مسيرة الشهداء في الطنطورة ذاكرة الانسان الفلسطيني في مركز التحرك الشعبي والوطني
تتحضر جمعية “فلسطينيات” لإتمام المسيرة إلى “الطنطورة” بحشد شعبي على ما ظهر في السنوات السابقة، وذلك يوم الجمعة 17/5/2019 الساعة الخامسة والنصف مساء، ودعت الجمعية السكان من كل مكان ليكونوا جزءا من هذه المسيرة. وإننا لعائدون
عرض مؤسس “فلسطينيات” جهاد أبو ريا، وهزار حجازي من الناشطين لإنجاح المسيرة، تجربتهما في إطار إحياء الذاكرة الطنطورية بما هي مفعمة فيه من ذكريات متناقضة، منها الجميل بجمال القرية، وأنحائها، وتفاصيلها، والحياة التي عاشتها قبل النكبة، ومنها الشديد البشاعة، والألم مما عانته من ويلات التهجير، والمجازر الوحشية التي ارتكبها الصهاينة فيها، وتبقى في الذاكرة لا يمحو الزمن شدة قساوتها.
كتب جهاد أبو ريا وهزار حجازي في تجربتهما عن المسيرة:
مسيرة الشهداء داخل قرية الطنطورة المهجرة هي ليست مجرد دعوة ننشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، بل هي عمل شاق، وشائك، ومضنٍ، وعميق يستمر سنوات وسنوات.
يبدأ هذا العمل بالوصول إلى القصص الإنسانية المغيبة منذ سبعة عقود داخل القرى التي استقبلت المهجرين، وداخل مخيمات اللاجئين. هذه القصص تشكل الحكاية الصادقة لما حدث في الطنطورة، وتفند الرواية الصهيونية التي نجحت حتى اليوم بتغييب الحقيقة. إنها الطريق التي ننجح من خلالها بتحويل القصص الشخصية الى ذاكرة جمعية، تجند، وتحشد للتحرك الشعبي، وللمشاركة، والانضمام إلى هذه المسيرة الطويلة.
عملية التواصل مع الناجين من المجزرة، والوصول إلى هذه القصص الإنسانية، ليس بالأمر السهل. انه الجزء الأصعب، والأهم من هذه المسيرة، ويتطلب منا جهودا وعملا دقيقا، وعلميا للتواصل مع أهلنا الناجين، وبناء الثقة، والعلاقة الانسانية من أجل نقل معرفتهم، والحديث عن كل ما عاشوه ليلة المجزرة من اقتلاع، وتهجير، واعتداءات جسدية، ونفسية، وألم، وصدمة، وما تلتها من نكبات وصدمات خلال عقود من النكبة المستمرة. وليس من الهين على من كان شاهدا على إعدام أخيه، أو أبيه أن يروي لإنسان غريب عن تجربته الأليمة بعد هذه السنوات الطويلة، وليس سهلا عليهم أن يتحدثوا عن الذل الذي لحق بهم بعد العز الذي كانوا فيه. فطالما وصلنا إلى بيت أحد الناجين، أو الناجيات من المجزرة، ولم يوافقوا على الحديث معنا، أو حتى على استقبالنا، لم نغضب ولم نتردد. تفهمنا أن هذا نابع من الألم الذي يعتصرهم، ومن خيبة الأمل من شعبهم الذي لم يسأل عنهم كل هذه المدة، وأصرينا على العودة مرة بعد مرة حتى كسبنا ثقتهم.
عندما التقينا التقينا بالحاجة رشيدة ايوب اعمر من الطنطورة، شاركتنا وحدثتنا كيف اختارت الاحتفاظ بتجربتها، وذاكرتها في الحيز الخاص، والعائلي طوال 67 عاما. الا أنها عندما سمعت بمشروع احياء ذكرى شهداء المجزرة، شعرت بالرغبة، والحاجة لمشاركتنا بقصتها: " حسيت بالأمل أنو نرجع ع بلدنا"، ونحن بدورنا تفاعلنا مع حاجتها، ورغبتها هذه، وأتينا الى بيتها، ورافقناها لعدة لقاءات، وجلسات، روت من خلالها قصتها.
والتقينا بالحاج ابو جميل المصري الذي حدثنا عن محاولة إعدامه بعد إعدام والده سليمان الأطرش، وأخيه عيسى سليمان الأطرش أمام أعينه.. وحدثنا الحاج رزق عشماوي، رحمه الله، عما رأت عيناه من هول المجزرة، وعن إعدام الشهيد سليم أبو شكر، وحدثنا الحاج أبو رياض حصادية رحمه الله عن كل حجر في الطنطورة. ونحن بدورنا قمنا بتوثيق، ونشر هذه القصص والتجارب الإنسانية، ومشاركتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام لأننا نؤمن وندرك أن هناك قيمة أخلاقية، ووطنية من هذه العملية. وبالفعل الانتشار الواسع، والمشاركة الواسعة، لهذه القصص الانسانية، كانت الوقود التي أدت للتحرك الانساني، والشعبي من أجل إحياء ذكرى الشهداء، وتكريمهم، وتكريم الناجين، والصابرين على الألم من اهلنا في الطنطورة، ومن أجل إطلاق صرخة شعبية توجه إصبع الاتهام للمجرمين الذين قاموا بالمجزرة، ومحاكمتهم من خلال محاكمة شعبية ووطنية في ظل الصمت الدولي، والتحرك السياسي لتجريم المجرمين.
مما لا شك فيه ان ما قمنا به من توثيق، وتثبيت للذاكرة الشخصية، والانسانية لأهلنا في الطنطورة، ساهم في تحويل هذه القصص الشخصية الى ذاكرة جمعية. وأيضاً، حولنا نحن مع كل المهتمين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والاعلامي إلى شهود عيان لتلك المجزرة الرهيبة التي اقترفت بحق اهلنا في الطنطورة، وكوننا شهود عيان على هذه المجزرة ففي ذلك قيمة أخلاقية، ووطنية، ودعم إنساني لكل من الحاجة رشيدة، والحاج ابو جميل، والحاج رزق عشماوي رحمه الله، وغيرهم لأننا في شهادتنا هذه، نستطيع أن نتشارك معهم الألم والذاكرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأن شهادتنا هذه على ما مروا به خلال المجزرة، تحتم علينا الدور، والواجب الأخلاقي، والوطني من أجل التحرك، والعمل على تجريم المعتدين، ومن أجل التحرك، والعمل لعودتهم ألى قريتهم الحبيبة الطنطورة. ولإيصال هاتين الرسالتين بقوة كان لا بد لنا من إقامة هذه المسيرة داخل القرية، وداخل المستعمرتين اللتين تجثمان على أنقاض القرية، وليس في أي منطقة مجاورة، وكان لا بد لنا، لإيصال الرسالة بقوة، من ان نبدأ من القبر الجماعي الذي يقع عند بوابة الفندق القائم على أنقاض مقبرة القرية، فكانت معارضة قوية من قبل المستعمرتين “نحشوليم” و”دور“، ومن خلفهم شرطة “زمارين”. إلا أن الالتفاف الشعبي منحنا القوة، والإصرار لإقامة المسيرة داخل قرية الطنطورة، فأقمنا المسيرة داخل القرية، وبدأنا من جانب القبر الجماعي، ورفعنا أسماء الشهداء الذين قمنا بجمعها وتوثيقها عبر شبكة واسعة من التواصل مع أهالي الطنطورة في فلسطين والشتات، لنكرمهم، ولنستحضر إنسانيتهم، وعلاقتهم بقريتهم التي رووا دماءهم بترابها ورمالها.
لم نلتفت إلى أصوات المحبطين الذين حاولوا إفشال هذه المسيرة، بل نظرنا إلى الأمل، والقوة التي زرعناها في قلوب أهالي الطنطورة في جميع أنحاء العالم، فأخذوا يتوافدون بالعودة لزيارة قريتهم، وأصبحت مسيرة الطنطورة نموذجا من مجزرة منسية إلى مجزرة تصرخ كل يوم في وجه مرتكبيها.