هل هناك صفقة أميركية روسية في سوريا؟

هل هناك صفقة أميركية روسية في سوريا أم أن واشنطن تتخلّى عن زمام المبادرة لروسيا كما يبدو في الظاهر؟ لماذا إذاً الوجود العسكري الأميركي وما الهدف منه؟ ألا تخشى القوات الأميركية من أن تتحوّل قواعدها إلى عبء عليها إذا ما اتخذ القرار باستهدافها؟ وهل من أدوات ضغط أخرى بإمكان البيت الأبيض استخدامها متى حان موعد التسوية النهائية؟ الإجابات في هذا المقال تستند إلى قراءة الدكتور يزيد صايغ وأرائه وتأتي ضمن ملف "2018.. المخاض العسير". صايغ هو باحث أول في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، ويتركّز عمله على الأزمة السورية وغيرها من الملفات.

لأسباب عدّة داخلية وبراغماتية يعلم أردوغان أن الوضع لن يتغيّر في سوريا (أ ف ب)

عاجلاً أم آجلاً سيكون هناك تفاهم ما بين الكرد وبين سائر القوى السياسية في سوريا. مشكة الكرد أن المعارضة والموالاة متفقتان على شيء واحد: عدم السماح بإعطائهم أي نوع من الاستقلال السياسي.

يبقى السؤال الصعب هو كيفية الوصول إلى حل وسط يحقّق الحد الأدنى الذي يطالبون به والحد الأقصى الذي يقبل به الآخرون. بالنسبة للنظام وحتى المعارضة لا يتجاوز هذا الحد بعض الصلاحيات الإدارية، بينما يطالب الكرد بصلاحيات سياسية.

عندما يتم إيجاد حلول ترضي الطرفين يدخل هنا العامل التركي كطرف ثالث في هذه المعادلة المعقّدة. ستبقى القوات التركية متمركزة داخل الشمال السوري عند حدود منطقة عفرين وفي منطقة جرابلس. خروجها مؤجّل إلى ما بعد الاتفاق بين النظام والكرد، وحتى ترى أنقرة نوع الاتفاق الذي سيتوصّل إليه الطرفان. لسان حال تركيا: لن نخرج من سوريا ولن نفكّ يدنا عن الفصائل المسلحة التي ندعمها إلى أن تتّضح طبيعة الاتفاق، إذا رضينا عنه نخرج.

من هذا المنطلق لا أستغرب أن يحصل تقارب في مرحلة معينة بين أنقرة ودمشق رغم كل المواقف الخطابية لأردوغان.

لأسباب عدّة داخلية وبراغماتية يعلم أردوغان أن الوضع لن يتغيّر في سوريا وأن الهدف التركي الوحيد بات يتمحور حول تحجيم الاستقلال الكردي داخل سوريا.

هل هناك صفقة أميركية روسية؟

فعلياً أميركا تتخلّى عن زمام المبادرة لروسيا

من المستبعد أن يكون هناك اتفاق ضمني روسي أميركي بشأن سوريا. هناك تقاطعات على المستوى السياسي أو الميداني لكن لا توجد صفقة مُسبقة على أيّ شيء.

طبعاً هناك محاولة لتحجيم الاختلاف وبحث عن حدود الاتفاق. الولايات المتحدة ليست معنية بشكل كبير بحسم الوضع السوري أو بحل حقيقي ومُرضي ومُستقر. طالما أن الأميركيين غير مستثمرين في ذلك، وطالما هناك هامش كبير من المناورة لروسيا وإيران والحكومة السورية أظن أن أميركا تُخلي الساحة إلى حد كبير، رغم كل المؤشّرات التي يتمسّك بها البعض.

فعلياً أميركا تتخلّى عن زمام المبادرة لروسيا، والأخيرة باعتقادي تريد حلاً سياسياً فعلياً لأنها مقتنعة أنه بخلاف ذلك سوف تبقى سوريا غير مستقرّة وسيبقى النظام كالمريض بحاجة للحقنات المستمرة من الدعم العسكري والمالي والاقتصادي، وهذا ما ترى روسيا أنها في غنى عنه، كذلك إيران.

أدوات الضغط الأميركية

تحاول الولايات المتحدة استخدام ما لديها من موارد في سوريا للضغط.

تحاول الولايات المتحدة استخدام ما لديها من موارد عسكرية وغير عسكرية في سوريا للضغط.

حتى لو أخرجت قواتها العسكرية سيبقى لديها أدوات ضغط أخرى في حال بقيت مهتمة بالموضوع السوري دبلوماسياً وسياسياً. كيف؟

كي تعيق فوز النظام يكفي أن تثبت مع أوروبا عند موقف عدم القبول ببشّار الأسد رئيساً. في هذه الحال سيكون من الصعب على سوريا أن تعود إلى وضع طبيعي، لأن الأسواق الخارجية ومصادر الرساميل والاستثمارات ستبقى شبه مغلقة. هذا إضافة إلى العقوبات المالية التي تستهدف بعض أركان النظام. البحث عن مصارف وعمليات نقل المال ستصبح مسألة صعبة.

مشكلة سوريا أنه حتى لو انتصر طرف من الأطراف أو ادّعى أنه انتصر، سيكون المنتصر شبه مهزوم لأنه سيقود بلداً مهشماً اقتصادياً ليس لديه أسواق.

الوجود الأميركي.. ضغط وعبئ

هناك فكرة متداولة في بعض الأوساط داخل دوائر الحُكم في أميركا مفادها أنه طالما أن الولايات المتحدة دخلت إلى سوريا لغرض مكافحة تنظيم داعش، عليها أن تستغل ما لديها من موارد كي تضغط على دمشق وعلى موسكو، من أجل التوصّل إلى حل سياسي معقول يناسبها.

علينا ألا ننسى أن هناك فراغاً في السياسة الأميركية تجاه سوريا وآراء متعدّدة. تبعاً لذلك فإن الوجود الميداني الأميركي في سوريا لا يهدف بالضرورة إلى انتزاع عملية سياسية دبلوماسية ذات مصداقية لحل النزاع. قد يرتبط هذا الأمر بنظر البعض باحتواء إيران استراتيجياً، ما يتطلّب وجوداً عسكرياً أميركياً في العراق وسوريا.

هذا ما تنادي به أصوات داخل البنتاغون وخارجه. لكن أليس من الوارد أن تتحوّل القواعد العسكرية الأميركية إلى عبء عليها إذا أصرّت على بقائها في ظلّ إمكانية استهدافها من قوى محور المقاومة؟

هذا الاحتمال وارد وممكن، وأظن أن الرأي القائل في البنتاغون أنه علينا أن نتصدّى لإيران ومشروع الممر البري عبر سوريا تقابله آراء معارضة، وبالتالي بنظري ليس الرأي الغالِب.

في قناعتي، لا يوجد اتفاق على رأي محدّد داخل الولايات المتحدة. البيت الأبيض وصانعو السياسة الخارجية ليست لديهم استراتيجية واضحة تجاه سوريا، أما البنتاغون فلديه أهداف عملاتية ميدانية. ما معنى ذلك؟ مثلاً وزارة الدفاع الأميركية تقول إن ترامب طلب منها مقاتلة داعش، وهذا يتطلّب خطوات عملية مثل المناورات والإمدادات والذخائر والتحالفات الميدانية. هذه طبعاً لها آثار سياسية، ولكن من يقرأ من وراء هذه الآثار نيّة سياسية أو هدفاً استراتيجياً أظن أنه يخطئ. هذه آثار وعواقب سياسية لعسكريين يتخذون قرارات ميدانية عسكرية لها صلة فقط بحسابات ميدانية.

غاز سوريا.. ورقة مستورة؟

تطوير حقول الغاز في البحر مسألة صعبة لها أبعاد قانونية ودولية وفنية واقتصادية ضخمة

في ظل أدوات الضغط المالية والاقتصادية التي تحتفظ بها أميركا والدول الغربية بعد توقف المعارك، ألا تشكل احتياطات النفط والغاز والحقول غير المكتشفة قبالة السواحل السورية حلاً لهذه المعضلة؟

من المبكر جداً أن نتحدّث عن أية نشاطات لها علاقة بالنفط أو بالغاز تحديداً في العام 2018. هنا أشير بشكل خاص إلى الغاز في البحر المتوسّط.

سمعنا أن هذا الأمر استغرق 5 سنوات من المفاوضات الداخلية في لبنان. حقول الغاز السورية لا تزال خلف لبنان بـ 10 سنوات. هذه الحقول غير مستكشفة بعد، غير معروفة الحدود ولا الحجم، ولا نزال في بداية الطريق.

إذاً في 2018 لن يدخل أحد هذه الساحة، لكن من المؤكّد أن شركات كثيرة ومن بينها شركات روسية تعمل حساباتها منذ زمن حول هذا الأمر الذي تدور حوله مداولات ومشاورات سرية. ما نعرفه أن شركات النفط والغاز التي كانت تعمل في سوريا قبل 2011، تعمد اليوم إلى توظيف مهندسين وفنيين. لدى هؤلاء توقّعات ببدء عملية إعادة الإعمار حتى من دون وجود لاتفاق سياسي. فعلياً ما أن يحكم النظام قبضته على حقول الغاز البرية فسوف يعطي التراخيص.

هناك حقول مستكشفة سابقاً في قلب سوريا سيعاد ترميمها. إعادتها إلى الإنتاج تتطلب شركات خارجية والأخيرة بدأت تستقطب موظفين. متى سمح الظرف الأمني باستئناف العمل في أي حقل سنرى هذه الشركات دخلت.

أما تطوير حقول الغاز في البحر فهي مسألة صعبة لها أبعاد قانونية ودولية وفنية واقتصادية ضخمة جداً. اليوم سوريا ليس لديها الرساميل التي تستثمرها. أظن أنه في ظل العقوبات فإن الوصول إلى الغاز في البحر يعد مسألة شائكة. بالتالي لن يتم ذلك إلا بعد الوصول إلى حد أدنى من الانتقال السياسي أو على الأقل انتهاء الحرب بشكل لا يسمح بأي تشكيك.