المهارات الحياتيّة والمهنيّة.. كيف نواجه التحديات اليومية؟

أصبحت المرونة أمراً لا مفر منه، وبدأت المؤسسات بمعظمها تنادي بأهمية هذه الثقافة للفرد والمجتمع ككل لكي يتمكن هؤلاء من التعامل مع الأوضاع المستجدة.

  • المهارات الحياتيّة والمهنيّة.. كيف نواجه التحديات اليومية؟
    المهارات الحياتيّة والمهنيّة.. كيف نواجه التحديات اليومية؟

نعيش اليوم في عصر مليء بالضغوطات التي تتزايد يوماً بعد يوم، سواء من الناحية الاجتماعية، أم الاقتصادية، وحتى من الناحية المادية، وغيرها الكثير من الأمور الحياتية. لذلك، أصبحت المرونة أمراً لا مفر منه، وبدأت المؤسسات بمعظمها تنادي بأهمية هذه الثقافة للفرد والمجتمع ككل لكي يتمكن هؤلاء من التعامل مع الأوضاع المستجدة. تشتمل مهارة المرونة  بالتالي على جوانب متعددة. فهناك المرونة النفسية، والمرونة العقلية، ... إلخ. 

أما المرونة النفسية فهي فرعٌ من فروع علم النفس الحديث، وتساعد الفرد على التفاعل الإيجابي مع ما يتعرض له من متاعبَ وصدمات في حياته، فضلاً عن أن الأشخاص الذين يمتلكون هذه المهارة يتعاملون مع الضغوطات النفسية على أنها تحدياتٌ تستحق الاكتساب والتعلم منها، ويتمتعون بالعديد من الصفات، نذكر منها:

* تقبل النقد البناء والتعلم من الأخطاء: باستطاعة من يمتلكون مهارة المرونة تقبل النقد من الآخرين والاستفادة منه، وتحقيق الفائدة من الانتقادات الموجهة إليهم كونهم يدركون أن الإنسان معرض للخطأ، وهذا ما يمنحهم القدرة على التعلم من أخطائهم.

* اتخاذ القرار المناسب: شعورهم بالمسؤولية تجاه الغير والمجتمع ككل يجعلهم حريصين جداً على دراسة كلفة المواقف لاتخاذ القرار الملائم من دون أي تردد.

* روح الدعابة: يلاحظ دائماً أن معظم الأشخاص الذين يتمتعون بمهارة المرونة، لديهم حس الدعابة كونهم يتمتعون بشخصية مرحة وقادرين على نشر الفرح وإدخال السعادة إلى نفوس المحيطين بهم.

* الاستقلالية: يعلمون جيداً أن حريتهم تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، لذلك فهم يوازنون بين ذاتهم والأفراد المحيطين بهم.

* تكوين العلاقات: من يمتلك مهارة المرونة لديه القدرة على التعامل الاجتماعي، والعقلي، والنفسي مع المحيطين به، بفضل قدرته على تكوين العلاقات الصحيحة والسليمة.

ونحتاج أيضاً الى المرونة التي تجعل لدينا القدرة على خلق الأفكار الجديدة وغير التقليدية، وقدرته على تغيير هذه الأفكار أو تعديلها بما يلائم المواقف المختلفة التي قد يواجهها، لا سيما أننا في عصر سريع التغير والتطور، فضلاً عن أن امتلاك هذه المهارة يساعد الأفراد على استيعاب الأفكار الجديدة وفقاً للظروف المتغيرة ووجهات النظر المتعددة. وتقسَم المرونة العقلية إلى قسمين: 

* المرونة التكيفية: وهي قدرة الفرد على تغيير طريقة تفكيره في مواجهة المشكلات والعمل على حلها، وذلك من خلال الخروج من الطريقة التقليدية في حل المشاكل إلى اتباع الطرق المبتكرة التي تمتاز بالمرونة، والتكيف، والنقد البناء، الأمر الذي يساعد المرء على تغيير نمط تفكيره عند مواجهة مستجدات حول المشكلة التي يَوَد حلها.

* المرونة التلقائية: وهي التي يستطيع الفرد من خلالها الانتقال من فكرة إلى أخرى متعلقة بمشكلة ما تواجهه بدون التقيد بإطار معين في التفكير.

تعتبَر المرونة في التفكير من أهم المهارات التي علينا التدرب عليها واتخاذها عادةً يومية في كل تصرفاتنا لأن المرونة في التفكير من الممكن أن تفتح آفاقاً جديدة لفكرك وترشدك إلي خيارات لم تكن تعتقد من قبل أنها متاحة، وتعتبر أيضاً جزءاً من سمات الشخصيات المتزنة، والاستجابة لتحديات معينية مثل قدرة المجتمع على توقع التحديات التي سوف يتعرض لها، ومن ثم التكيف معها بنجاح. 

إن امتلاك الشخص لثقافة ومهارة التوجيه الذاتي يساعده على المضي قدماً بحياته بمرونة أكبر، من خلال تحديده الأهداف التي يريد تحقيقها، فضلاً عن أنه يمكن تطبيق إدارة الذات على مختلف أمور الحياة وجوانبها.

كما تشكل الثقافة بشكل عام، بكافة مكوناتها المادية والمعنوية، إطاراً جسيماً لسلوك الإنسان ونشاطاته المختلفة، وهي تلعب دوراً داعماً في دفع الإنسان نحو المبادرة في مجالات النشاط الاقتصادي، وخلق فرص العمل من خلال إنشاء المشروعات الجديدة وبناء القدرات، وتفعيل النشاط الاقتصادي، فضلًا عن تنمية مهارات الأفراد ورفع قدرتهم التنافسية، إذ تستجيب ثقافة المبادرة لمستجدات سوق العمل ومتطلباته في عصر العولمة والثورة التكنولوجية، وتساهم أيضًا في تنمية خبرات الأفراد ورفعها نحو مستويات متقدمة تصل أحيانًا إلى خلق أفكار جديدة والابتكار، فضلاً عن تحفيزها الأفراد على العمل المنتج والمجدي اقتصادياً، وفتحها باب المنافسة الداعمة لزيادة مستويات الجودة. وتتم تنمية ثقافة المبادرة من خلال الآتي: 

* التدريب: يتم التدريب على انتساب ثقافة المبادرة من خلال حقائق تدريبية محددة تنمي مهارات ومقدرات المبادرين على المبادرة بتأسيس مشاريع اقتصادية وتنموية.

* حاضنات الأعمال والابتكار: هي عبارة عن منظمات كبرى تتبنى خططاً لمشروعات منظمة تستهدف توفير الإمكانات الفنية والمادية لتمكين أصحاب هذه المشاريع من تحويل أفكارهم إلى مشاريع حقيقية وواقعية. وحاضنات الأعمال هي "تنظم العديد من الخدمات التي تساهم في تطوير الأعمال، وتوفر للشركة الخدمات التي تحتاجها في بدايتها عن طريق احتضانها في مكان صغير. نستنتج من هذه التعريفات أن حاضنات الأعمال تلعب دوراً كبيراً في تطوير الاقتصاد، فهي تساهم في توسيع القاعدة الاقتصادية من خلال استثمار الأفكار الريادية الناجحة وتحويلها إلى مشاريعَ اقتصادية متطورة، وفي إيجاد قطاع تقني متطور يواكب متطلبات العصر الحديث ويضاعف من دوره في التنمية الاقتصادية، علماً أن هدف الحاضنة ودورها هو تطوير المشاريع الاقتصادية عبر إنشاء المشاريع، وربطها بالأسواق المستهدفة من خلال دعم البحوث العلمية التي تساهم في تقديم الأفكار الإبداعية، ناهيك عن دورها المهم جداً في تنشيط الحركة الاقتصادية.

وفي ظل هذه الضغوطات التي نعيشها وهذه الأزمات التي تعصف بنا فإننا بحاجة أيضاً الى إدارة الذات وهي تساهم في إخضاع الإنسان نفسه لمجموعة من القواعد والخطط، والرقابة الذاتية، والتحكم خلال مدة تعليمه لنفسه وتطويره لذاته.

إن امتلاك الشخص لثقافة ومهارة التوجيه الذاتي يساعده على المضي قدماً بحياته بمرونة أكبر، من خلال تحديده الأهداف التي يريد تحقيقها، فضلاً عن أنه يمكن تطبيق إدارة الذات على مختلف أمور الحياة وجوانبها. يمكننا، من خلال التطوير الذاتي، تطوير المواهب، والقدرات، والإمكانات لدينا، وقد يكون هذا التطوير سبباً لتسهيل الحصول على فرص عمل أو تحسين مستوى المعيشة. يمكن القول أيضاً إن التوجيه الذاتي عبارة عن عملية منظمة على شكل خطوات وتخطيطات، فضلاً عن إرشادات يضعها القيادي لفريق عمله لكي يتمكنوا من تحقيق أهدافهم بالشكل المطلوب، دون أخطاء أو عيوب من خلال التوجيه السليم. إن صقل الشخصية وتوجيهها بما يخدمها ويخدم المجتمع من الأمور التي يحتاجها جميع أفراد المجتمع، ويكون التوجيه الذاتي انطلاقاً من المنزل، من ثم المدرسة، وصولاً إلى الجامعة، علماً أن التوجيه الذاتي، علماً أن التوجيه الذاتي، يشتمل على التالي: 

* التوجيه التربوي: يستطيع الفرد، من خلال هذا التوجيه، تحديد الخطط والبرامج التربوية التي تتوافق مع إمكانياته، وقدراته، وتكون هذه الخطط وفقاً لطموحاته من جهة، وتخدم المجتمع من جهة أخرى، علماً أن التوجيه التربوي يساعد على تنمية قدرات التواصل الاجتماعي لدى الأفراد، فضلاً عن مساعدة هؤلاء على اكتشاف مواهبهم، وما يمتلكون من قدرات وكفاءات، وتنمية مواهبهم وتطويرها، وتطوير أدوات العملية التربوية، وهذا بدوره يساهم في خلق توازن بين العملية التربوية والتنمية المجتمعية، ويعتبر الطريقة الفضلى للقضاء على التسرب المدرسي، علماً أن عملية التوجيه التربوي بين الموجه والمعلم تهدف إلى رفع مستوى أداء المعلم لتحسين عملية التعلم، وهذا يتطلب عملية جماعية تضم كلاً من المعلم، والموجه، والمدير، وأولياء الأمور، أي كل من له علاقة بهذه العملية التربوية.

* التوجيه الاجتماعي: يهتم هذا النوع من التوجيه بنمو الأفراد بطريقة سليمة تتحقق من خلال التوافق الذهني السليم. فمن خلال هذا التوجيه، يحصل الربط بين ما يحمل العامل الجديد من القيَم، والتوجهات، والتوقعات، وبين ما هو موجودٌ فعلياً في البيئة الجديدة التي انتقل إليها. لذلك، على الفرد أن يمتلك ثقافة المرونة والتكيف لتجنب المواجهات عند انتقاله من بيئة إلى أخرى، سواءً في الحياة العملية أم الحياة الخاصة. فعندما تختلف التوقعات عن الحقيقة، ولتفادي التصادم بين البيئة القديمة والبيئة الجديدة، على الفرد تفعيل المشاركة الاجتماعية بمساعدة التوجيه الاجتماعي من خلال البرامج التي تؤهل الفرد لتخطي هذه العقبات. ففي المنظمات، يكون قسم الموارد البشرية عادةً هو المسؤول عن التوجيه الاجتماعي والمعني الأساس بعملية التوجيه الاجتماعي.

* التوجيه النفسي: يقدم هذا التوجيه التوعية اللازمة لجميع أفراد وفئات المجتمع من خلال عملية بناءة ومخطط لها، مهمتها تقديم الخدمة من المرشد النفسي إلى المسترشد، وتوجه هذه الإرشادات عادة إلى الأشخاص الذين يعجزون عن حل مشاكلهم بأنفسهم وبحاجة إلى نصيحة معينية، وتتم العملية بعد التعرف على ميول الفرد، وإمكاناته، والمشاكل التي يعاني منها، وعلى الأهداف المستقبلية التي يطمح إلى تحقيقها.

* التوجيه الوقائي: يهتم التوجيه الوقائي بتوعية الأفراد لما يدور حولهم لحمايتهم من خطر الوقوع في المشاكل الصحية، والنفسية، والاجتماعية، والتي تحدث نتيجة تعرضهم للعديد من المخاطر في الحياة.

* التوجيه التعليمي: يتطلب التوجيه التعليمي امتلاك الفرد مجموعةً من المهارات، والتي تشمل اعتماد الوسائل التعليمية المختلفة، والتواصل مع كامل الطلاب بشكل فعال، وهذا بدوره يؤدي إلى قابلية التكيف مع التطورات التي طرأت على المناهج بسبب الثورة التكنولوجية، ويساعد في التفكير خارج الصندوق، وتطوير التعلم الذاتي والمستقل، فضلًا عن تحسين قدرة المتعلم على إيجاد حلول للمشكلات.

 يعتبر التفاعل الاجتماعي والثقافي من أهم عناصر العلاقات الاجتماعية، والتنشئة الاجتماعية، وهو يعمل على تحسين سلوك الفرد في ضوء المعايير الاجتماعية التي تحدد دوره الاجتماعي وأدوار الآخرين. يشكل التواصل الاجتماعي وسيلة اتصال وتفاهم بين أفراد المجموعة، ويؤدي إلى تبادل المعرفة والثقافات بين الأفراد، وبروز المواهب والمهارات، فضلاً عن تسهيله عملية التواصل وتقريبه وجهات النظر. يساهم أيضاً في تحقيق متطلبات الجماعة من حيث تحقيق أهدافهم، وتنظيم العلاقات الداخلية والخارجية في ما بينهم من جهة، وفي ما بينهم والخارج من جهة أخرى. إلى ذلك، يربط أعضاء المجموعة بعضهم ببعض في الحاجات، والرغبات، والأهداف، ويكسبهم أنماطًا سلوكية تنظم العلاقات بين الفرد والمجتمع، علمًا أنه يساعد على تقييم الذات والآخرين بصورة مستمرة، وينمي السلوك الاجتماعي بين الأفراد، ويوظف الخصائص المشتركة بينهم.

نستنتج مما ذكر إذن أن أهم صفات الكائن البشري تكمن في وجود علاقات بينه وبين الآخرين، ويتخذ هذا التفاعل الاجتماعي صوراً وأساليب متعددة. فقد يحدث بشكل مباشر أو غير مباشر بين عدد محدود من الأفراد أو عدد كبير. يأخذ التفاعل الاجتماعي أيضاً أنماطاً مختلفة تتمثل في التعاون، والتكيف، والمنافسة، والصراع.

 يعتبر التفاعل الاجتماعي والثقافي من أهم عناصر العلاقات الاجتماعية، والتنشئة الاجتماعية، وهو يعمل على تحسين سلوك الفرد في ضوء المعايير الاجتماعية التي تحدد دوره الاجتماعي وأدوار الآخرين.

في الختام، لا بد من التذكير بأننا نعيش اليوم في عصر يتسم بسرعة التقدم الحضاري التي جعلت دول العالم تتسابق من أجل اللحاق بركب ذلك التقدم، إذ اقتنعت كافة الشعوب أن التأخر في أي مجال من المجالات قد يجعل منها دولة خارجة عن نطاق السباق، وسوف تصنف بالتالي من مجموعة الدول المتخلفة. وعليه، تسمى الدول التي يزيد فيها معدل استهلاكها عن معدل إنتاجها بدوَل العالم الثالث. كما ـأننا نستطيع تطوير الثقافة الإنتاجية من خلال التالي: 

- تنمية روح الولاء للمنظمة والتي تنعكس إيجابًا على الإخلاص بالعمل، والسعي إلى تطوير الذات لتكونَ قادرة على الاندماج في سوق العمل.

- ميل الفرد إلى اقتراح بعض الأفكار الجديدة أو الحلول للمشاكل التي قد تعترضه في العمل، أو القيام بمهام معينية دون الحاجة إلى الرقابة الخارجية عليها أو تلقي الأوامر من أحد.

- تنمية روح الحماسة لدى الأفراد، الأمر الذي يزيد من إنتاجهم.

-  الحفاظ على الخبرات السابقة، والعمل على تطويرها.

-  اتباع سياسة التعلم المستمر، ومواكبة كل ما هو جديد في عالم المعرفة.

-  التدريب المستمر الذي يترك آثاراً إيجابية على شخصية الأفراد وينمي قدراتهم.

   وبعد عرض كافة الثقافات التي تتعلق بالمهارات الحياتية والمهنية معاً، لا بد لنا من الانتقال إلى القسم الرابع الذي سنتعرف من خلاله على كفايات القرن الحادي والعشرين.