ماء الوجود: حيث وجه الله وحسد إسرائيل (2)
والماء طهرٌ. فيه يُخلّص المذنب من إثمه. وفيه يرى المؤمن وجه الله، أو يتوضأ لملاقاته. بالماء تهدأ نفس الميت، ويطهر الجسد الراحل عن الوجود. وبه يُستقبل الوافد إلى الحياة. عليه مشى المسيح، ومشت الناس خلف الماء أينما ظهر من الأرض، فإذا وُجد الماء في صحراء اخضرّت، وإذا بان في بادية صارت رابية، وإن خرج من صخرة في أعلى جبلٍ، تبعتها قبيلة لتبني عشّاً لها على كتف الصخرة.
المياه في المسيحية والإسلام
ويدعو القرآن الكريم إلى عدم خزن الماء، وبالتالي تتوافق معه النظرة إلى المياه كثروةٍ إنسانية لا يجب التفريط بها أو تسليعها، والتي أشرنا إليها في الجزء الأول من هذه المادة تحت عنوان: ماء الوجود.. حاجةٌ وسلاح (1) فيقول الله تعالى في الآية 14 من سورة الحجر: "وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين". وهنا يشير تعالى إلى الهدف من إعطاء نعمة المياه من خلال التعبير الموجب "فأسقيناكموه" ثم يؤكد المعنى من خلال التعبير الناهي "ما أنتم له بخازنين".
أما في الإنجيل المقدّس، فقد ورد ذكر تجمعات المياه ووسائل نقلها وأدوات استخدامها بكثرةٍ مثل: الدلو، الجرن، نبع، الكوز، البحر، اليم، النهر، الغدير، الغثاء، الساقية، النوء، القناة، البركة، الحمام، البحيرة... وغيرها الكثير. ويقول الرب في الإنجيل: "لأنه كما شربتم على جبل قدسي يشرب جميع الأمم. دائماً يشربون ويجرعون ويكونون كأنهم لم يكونوا" (عوبديا 16). ويشير إلى السيول التي تجري في الأرض في سؤاله إلى أيوب: "من فرع قنوات للهطل، وطريقاً للصواعق ليمطر على أرض حيث لا إنسان؟" (أي 26:38،25). ويشير الكتاب المقدس أيضاً إلى التطهّر بالماء عند ملامسة النجاسة أو الأشياء المحرّمة المكرّسة للرب. ومن هذا المنطلق يعمّد يوحنا المعمدان والرسل الآخرون بالغطس (انظر مت 3: 16، أ ع 8: 38، رو 6: 3).
ومن مضمون ما ورد في الإنجيل والقرآن يستنتج معنى إرادة الله من الماء. فهو يريد أن يسقى الإنسان من الماء، ثم يطعمه من عصائره وثماره.
أما عصر ما بعد الحداثة، فقد أراد للماء أن يكون سلعةً تجاريةً تدخل السوق كغيرها من السلع، وبالتالي تنخرط الدول في المنافسة حولها، ما يغيّر وجهة إرادة الرب لها.
ومن منطلق أنهم شعب الله المختار، يقوم الإسرائيليون منذ نشأة دولتهم على أرض فلسطين بمحاولة احتكار مياه المنطقة لصالحهم وحدهم، فأينما حلّ الماء توجهت عيونهم، ولم يكتفوا بفلسطين الثريّة بالمياه، بل مدّوا أبصارهم إلى وادي النيل وحوض الأردن وجنوب لبنان وسوريا.
المياه في الشرق الأوسط
ولكن البنية المؤسساتية الضعيفة لمعظم دول الشرق الأوسط ساهمت في تثبيت عادات سيئة في استخدام المياه. فكان الهدر سمةً عامة في العرف الاجتماعي عند مجتمعات المنطقة. ولكن الهدر ليس المسرب الأكثر إضاعة لهذه الثروة، بل إن تحويلها إلى صناعة استهلاكية يؤدي إلى نفادها بوتيرة سريعة.
تنبّه الأمم المتحدة إلى أن الدول العربية تستهلك أكثر من 70% من مياهها في الزراعة، ولكنها بالرغم من ذلك، تستورد أكثر من نصف حاجاتها الغذائية. أما البنك الدولي فيقول إن 85 بالمائة من المياه المتوفرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا تستعمل في الزراعة، مع أن 80 بالمائة من مياه الأمطار يتم استغلالها. إذن تصدّر هذه الدول مياهاً على صورة منتوجات زراعية، فتكسب عملاتٍ صعبة، ثم تعود فتشتري بهذه العملات منتجات زراعية أخرى لسد الحاجات الغذائية لشعوبها. كما أنها من خلال تصديرها لمياهها توغل في استنفاد ثروتها المائية وتلوث مصادرها، ثم تستخدم عائداتها من العملات الصعبة في مشروعات لتنظيف هذا التلوث. وفي ذلك مفارقة عجيبة، إذ يكفي أن تستفيد من مياهها لمنتوجها الزراعي المحلي، ثم تستهلك منه، فتحد من التلوث ومن الحاجة إلى المنتوج الأجنبي. ولكن دون ذلك دائماً شروط دولية، وقروض قد تتوقف إن بادرت إلى مثل تلك الخطوات.
وتشير الأمم المتحدة أيضاً إلى أن عدة مناطق في العالم تشهد صراعاتٍ حادة على مصادر المياه خصوصاً في الشرق الأوسط ودول حوض النيل الافريقي، وأن نحو مليارٍ ومائتي مليون شخص يعيشون في مناطق لا تصل إليها المياه النظيفة.
وفي المنطقة العربية تدرج الخزانات المنزلية التي تملأ بمياه مشتراة، تكون غالباً غير صالحةٍ للشرب، حيث تمديدات المياه التي تقدمها الإدارات الرسمية سيئة على الأغلب، ولا تغطي سوى جزء يسير جداً من حاجة الناس. ويعتمد الناس في المنطقة على حفر الآبار الارتوازية على عمقٍ طفيف وهي سرعان ما تنضب. في حين يواجه ملايين الأطفال صعوبةً في الحصول على الماء ما يفاقم الوضع الصحي لهؤلاء سوءاً، ويؤدي إلى تعرضهم لأمراضٍ خطرة، خصوصاً مع تصاعد أعمال العنف في كثيرٍ من دول المنطقة، الأمر الذي يعيق حركة إنشاء البنى التحتية، ويدمر تلك القائمة أصلاً.
ويقول البنك الدولي في تقرير له إن نصيب الفرد من المياه في الشرق الأوسط سيتقلص إلى نصف ما هو عليه اليوم. ويضيف التقرير انه "في معظم بلدان المنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مرت سياسات المياه بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: تطورت على مر آلاف السنين، فالمجتمعات في هذه المنطقة تكيّقت وتأقلمت مع تقلبات وشح المياه. وقامت بتطوير مؤسسات على جانب من الإتقان وأنشأت هيكليات وبنيات معقدة ساعدت في خلق بعض أقدم حضارات العالم وأكثرها براعةً ودقّة.
المرحلة الثانية: ظهرت في القرن العشرين مع التزايد السكاني والنمو الاقتصادي وتركيز الحكومات على تأمين إمدادات المياه وتوسيع الخدمات، وتصدى القطاع العام لمهمة الاستثمار الضخم في المياه. وفي الواقع فإن في هذه المنطقة أكثر أنهار العالم سدوداً نسبةً إلى المياه العذبة المتوفرة.
المرحلة الثالثة: بدأت منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، حيث بدأ إدراك الناس والحكومات أن النهج القائم على تأمين إمدادات المياه أخذ يبلغ حدوده المائية والمالية. وأن من الضروري التحول باتجاه أساليب ومنهجيات إدارة شؤون المياه. وأخذوا بالتعبير ببطء باتجاه نهج جديديعنى بدورة المياه بكاملها وليس بأجزاء منفصلة منها.
وتشير كبيرة اختصاصيي إدارة الموارد الطبيعية بإدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك جوليا باكنال (والتي شاركت في وضع هذا التقرير) إلى أن بعض الحكومات تحاول التصدي لمشكلات المياه، وأن دولاً مثل الجزائر ومصر والمغرب تنفق ما يتراوح بين 20 إلى 30 في المائة من ميزانيتها على المياه. وتضيف باكنال "إن بلدان المنطقة سوف تضطر إلى استخدام المياه في الأشياء التي يمكنها تحقيق أكبر قدرٍ من الأموال وأعلى مستوى لخلق فرص العمل بدلاً من استخدامها في زراعة محاصيل مثل القمح التي تعتبر زراعته أكثر رخصاً وسهولةً في أماكن أخرى من العالم". وتضيف ان في وسع بلدان الشرق الأوسط أن تركز على زراعة محاصيل نقدية مثل العنب والطماطم والبطيخ والفراولة بسبب ارتفاع نسبة الأيام المشمسة، وأن ترفع مستويات تجارتها مع أوروبا. وبالتالي فإن إرشادات البنك الدولي تدعو هذه الدول إلى أن توغل أكثر في تصدير مياهها على شاكلة منتجات زراعية. ما يؤدي في حقيقة الأمر إلى أن يسهم الحل المفترض في تفاقم المشكلة الأصلية.
عين إسرائيل السامّة
غير أن الظروف التي تمر بها البلدان الثلاثة منذ عام 2011 (العراق قبل ذلك)، وخصوصاً مع سيطرة تنظيم داعش على مساحات كبيرة في سوريا والعراق، وتنفيذه أعمالاً إرهابية في تركيا، أصبح الخطر على المياه أكبر من أن يحتمل. فالتنظيم هدد بتفجير سد الموصل، وهو تهديد لو نُفّذ لأغرق مدناً عراقية كاملة، فقد تحولت السدود إلى أسلحة بيد التنظيم الذي سيطر على معظم حوض الفرات عام 2014، قبل أن ينسحب من الكثير منها تحت ضربات القوات العراقية بمساعدة التحالف الدولي، كما أشرنا في الجزء الأول من هذا الملف. من جهة ثانية يهدد حزب العمال الكردستاني السدود والمشاريع المائية في تركيا، وقد أصدر بياناً جاء فيه "إن مشاريع المياه تهدد وجود الأكراد في تلك المناطق كسعرت وديار بكر وغيرها".
وتواصل تركيا نشاطها في بناء السدود في إطار مشروع "غاب" أكبر المشروعات من حيث المساحة في العالم. وهو يتضمن 22 سداً و19 محطة للطاقة الكهربائية ومشروعات أخرى فى قطاعات الزراعة والصناعة والمواصلات والري من مياه نهرى دجلة والفرات، متخطيةً المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق المياه لدول المصب ودول المرور ودولة المنبع خاصة العراق وسوريا. والمشروع يشمل ثماني محافظات ويتوقع أن تصل مساحة الزراعة المروية منه إلى 8.5 مليون هكتار، وأن يوفر عشرات ملايين فرص العمل الجديدة، بمجموع سنوات إنشائه وصولاً إلى اكتماله.
أما إسرائيل التي رصدت بسرعة أهمية هذا المشروع، فقد كانت إلى جانب الولايات المتحدة من أوائل الأطراف التي شاركت في تمويله، ووقعت على برتوكول تعليمي في منطقة المشروع مع تركيا، وكان من أهم بنوده التعاون وتبادل الآراء والأفكار وصولاً إلى الاستفادة الإسرائيلية منه. وقد سعت إسرائيل إلى شراء أراضٍ في منطقة المشروع منذ أواسط التسعينيات، فضلاً عن زياراتٍ رسمية عديدة لهذه المنطقة. ولعل الاستفادة الإسرائيلية تتخطى الحصول على المياه من هذا المشروع، أو على عقودٍ للشركات الإسرائيلية، إلى تحفيز تركيا على منع المياه عن سوريا والعراق، الأمر الذي يشكل مصلحةً لها في مواجهة الدولتين على المدى الطويل في إطار استراتيجيتها لاحتكار مياه المنطقة.
أما في حوض الأردن، فإن اليد الإسرائيلية أكثر وضوحاً، حيث يحذر خبراء مائيون من استغلال دولة الاحتلال لحوض نهر الأردن بعد قيامها بسرقة المياه الفلسطينية، وأنها تستولي على أكثر من 70 بالمائة من مصادر المياه في النهر. في حين انخفضت نسبة مياهه إلى ما دون 7 بالمائة مما كانت عليه في مطلع القرن الماضي.
أما نهر الليطاني في جنوب لبنان، فقد بات يشكل حلماً لإسرائيل التي ترى فيه مصدراً رئيساً للمياه. وبعيداً عن المبالغة في ما نشر مراراً حول قيامها بحفر نفقٍ بطول 17 كيلومتر في أيام احتلالها لجنوب لبنان، وذلك لسحب مياه النهر. فإن هناك وثائقاً إسرائيلية قديمة تؤكد حلم إسرائيل القديم بأن يكون الليطاني الحدود الشمالية لدولتهم. وهذا ما عبر عنه ديفيد بن غوريون في عام 1967 في رسالة الى الرئيس الفرنسي شارل ديغول: "أمنيتي في المستقبل أن يصبح الليطاني حدود اسرائيل الشمالية".
قد بقيت إسرائيل حتى العام 1967 تُعاني الحرمان من المصادر المائيّة اللازمة لتحقيق مشاريعها الإقتصاديّة والإستعماريّة، فجاء احتلال الأراضي العربيّة بعد هذه الحرب يُمهِّد لها سبيل الإستيلاء على مصادر مائيّة جديدة. وهذه المصادر مهمَّة عندما نعلم أنّ 67 في المئة من المياه التي تستهلكها إسرائيل تأتي من خارج حدودها للعام 1948.
وإلى جانب الليطاني يعتبر نهرا الحاصباني والوزاني من الروافد المهمة للمياه العذبة التي تطمع فيها إسرائيل، بالأول يتصل بنهر الأردن وفي حوضه خزان مائي للجولان وطبريا ومنطقة العرقوب اللبنانية، تدعمه روافد كثير في داخل فلسطين المحتلة. ويلتقي نهر الحاصباني بنهر الوزاني على بعد ثلاثة كيلومترات من الحدود اللبنانية-السورية.
وتتجاوز إسرائيل ما تاخذه من حق فلسطين كنسبةٍ من مياه النهرين، ويحصل لبنان على أقل من حقه في هذه المياه. ومجموع انسياب المياه الجوفية نحو إسرائيل هو حوالى 194,9 مليون م3 سنوياً، أما المجموع الإجمالي بين مياه سطحية ومياه جوفية منسابة فيبلغ 429 مليون م3 سنوياً.
ولكن مجلس الجنوب، وهو هيئة لبنانية رسمية، أقام مشروعاً مائياً مهماً لمياه الشفة على الحدود مع فلسطين المحتلة مباشرةً، حيث أمّن المياه الصالحة للشرب لأربعين قرية في المنطقة الجنوبية الممتدة من الوزاني إلى تل النحاس مروراً بكفركلا، ثم بنى نقطة تجميع كبيرة في بلدة الطيبة الحدودية.
إسرائيل في حوض النيل
وتشح موارد المياه العذبة في أفريقيا تشح عاماً بعد عام، بعد أن لوثت مياه المجاري والنفايات الصناعية فيكتوريا أكبر مصدر للمياه هناك. وتمتلك أفريقيا نحو 9% من الموارد المائية في العالم، ولكنها لا تستخدم سوى 3.8% منها، حيث أن هذه الموارد موزعة بشكلٍ سيء.
وتنشط إسرائيل في منطقة حوض النيل سعياً إلى إيجاد موطىء قدمٍ لها هناك، فتنسج علاقات متنامية مع دوله، الأمر الذي يهدد الأمن القومي المصري بصورةٍ جدية. فبعد أن ساهمت بانفصال جنوب السودان عن الخرطوم، تحاول تل أبيب تسميم العلاقات بين الدول العربية والدول الأفريقية في وسط أفريقيا.
لقد شكلت إتفاقية "عنتيبي" لإعادة تقاسم مياه النيل، والتي وقعتها قبل سنوات قليلة خمس دول هي أثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا، مشكلةً بالنسبة لمصر والسودان اللتان رفضتاها، واعتبرتاها غير لمزمة لهما. ولكن إثيوبيا أقامت سداً مائياً كبيراً على بحيرة "تانا" الواقعة على مجرى النيل، وهو سد قادر على سحب كمية من الماء توازي ما يستوعبه السد العالي. فيما قدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" عام 2012 حصة الفرد المصري السنوية من المياه بـ 719 متراً مكعبا،ً وهي أقل من حد الفقر المائي البالغ 1000 متر مكعب للفرد، ويتوقع أن يصل إلى 500 متر مكعب فقط عام 2020. ما يبرز حجم الأزمة التي تلوح في الأفق والتي تتعلق بمستقبل النشاطات الزراعية والصناعية لمصر، خصوصاً مع التوقعات المرتفعة الزيادة السكانية فيها للسنوات المقبلة.
أما بالنسبة للنشاط الإسرائيلي في دول حوض النيل، فإن الزيارات المتبادلة بين مسؤولين من إسرائيل وأوغندا وكينيا وباقي دول الحوض لا تتوقف، وقضية المياه دائمة الحضور في المباحثات التي تجريها إسرائيل مع هذه الدول على أرفع المستويات. وقد أعلنت إسرائيل في أواخر تموز-يوليو 2012 عن توقيع وزارة الطاقة والمياه الإسرائيلية مع وزارة الري والمياه بجنوب السودان إتفاقية تقضى بنقل الخبرات الإسرائيلية في مجال تحلية ونقل المياه وإقامة بنية تحتية للصرف والري وإقامة مشروعات أخرى لاستخراج الطاقة.
ولكن لا يجب المبالغة في قدرة إسرائيل على التأثير كثيراً في حوض النيل من ناحية تمويلها للمشروعات المائية. فإسرائيل غير قادرة على تمويل مشروعاتٍ كبرى هناك، والدفاع عن مثل تلك الخطوة. ولكن المريب في دورها هو قدم نشاطها من ناحية المساعدات التنموية التي قدمتها لدولٍ أفريقية والذي يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي من جهة، والغموض الذي يلف هذا الدور من جهةٍ ثانية.
وربما تكمن المشكلة المصرية تحديداً في سوء إدارة المياه، وليس في كمية المياه التي تحصل عليها. فهي دولة محاطة ببحرين كبيرين، ويمر فيها أكبر أنهار العالم، وفيها بحيرات جوفية كبيرة. وبجهودٍ مناسبة يمكن حل أزماتها المائية خصوصاً تلك المخصصة للاستخدام الزراعي أو الصناعي.
وخلال أيلول الحالي وقعت كل من مصر وأثيوبيا والسودان عقود الدراسات الفنيّة لسدّ النهضة الأثيوبي، بعد توقيع اتفاق إعلان المبادىء. وأهميّة هذه الدراسات أنها سوف تكشف الأضرار التي قد تقع على السودان ومصر بسبب السدّ، بالإضافة إلى قواعد الملء والتخزين وفقاً للمراحل التي يمر بها الفيضان في الهضبة الإثيوبية، وكذلك قواعد التفريغ للخزان والتي سترتبط في مجملها بالخزانات والسدود في مصر والسودان. الى جانب الأضرار البيئيّة. وبالرغم من إيجابية الخطوة الا أنّ توصل الأطراف الثلاثة الى توقيع هذه العقود لا يعني أنّ أزمة السدّ قد انتهت، بل الأهم هو الالتزام بنتائج الدراسات خلال 11 شهراً فقط.
هذه الوقائع تبرز الحاجة إلى تنفيذ مفهوم حقيقي للتنمية المستدامة، وهو ما سوف نبحثه في الجزء الثالث من هذا الملف، حيث نمرّ على المفهوم الذي تعتمده الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية للتنمية المستدامة بما يخص المياه، وعلاقته بالنهم إلى النمو الاقتصادي، والهوة القائمة بين المفهوم والواقع.