ترامب يقتل ميتاً
يثير قرار ترامب حول إعلان القدس عاصمة لإسرائيل كجزء مما بات يُعرف بصفقة القرن مجموعة من الأسئلة، تبدأ بانعكاسات هذا القرار ومدى حظوظ هذه الصفقة وخلفيّاتها. على ماذا يعوّل ترامب؟ وما علاقة حساباته المُتعلّقة بالسياسة الداخلية بهذا القرار؟ عن هذه الأسئلة يجيب مروان المعشر الذي شغل منصبي وزير الخارجية ثم نائب رئيس مجلس الوزراء في الأردن ما بين 2002 و2005. المعشر يتولّى حالياً منصب نائب الرئيس للدراسات في مركز كارنيغي ويشرف على أبحاث المؤسّسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط، والمقال يستند إلى قراءته وهو جزء من ملف "2018.. المخاض العسير".
لم تتحدّد بعد على وجه الدقّة التفاصيل الكاملة لما بات يُعرف بصفقة القرن. لكن بعد إعلان الرئيس الأميركي عن أن القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها بات السؤال مبرّراً حول مصير المنطقة على ضوء المشاريع الأميركية الجديدة.
بعض المسؤولين في العالم العربي عوّل كثيراً على ترامب. قال إنه سيكون أفضل من سلفه باراك أوباما. اليوم تم فضح هذا الادّعاء بصورة واضحة. سياسة الرئيس الجديد غير مؤاتية بأي شكل من الأشكال للعالم العربي. هو عرضة لليمين الأميركي المتطرّف إضافة إلى إسرائيل. نحن نشهد تباعاً ملامح سياسة لا تبشّر بأيّ خير بالنسبة للعالم أجمع.
صفقة القرن لم يتم الإعلان عنها بعد. الإدارة الأميركية تقول إنها لا تزال في طور الإعداد. لكن إذا عرفنا خلفيّة الرئيس ترامب، وبالطبع قراره حول القدس، لا يمكن أن تكون هذه الصفقة في صالح العرب. ما جرى من تسريبات حتى الآن، مع التشديد على أنها تسريبات وليست معلومات أكيدة، تشير إلى أن ترامب يريد أن يعرض على الفلسطينيين حكماً ذاتياً من دون القدس الشرقية، ومن دون غور الأردن، ومن دون التنازل عن المستوطنات الإسرائيلية، وبالطبع من دون حق العودة ومن دون سيادة كاملة.
إنها بالواقع ليست بصفقة. هي أقل بكثير مما عُرِض على الفلسطينيين في السابق. إذا ما صحّت هذه المعلومات فإن ترامب يقوم بإعادة قتل العملية السلمية الميتة في الأصل.
ليس هناك من فلسطيني أو عربي يستطيع أن يقبل بتسوية لا تشمل القدس الشرقية ولا تشمل السيادة الفلسطينية على المقدّسات.
على ماذا يعوّل ترامب؟
هذا الاستنتاج يثير السؤال حول على ماذا يعوّل ترامب ما دامت الصفقة غير واقعية ولا يمكن القبول بها؟ صحيح أن العالم العربي في أضعف أحواله، وصحيح أن هناك تعاوناً أميركياً مع بعض الدول العربية لاسيما في ما يتعلق بالموضوع الإيراني، ولكن أن يتم إسقاط هذا التعاون على هذه "الصفقة"، وأن يعوّل على ضعف العالم العربي لتمريرها، أعتقد أنه يظهر مدى جهل الإدارة الأميركية والرئيس ترامب شخصياً بمجريات الحال في العالم العربي.
على الرغم من كل ضعف العالم العربي لا يمكن لزعيم فلسطيني أن يقبل بتسوية لا تشمل القدس الشرقية، وبالتالي إذا صحّت هذه المعلومات مرة أخرى، فلن تمرّ صفقة القرن وهناك خيارات بديلة لذلك، ليس أولها أن يذهب الرئيس محمود عباس ويقول للإسرائيليين: هذه مفاتيح الضفة الغربية، قوموا بإدارتها ما دام ليس هناك دولة فلسطينية. أما أن يقبل الفلسطينيون أو العرب بالتسوية على ضعفهم فلا أعتقد بذلك.
ما هي خلفيّات قرار ترامب؟ وهل صحيح ما قيل عن أن القرار يتعلّق بحسابات داخلية وأنه أراد أن يمرّر إنجازاً معيناً؟
هذا ما أراه، لأنه في الواقع ليس هناك أية فائدة من مثل هذا الإعلان بالنسبة للعملية السلمية. إن كان ترامب يتحدّث عن صفقة فهذا الإعلان لا يخدمها. ترامب بحاجة لليمين الأميركي المتطرّف. الأخير يشكّل قاعدة له وقاعدة لنائبه الذي هو من اليمين المتطرّف والمُتصهين إلى حد كبير جداً. يواجه ترامب حالياً حملة في الكونغرس. هو بحاجة إلى تثبيت قاعدته الانتخابية التي يشكّل فيها اليمين المتطرّف جزءاً كبيراً جداً.
جهل خدم القضية
أليس هناك مغامرة في ذلك من زاوية مصلحة هذا اليمين كونه يُعيد إحياء قضية فلسطين؟
ترامب أعاد من دون شك موضوع الصراع إلى الواجهة. شهدنا في السنوات الست الماضية تراجعاً بالاهتمام في هذه القضية بسبب الأحداث التي عصفت بالعالم العربي. ترامب نجح في إعادة هذا الموضوع إلى الواجهة ليس فقط عربياً وفلسطينياً وإنما دولياً أيضاً. هذه مرة أخرى يثبت فيها مدى جهل هذه الإدارة بتفاصيل العملية السلمية، وتفاصيل النزاع العربي الإسرائيلي، وبما يشعر فيه المواطن العربي والفلسطيني. هناك جهل فاضح في كل هذه الأمور.
أما في ما يتعلّق بالانعكاسات المتوقّعة في المستقبل على هذا التوجّه، فينبغي أن نعرف أن فلسطينية القدس لا يتم إقرارها بقرار من الولايات المتحدة. هناك قانون دولي وكل القوانين الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية تعتبر القدس أرضاً محتلة، وتعتبر أنها جزء لا يتجزّأ من الاحتلال الذي يجب أن يزول. لذلك لا أعتقد أن لهذا القرار أية قيمة قانونية، بمعزل عن خطورته بما ينطوي عليه من انحياز فاضح من قِبَل الإدارة الأميركية.
أليس هناك احتمال من أن تتمكّن الإدارة الأميركية من الضغط على بعض الدول العربية كالأردن ومصر والسعودية بهدف الرضوخ لهذه الصفقة؟
لا أعتقد ذلك على الإطلاق. في الأردن مثلاً كانت هناك تظاهرات كبيرة جداً معارضة للقرار. أكثر من ذلك الحكومة والملك هما من طلب إلى الناس النزول إلى الشارع. موضوع القدس بالنسبة للشعب الأردني لا يمكن العَبَث به وأعتقد أنه كذلك بالنسبة لكل مواطن عربي.