"عروس حيفا" من عرض البحر: إنها فلسطين!
"الميادين نت " يروى قصة المناضلة الفلسطينية الشهيدة دلال المغربي منذ انطلاق عملية "الشهيد كمال عدوان" من بيروت، حتى لحظة الاستشهاد، مروراً بخوض لجج البحر، وتتعرف على تفاصيل جديدة حول دلال من شقيقتها رشيدة المغربي.
وُلدت دلال المغربي عام 1958، في حي "الفاكهاني" في منطقة طريق الجديدة في بيروت، والدتها لبنانية من قرية شوكين في جنوب لبنان، ووالدها فلسطيني، لجأ إلى لبنان في أعقاب نكبة 1948، وقد تلقت دلال دراستها الابتدائية في مدارس تابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في بيروت.
بدأ مشوار دلال النضالي مبكراً، بالانتساب إلى الهلال الأحمر الفلسطيني كممرضة عام 1971، حيث كان والدها يعمل كمتطوع في تلك المؤسسة. وقد وافقوا في الهلال على انضمام دلال إليه، برغم صغر سنها، بعد أن أقنع والدها، وكان رئيسه يومذاك الدكتور فتحي عرفات، على السماح لها بالتطوع.
عام 1973 انتسبت لحركة فتح، في عمر الـ14 سنة تقريباً، وهي ما تزال على مقاعد الدراسة، ونالت عدة دورات عسكرية وسياسية.
ولأن أهلها يعتقدون أنها تعمل في الهلال الأحمر، كانت تستغل ذلك، لتذهب إلى معسكرات التدريب.
خطبت دلال من أحد المناضلين الفلسطينيين، ولكنه تركها لأنه عارض عملها القتالي.
ومثل أي مناضل لم تكشف دلال عن جانبها العسكري، إلا لشقيقتها اللواء رشيدة المغربي الضابط السابق في حركة فتح التي تقيم اليوم في رام الله.
قبيل تنفيذ العملية خضعت دلال ورفاقها في العملية لدورة عسكرية لمدة نحو 10 أشهر في معسكرات التدريب على عمليات القوات الخاصة في معسكرات فتح في جنوب لبنان، من أجل التحضير لتنفيذ عملية "الشهيد كمال عدوان" حيث وقع الاختيار عليها لتقود العملية.
تقول أختها الكبرى اللواء رشيدة المغربي التي شجعت ودفعت دلال للانتساب إلى "فتح" في حديث خاص للميادين نت: إن دلال أجرت عدة دورات عسكرية بدون معرفة أهلها.
وتضيف "عندما علمت بفكرة العملية طلبت من قيادة فتح أن تسمح لي بالمشاركة بالعملية إلى جانب أختي دلال، لكن القيادة رفضت لسببين: لأنني كنت مصابة بطلق ناري في حرب 1976 في بيروت، والاَخر أنه لا لداعي لمشاركة شقيقتين في نفس العملية".
وتكمل الأخت الكبرى لدلال روايتها للميادين نت "قبل يومين من ترك دلال المنزل للمشاركة في العملية ذهبت مع والدتها إلى محل التصوير لأخذ صورة وداعية لها".
وتسرد رشيدة رواية دلال "عروس حيفا" -كما أًطلق عليها بعد استشهادها-، أن دلال عشية انطلاقها للعملية أخبرت أهلها أنها ستذهب للجنوب في جولة لمدة يومين لتفقّد جرحى المقاومة الفلسطنية في المستشفيات.
ولأن المقاومة رشيدة كانت على اطلاع بما كانت تنوي دلال القيام به، "عند الصباح أوصلت دلال إلى "موقف الكولا" في بيروت وودعتها، واستأجرت سيارة لتوصيلها إلى جنوب لبنان، فمن هناك تم الانطلاق للعملية.
انطلقت الباخرة التي تقل مجموعة دلال المغربي في صباح 9 اَذار/ مارس 1978 من ميناء صور. متجهة نحو الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. إلا أن عائقاً - لم يعرف سببه حتى الآن- حال دون استمرار إبحار الباخرة، ما أجبر دلال المغربي ورفاقها الشهداء على تركها وركوب الزوارق التي بحوزتهم، قبل نقطة المتفق عليها.
كان الطقس ممطراً والرياح شديدة، ما جعل الزوارق تترنح يميناً وشمالاً حتى ضلت المجموعة طريقها في عرض البحر المتوسط. وبعد ساعات، توقفت محركات الزوارق بسبب نفاذ الوقود، فاضطروا لاستعمال المجاذيف اليدوية، وأصبحت سواعدهم محركات بشرية وهي تحاول أن تصل إلى الشاطئ المجهول!
كاد اليأس يسيطر على مجموعة العملية، بعد انقلاب أحد الزوارق بسبب موجة قوية، فاستشهد اثنان غرقاً، وطغى النوم على بعضهم، إلى أن جاء الفرج من الله، وصرخ "أبو احمد اليمني" أحد أبطال المجموعة "ها هو الضوء ها هو الضوء"، وبصرخته ارتفعت معنويات المجموعة، ودب الحماس فيهم، وبدأوا بالتجذيف للوصول نحوه.
"أيها الشباب... إنها فلسطين" !
بعد مصارعتهم للأمواج لمدة يومين، وصلت مجموعة دلال المغربي إلى أرض فلسطين المحتلة، دون أن يعرفوا في أي مكان أصبحوا. وتحركت دلال مباشرة لاستكشاف المكان، وبعد دقائق عادت لتصرخ بأعلى صوتها "أيها الشباب إنها فلسطين".
كانت دلال أول من أطلق الرصاص من بندقيتها، فقد أوقفت إمراة أميركية لتستفسر عن الطريق المتجه إلى تل أبيب، وبعد الحديث معها، قالت الأخيرة إنها أتت للسياحة في (إسرائيل)، صرخت دلال وقالت "هذه فلسطين وليست إسرائيل وأطلقت النار عليها".
كانت خطة العملية كما مرسوم لها تستهدف فندقاً على الساحل ونادي للضباط الصهاينة في مدينة تل أبيب المحتلة.
تحركت "مجموعة دير ياسين" بقيادة دلال المغربي نحو أحد الشوارع الرئيسية، وتم خطف حافلة ركاب ممتلئة بالمستوطنين كي يصلوا إلى تل أبيب التي تبعد 95 كيلومتراً عن مكانهم في حيفا.
وبدأت المجموعة بقيادة دلال بإطلاق النار على كل ما يصادفهم من سيارات، وفي الطريق تم خطف حافلة ركاب أخرى، وأخذ ركابها إلى الحافلة الأولى ليصل عدد الرهائن إلى تسعين شخصاً.
في هذه اللحظات بدأ الجيش الإسرائيلي يلاحق مجموعة دلال في الحافلة المخطوفة. وحدث اشتباك عنيف بين الطرفين.
كانت دلال كقائد لعملية "الشهيد كمال عدوان" تعمل على عدة جهات: على توجيه أبطال العملية، وتأمين الحماية لهم من الناحيتين الإمامية والخلفية، وما يحتاجونه من سلاح، وعلى توجيه سائق الحافلة.
في هذه اللحظات اقترح أحد أبطال المجموعة "فياض" على دلال الاتجاه إلى مطار بن غوريون بدلاً من الذهاب نحو تل أبيب، لكن دلال أصرت على رأيها، وقالت بكل "لا يا أخ فياض كما قال لنا أبو جهاد يجب أن ندخل تل أبيب".
استمرت الحافلة في طريقها نحو تل أبيب، ولم ينقطع اشتباك دلال ورفاقها الأبطال مع الجيش الإسرائيلي.
وحسب رواية رفيقها الأسير المحرر حسين فياض فإن دلال أعلنت في هذه اللحظة بصوت عالٍ "لتعلموا جميعاً أن أرض فلسطين عربية وستبقى كذلك مهما علا صوتكم وبنيانكم على أرضها. ثم أخرجت دلال من حقيبتها علم فلسطين لتقبله وتضعه على مقدمة الحافلة، قبل أن تؤدي له التحية بكل شموخ و من ثم بدأت بالغناء:
"بلادي… بلادي… بلادي… لك حبي وفؤادي
فلسطين يا أرض الجدود إليك لابد أن نعود"
وفي خضم هذه المعركة حصلت معجزة في الحافلة، فقد استيقظ الجريح وائل الذي كان شبه ميت لينهض و يحمل سلاحه ويبدأ بإطلاق النار.
قاومت مجموعة دلال حتى الرمق الأخير، ولم يستطيعوا إكمال الطريق نحو تل أبيب. وانتقلت المعركة إلى الشارع، ونزل أبطال المجموعة من الحافلة، وصارت تنادي قبيل استشهادها على "أبو صلاح" وتقول له "خذ سلاحي وأكمل الاشتباك".
كان آخر شهيد التحق بالرفيق الأعلى هو البطل أبو الرمز "الوحش" الذي أوهم العدو أنه سلّم نفسه كي يقترب من الجنود الصهاينة، ويشتبك معهم ويرحل شهيدا.
لم يتبق من المجموعة سوى اثنين: "أبو صلاح" و"حسين فياض"، فتم أسرهم بعد أن أصيبوا بإصابات مختلفة، وتم الحكم عليهم بـ 25 مؤبد رغم عدم اعترافهم بشرعية محكمة الاحتلال. وتم الإفراج عنهم في صفقة تبادل مع الإسرائيليين عام 1985.
حضر لمكان العملية مباشرة إيهود باراك، ووقف عند جثة دلال ليتأكد أنها فتاة من خلال تمزيق ثيابها، وبدأ يشدها من شعرها ويركلها بقدمه ويمثل بجثتها أمام الإعلام.
وقد أوضحت رشيدة المغربي للميادين نت أن خيار القائد الشهيد "أبو جهاد" بأن تكون قائد عملية "الشهيد كمال عدوان" امرأة، جاء كرد فعلٍ على إيهود باراك الذي نفّذ عملية اغتيال الشهيد كمال عدوان بثياب امرأة.
سقط في هذه العملية من الإسرائيليين 36 قتيلاً باعترافهم الرسمي, لكن رشيدة المغربي تؤكد أن الصهاينة سقط لهم في هذه العملية أكثر من 100 قتيل. وتتساءل "لماذا يوجد على طريق تل أبيب الرئيسي لوحة كبيرة مكتوبة عليها عدد من الأسماء يتعدى أكثر من 100 اسم".
تتذكر رشيدة بعد استشهاد دلال كيف زار منزلهم في بيروت الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات و"أبو جهاد" للتهنئة. ولا تنسى إكليل الورد الذي قدمه أبو جهاد لوالدتي وقد كتب عليه "هكذا تزّف بنات فلسطين".
ولأن ذكرى دلال في 11 اَذار/ مارس قفد دعا رفاق دلال المغربي للتجمّع اليوم الأثنين الساعة الثانية ظهراً في دوار "أم الشرايط" في رام الله لإعادة وضع مجسم دلال المغربي بعدما كسره الصهاينة عدة مرات.