الظاهرة في روايته (أموك/ Amok) التي صدرت عام 1922 وتُرجِمت إلى الفرنسية بإضافة عبارة إلى عنوانها، لتصبح (أموك أو مجنون ماليزيا/ Amok ou Le fou de Malaisie).

أما في ترجمتها العربية ففضَّل الشاعر التونسي ناظم بن إبراهيم إضافة (سعار الحب) إلى العنوان مُعلِّلاً ذلك بقوله في مقدّمة الترجمة: "ترجمتنا تحويل تفسيري للقارئ العربي لأن (سعار الحب) أقرب في رأينا إلى الرواية وعوالمها من الترجمة الفرنسية".

تتحدَّث رواية زفايغ عن رجل ماليزي شجاع ومسالم، يجلس في المقهى محتسياً مشروبه في هدوء، لا يكترث لما يدور حوله، فجأة يقفز بسرعة ويهرول نحو الطريق ويركض في اتجاه مستقيم من دون أن يَعرف إلى أين.

لا يفعل شيئاً آخر غير الركض والصُراخ الحاد، وإذا اعترضه شخص طعنه بخنجره، مُعتبراً أنه يحقّق انتصاراً كبيراً. يواصل الرجل ركضه إلى الأمام، لا يلتفت يميناً أو يساراً، ولا تستطيع أية قوّة وقفه، يصبح أكثر وحشية عندما يتلطّخ بالدماء والناس من حوله يصرخون مُنذرين غيرهم: "آموك! آموك!"، يهربون، لكنه لا يسمعهم، ويواصل ركضه الجنوني إلى أن يصرع كما لو كان كلباً مسعوراً منهاراً لحظة حتفه.

لا يريد ستيفان زفايغ فقط وصف غرابة هذا الداء على لسان بطله الطبيب، بل يريد أن يصل بنا إلى اكتشاف غرابة حمّى سعار الحبّ، فدخول شخص واحد حياتك تجعلك تلقي بها في المجهول وترتمي في الفراغ مثل الــ "أموك" تماماً.

كما وُصفت الشخصية الرئيسية في رواية (رومان غاري Romain Gary 1914/1980) "جذور السماء" (1956) بأنها تجسّد ظاهرة الــ "أموك"، فهي في غاية الجنون والغموض.

كذلك الأمر في السينما، حيث استلهم مخرجون فكرة الـــ "أموك" بوصفها جحيماً وعذاباً، ومنهم المخرج المغربي سهيل بنبركة الذي اشتهر بفيلمه (Amok) الذي يحكي قصة المُدرّس ماثيو سامبالا الذي غادر قريته الصغيرة نحو مدينة جوهانسبورغ ليجد أخته جوزيفين تمتهن الدعارة تحت وطأة الفقر.

ويجد إبنه قد تحوّل إلى قاتِل يعمل تحت الطلب، بينما أخوه الأصغر مُهدّد بالموت والاعتقال في أية لحظة بسبب انخراطه في العمل السرّي ضد نظام الفصل العنصريويصف الفيلم لحظات اليأس القاسية التي تأتي من مشاهد العنصرية والاحتقار والتعذيب الوحشي الذي يتجاوز كل وصف.

أما في المسرح فقد جسّد عدد كبير من المسرحيين فكرة الــ "أموك" بأشكال مختلفة تتّفق كلها على وحشية الظاهرة وغرابتها وغموضها. وفي الموسيقى ألّفت مقطوعات موسيقية وسيمفونيات عديدة استلهمت الظاهرة وحمل بعضها إسمها.

  • ترتبط ثقافة الملايو بمجموعة من البلدان الأسيوية أندونيسيا، وسلطنة بروناي وسنغافورة وميانمار وتايلاند، إلا أن ماليزيا تعتبر الموطن الأصلي للملايو، حيث يعيش فيها نحو 15 مليون نسمة منهم، ويتحدّثون اللغة الملايوية.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]