مسار يانون -عقربا: ثغرة في جدار الحصار
يواصل فريق "امشي.. تعرف على بلدك" مساراته في أرجاء فلسطين مستكشفاً الجديد، ومسلطاً الضوء على تاريخ، ووقائع البلد، وقراه وبلداته المهجرة. نشاط دائب لأكثر من فريق، وحركة تقلق العدو.
الزمن يسجّل دخوله "المربعانية الشتوية"، عبارة اعتادها قرويو المشرق العربي، ومنهم الفلسطينيون. ردهة من الزمن تمر بين أواخر كانون الأول /ديسمبر، وأواخر كانون الثاني/ يناير، من ضمن احتساب حالات الطقس في الإقليم.
في "المربعانية الشتوية"، اعتاد الناس على وفرة الأمطار، وكثرة الرياح، وانخفاض الحرارة. لكن هذا العام، خلافا للعادة، تأخر المطر الغزير.
الطقس مؤاتٍ، قلما أتيح في سنوات أخرى في هذا التاريخ من العام. لم يعد ناشطو مسار "امشي.. تعرف على بلدك" يحتملون المكوث في المنزل، بينما الشمس ساطعة، والجو رحيب، ومناطق جديدة في فلسطين ما تزال بكرا أمام الاكتشاف. اختاروا مسارا جديدا، يبدأ من "بيت يانون"، أولا، فعين الجهير، بلوغا لعقربا.
المسار
بدأ المسار قبل بزوغ الشمس، وبعد ساعة سفر نصل الطريق المؤدية الى بلدة عقربا، ثم الى "خربة يانون" التابعة لها.
لا بد وأنت تحت الاحتلال من التصادم معه. ما إن لمحنا الجندي الاسرائيلي من بعيد، حتى بدأ بالصراخ بلهجة عربية مكسرة: "وكف...وكف". كما كانت دوريتان إسرائيليتان تقفان على السهل المقابل لمسارنا، فنزل 4 منهم مسرعين باتجاهنا، وصوب الآخرون أسلحتهم علينا.
كان الجو رائعاً، سماء صافية، ودرجة حرارة مناسبة، وطيور مغردة فوق الاشجار، ونسائم هواء عليل تهب بين الفينة والأخرى.
وصل الجنود، وتحدث معهم عبد الفتاح دولة. بادر أحدهم: "شو بتعملو هون؟ روخوا ارجعوا .. هاي منطقة عسكرية مغلقة؟
وعبد الفتاح يرد: "نمشي في وطننا، أم أن المشي محرم علينا؟ قالها بنبرة غضب، متابعاً: "نحن ذاهبون الى "عين الدوّا" وتحدثنا مع صاحب المزرعة، وهو بالانتظار”.
يتابع الجندي: "بتروخوا على المزرعة، بس لانو نخن بنطخ هون، بلاش تموتوا من الرصاص؟
عبد الفتاح: "هذا مسار للمشي معلّم.. وواضح.. ونحن أحرار نمشي في بلادنا كما نشاء، وليس هناك قوانين تحرم المشي!
يانون
بلغنا "يانون" التي تعرف ب"خربة يانون"، حيث أوضاع معيشية صعبة، وحياة شبه بدائية، بيوتها من الطين القديم، ومدرسة مسقوفة بالصفيح (الزنك). خطوط الاتصال، والمواصلات مفقودة، ومستوطنات تلف جهاتها الأربع.
اعتداءات متكررة وترحيل قسري. هذا هو حال ساكني قرية يانون الواقعة 18كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة نابلس. الاحتلال يصر على استبعاد التنمية عنها بهدف استكمال تهجيرها النهائي، والقلة الباقية فيها تصر على البقاء، والتمسك بالأرض، مهما قست الظروف.
تتعرض "يانون" لاعتداءات متكررة من المستعمرين حيث تحيط بها 5 بؤر استعمارية تحاول خنقها، وطرد أهلها الصامدين، والذين يبلغ عددهم 36 نسمة فقط.
قام المستعمرون بمصادرة "عين يانون " وهي عين المياه الوحيدة المغذية للخربة، كما أن فيها أصغر مدرسة في العالم: مساحتها 130 مترا مربعاً، ومكونة من 3 صفوف، و7 طلاب فقط، ويمنع الاحتلال بناء أو توسيع المدرسة مهدداً بهدمها.
كما اتضح لنا أن سكان المنطقة يمنع عليهم الاحتلال بناء الجدران، أو وضع الأسيجة المحددة، والواقية لأراضيهم من هجمات الخنازير البرية التي يطلقها المستوطنون لتخريب الأراضي الزراعية، كما لإزعاج السكان الآمنين في بيوتهم.
نصل إلى بناءٍ قديم يستخدم مسجداً للقرية، يعلوه برج معدني صغير عوضاً عن المئذنة. والمسجد المكون من قسمين يتم الدخول اليه من درج دائري أقيم على أنقاض كنيسة بيزنطية قديمة، وارضيته مكسوة بفسيفساء تمت تغطيته بالسجاد.
كان سقف المسجد من العقد القديم المدبب، ولكنه تهدم، وتم ترميمه عام 2013 من قبل لجنة زكاة عقربا التي ألحقت "يانون" بها، وأضيفت أعمدة خرسانة في وسطه، وعقده بسقف من الاسمنت المسلح.
في القرية بيوت قديمة مهجورة لا يدخلها إلا الحمام، وبحاجة لترميم، وإعادة استخدام بطريقة صحيحة، ما يدفع إلى التساؤل لماذا لا تعطي الجهات المعنية هذه البيوت، والمقامات، الأهمية وتعمل على احيائها مرة أخرى؟
نصل الى مقام "النبي نون"، وهو أيضاً متهدم، وبحاجة إلى ترميم. دخلنا إلى غرفة المقام الواقع على قمة جبل شرق "يانون"، وفيها قبر النبي "نون" ، وبئر عميقة جداً "لو رميت فيها حجرا لن تسمع له صوتا".
يحتوي المقام على بقايا محراب، وبقايا مسجد، وبالقرب منه مازال هناك شجرتان إحداهما شجرة النبي "نون" الشامخة، والشاهدة على قدسية الموقع.
نتابع نزولاً عن الجبل الصخري حيث مروج خضراء مزروعة بأشجار الزيتون، ومغطى بالعشب الأخضر، وبغد مسير صعود وهبوط بين الوديان والمرتفعات، وصلنا بركة يصب فيها نبع ضعيف، ومياهها عذبة.
وتابعنا طريقنا باتجاه "عين الدوّا" ، الواقعة وسط بيارة من الليمون، وشجيرات الصبار، وتحيط بها الكهوف التي يستخدمها رعاة الاغنام لمبيت مواشيهم أو للوقاية من الامطار.
وصلنا العين. المكان رائع محضون بين كتلتين جبليتين. بعد أن مررنا في طريق محاط بالسلاسل والأسيجة لحماية الأرض، وأول ما استقبلنا بناء قديم متهدم لم يبقَ منه الا جداران أحدهما فيه نوافذ والى يمينه بركة لتجميع مياه العين التي تستخدم مياهها لري أشجار الليمون، وكانت شجرة توت عظيمة تطل على النبع، والتي كانت تلمع اوراقها الصفراء مع تساقط اشعة الشمس عليها إضافة الى أشجار الليمون الرائعة.
كان المسار ممتعاً... فقد قطعنا فيه 14 كم.