التحديات التركية .. مرحلة ما بعد الحنان
تركت الأعوام السابقة ندوباً على السياسة الخارجية التركية. تذبذبت مواقفها لكن علاقاتها بشكل عام شهدت تحوّلاً مع روسيا وتقاطعاً مع إيران من دون التوافق التام بشأن سوريا. بالمقابل طبعت التوتّرات علاقتها مع الغرب وتحديداً مع أميركا في 2017. إلامَ سيفضي ذلك؟ وما هي أبرز التحديات التي ستواجهها هذا العام؟ الإجابات على ذلك مُقتبسة من مقابلة مع سينان أولغن، الباحث الزائر في مركز كارنيغي أوروبا في بروكسل. جزء من أبحاثه يتركّز على السياسة الخارجية التركية والعلاقات العابرة للأطلسي.
عندما ننظر إلى ما تواجهه تركيا اليوم نستطيع أن نحدّد ثلاثة تحديّات أساسية سيكون عليها التعامل معها في العام الجديد:
التحدّي الأول: هو مسألة الكرد ودورهم في عملية التسوية النهائية ومستقبل سوريا. هناك فرع من حزب العمال الكردستاني في سوريا، وهذا الأمر سيؤثّر على صنّاع القرار في أنقرة حيال البلد الجار. بالتالي سيكون هناك جهد لاحتواء الكرد. كان ذلك أحد الدوافع الرئيسية للحملة العسكرية التركية في شمال سوريا. بعدما أصبحت ملجأ لأكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، سوف تحاول تركيا العمل طويلاً مع روسيا وإيران من أجل التوصّل إلى تسوية سياسية في سوريا.
التحدّي الثاني: هناك عدد من المشاكل التي لم تحل بعد في إطار علاقة تركيا مع الغرب، وبشكل أساسي مع الولايات المتحدة. خلق ذلك جواً من تآكل الثقة بشكل كبير. لاحظنا ذلك جيداً، في استطلاعات الرأي التي نجريها لمعرفة الرأي العام التركي. وصل هذا التآكل إلى درجة لم نشهدها سابقاً. يشكّل ذلك تعقيداً في أية جهود للشراكة مع أميركا، في ظل عدد من التحديات الأمنية. سيشكل هذا التحدّي قضية رئيسية بالنسبة لتركيا.
التحدّي الثالث: يتعلّق بالمسألة الإقليمية، خصوصاً رغبة تركيا في الحد من تأثيرات الإقليم عليها. نتحدث هنا بشكل أساسي عن سوريا وإلى حد ما عن العراق، وربما في سيناريو افتراضي عن إيران.
تدنّي سقف التوقّعات في سوريا
تغيّر الحد الأدنى المرتبط بسقف التوقّعات التركية حيال سوريا. عندما ننظر إلى السياسة التركية عام 2012، نلاحظ أنها كانت متأثّرة بشدة بتغيير النظام. في نهاية المطاف أدركت تركيا أنه بسبب نقص الدعم من قبل الحلفاء التقليديين في الغرب، كان عليها أن تقبل بحتميّة بقاء نظام الأسد. كان ذلك الشرط المُسبق لطريق أستانة بالشراكة مع روسيا وإيران، الدولتين اللتين دعمتا نظام الأسد منذ البداية.
بالتالي، تركيا اليوم في مكان مختلف. لقد تغيّرت الأهداف. هي تسعى اليوم إلى حل سياسي في سوريا وفي حساباتها مسألة اللاجئين على أراضيها وتقييد نفوذ وحدات حماية الشعب الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني. هي تدرك أنه من أجل تحقيق ذلك ينبغي إعادة الاستقرار إلى سوريا، الأمر الذي يتطلب أن توسّع الحكومة السورية سلطتها على كامل أراضيها.
بين إيران والخليج وإسرائيل
تركيا وإيران قوّتان إقليميتان. العلاقة بينهما تاريخية وديناميكية. حكمها تقاطع في المصالح حيناً وفي أحيان أخرى تنافر. لذا تراوحت هذه العلاقة بين التنافس والتعاون، لكنها تطوّرت مع الوقت كما هي الحال اليوم.
رأينا ذلك في سوريا على سبيل المثال. لفترة طويلة استطاعت الدولتان التوصّل إلى معادلة واقعية لإدارة العلاقات بينهما. اتّسمت هذه العلاقة بالتميّز غالباً على الرغم من الاختلافات في الرؤى تجاه المنطقة.
في سوريا تعمل الدولتان مع روسيا لكن هناك اختلافات حول الشكل النهائي للتسوية.
على الجانب الآخر يعتبر البعض أن العلاقة بين تركيا ودول الخليج اتّسمت بالبرودة خلال عامي 2016 و2017. السؤال كيف ستنحو الأمور مع السعودية والإمارات هذا العام؟
أرى أن ذلك يعتمد على سياسة دول الخليج مع قطر، خصوصاً وأن تركيا تدعم الأخيرة. قامت تركيا ببناء قاعدة عسكرية في قطر في أشد أوقات الصراع الخليجي. إذا تم حل المسألة، فإن ذلك سيساعد على إعادة بناء علاقات أقوى.
العامل الذي أدّى إلى تقويض هذه العلاقة سببه الأساسي دعم أنقرة للأخوان المسلمين إبان "الربيع العربي".
بخصوص إسرائيل، يُنظر إلى العلاقة معها على أنها مراوغة. يتراءى للبعض كأنها تعتمد على الوضع في المنطقة. تاريخياً، كانت تركيا من أوائل البلدان التي اعترفت بإسرائيل، وكان هناك تعاون بالخفاء. غير أن هذه العلاقة واجهت أزمة عندما أصبحت تركيا أكثر انتقاداً لتل أبيب، خصوصاً بعد حادثة سفينة مرمرة.
في نهاية المطاف تمكّنت تركيا وإسرائيل من معالجة الاختلافات التي نجمت عن حادثة مرمرة، لكن العلاقة لم تعد كما كانت في السابق.
نهاية العام الماضي رأينا الرئيس التركي رجب طيّب ردوغان ينتقد إسرائيل لاسيما خلال اجتماع قمّة منظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس في اسطنبول.
سيكون هناك دائماً نوع من توخّي الحذر في العلاقة بين الطرفين. أعتقد أن هذه العلاقة لا تزال ضعيفة بسبب سياسات نتنياهو.
شكل المنطقة كما ترغب أنقرة
تولي تركيا أهمية كبيرة لسلامة أراضي العراق. لقد رأينا فشل محاولة استقلال الكرد في العراق، الأمر الذي أدّى إلى نشوء ديناميكية أخرى داخل العراق بين حكومة كردستان وحكومة بغداد.
من جهة أخرى، نتج من التجاذب بين إيران والمملكة العربية السعودية خلال العام الماضي ارتفاعاً كبيراً بمستوى الطائفية. تركيا ليست جزءاً من هذا الاستقطاب في المنطقة، وهي تعتقد أن هذا النوع من النبض الطائفي لن يؤدّي إلى ما ترغب برؤيته على صعيد شكل المنطقة في المستقبل. لذا يتعلّق التحدّي بالنسبة لها بتهدئة إيران والسعودية إلى أقصى حد ممكن، من أجل عدم شحن المنطقة مجدّداً بهذا النوع من التوتّرات.
في إطار الحديث عن إيران لا ترغب أنقرة بانهيار الاتفاق النووي، إذ ستترتّب على ذلك تداعيات أمنية وإمكان نشوب صراع آخر في المنطقة.
موقف أنقرة قبل التوصّل إلى الاتفاق النووي كان يشدّد على ضرورة استبعاد التدخّل العسكري، والانحياز إلى الحل الدبلوماسي. بالتالي كانت تركيا واحدة من الدول التي رحّبت بالاتفاق، على عكس السعودية وإسرائيل.