مسارات فلسطين: تعزيز للهوية الوطنية والارتباط بالأرض
نشطاء مسارات فلسطين يتحدثون عن أثر المسارات على صعيد الحفاظ على الأرض، والارتباط بها، وعلى الصعيد الشخصي حفاظاً على الهوية والوطن، وتصدياً للاستيطان.
تتزايد المسارات في أرجاء فلسطين، وتتزايد معها أعداد المشاركين. فالفلسطيني في الحصار يبحث عما يفك أسره، أو يخفف عنه وطأة الاحتلال. يعاني أزمة الأسر في وطنه. كثر يرفضون التعايش مع الاحتلال كأمر واقع، يقاومونه، كل بطريقته، منهم من ينشط في عمليات مقاومة، ومنهم من يبحث عن سبل مقاومة متجددة، ومنهم من ينتظر.
كثيرون وجدوا في المسارات في أرجاء فلسطين، وعلى معالمها الطبيعية، والتاريخية، والبيئية ما اعتبروه شكلاً من أشكال المقاومة، فمن جهة يعزز واحدهم قدرته على الصمود باكتشافه الجديد من موطنه، وما فيه من ثراء، ومن جهة ثانية، يبقي على موقفه الوطني، والتماسك مع بقية أبناء الوطن، ساعياً لإسقاط ادعاءات العدو التي برر احتلاله بها.
يتحدث الناشطون عن تجاربهم، كل من منطلقه، إذ يرى الباحث البيئي خالد أبو علي- ساهم في تسليط الضوء على عشرات المواقع التاريخية، والأثرية، والدينية في فلسطين- في تصريح للميادين نت أن "المسارات الشبابية في السنوات الأخيرة تشق طريقها في فلسطين، يحفزها زيادة وعي المجموعات الشبابية بأهمية المحافظة على الأرض في وجه التوسع الاستعماري الإسرائيلي، وبات هذا النوع من السياحة الحديث نسبيا يحظى باهتمام قطاع واسع من الشباب، والمجتمعات المحلية والمؤسسات المختلفة".
وقال أبو علي الذي شارك مسار "إمشِ.. تعرف على بلدك"، إن "هذه المسارات تضيء التراث القديم للمناطق التي تعبرها، وتشجع على المحافظة عليها من خلال الترميم، ليتعرف عليها الزائر المحلي أولاً، ويقدر قيمتها، إضافة إلى خلق تنمية اقتصادية ريفية مستدامة من خلال بيوت الضيافة، وتسويق المنتجات الريفية، كذلك تعميق ارتباط الإنسان الفلسطيني بالأرض، وإطلاعه على التنوع الثقافي والإرث الحضاري لبلادنا، فهذه المسارات أنشطة ترتبط بالأرض، ومتصلة بجذور التاريخ، وبالهوية الوطنية الفلسطينية".
من فريق "موطني"، تحدثت الناشطة ماري عطالله قائلة: "انضممت إلى الفريق من أكثر من سنتين، تجولنا خلال المسارات مراراً في مناطق مختلفة من بلادنا الجميلة الرائعة، وكنا نتعرف على القرى المهجرة، وما يميز الفريق وجود دليل سياحي يشرح تاريخياً واجتماعياً عن المنطقة بمعلومات مفيدة، ومهمة لترسيخ التاريخ الفلسطيني في عقل، وقلب كل عضو من الفريق، إضافة إلى تعزيز روح الصداقة والأخوة التي تجمع بين كل اعضاء الفريق".
أذينة عباس، عضو في فريق "موطني"، أوضح أن إجراءات كورونا أبطأت أنشطة المسارات، وفصلت بين أبناء المناطق المختلفة من مقدسيين، ومواطني الخط الأخضر، والضفة، وغزة، وقال: "افتقدنا في ظل كورونا أعضاء الفريق المقدسيين، وبغيابهم افتقدنا كعك القدس، والإفطار التقليدي لأعضاء الفريق، كما افتقدنا أخواننا في الداخل الذين كانوا يصحبوننا متطوعين لتعريفنا بقراهم المهجرة والمدمرة".
شكلت المسارات مناسبة التقاء أبناء الوطن من أجزائه المقسمة عنوة بالاحتلال، ويقول عباس: "في كل مسار خلال الأسابيع الثمانية الماضية، التي كنا نخرج لها قبل الفجر، كان ينتظرنا دليل أو أكثر من أبناء القرية، يرافقوننا، ويزودوننا بالمعلومات، ويستضيفوننا أو يشاركوننا غداء نهاية المسار في حقولهم أو منازلهم. إنها مناسبات تحيي فينا العمق التاريخي لهذه الارض، وهذا الشعب".
مي عبد الحافظ اسماعيل المغثة- أستاذة مشاركة في علم الوراثة والبيولوجيا الجزيئية في كلية العلوم والتكنولوجيا بجامعة الخليل - تشارك في المسارات البيئية منذ ما يقارب العشر سنوات، تقول: "المسارات أنشطة مهمة لما لها من دور في تعميق وتقوية ارتباط الشباب بالأرض، بالإضافة إلى متعة القرب من الطبيعة بجميع مكوناتها النباتية، والحيوانية، والجيولوجية، والجغرافية، والمناخية ، وهذه المسارات تتيح للمشاركين، أيضاً، فرصة ممارسة الرياضة، واتباع نمط حياة صحي، والتفاعل مع آخرين من أصحاب الاهتمامات المشتركة، مما يغني خبراتنا في هذا المجال".
نعمان الأشقر، دليل رافق فريق "موطني"، قال إن "فكرة المسارات حديثة إلى حد ما، وهي تغيير للنمط الحضاري، فالغالبية يعتمدون على سياراتهم، ووسائل النقل للحركة، والترفيه، لكن موضوع المسارات أعاد توثيق صلة الناس بالأرض، وحبب لهم الحركة بصورة جماعية منذ عدة سنوات، وأنا أرافق المسارات كمرشد بمحافظة قلقيلية"، مردفاً أن "أغلب المجموعات أفرادها اجتماعيين، وناشطو فريق "موطني" تغلب عليهم البساطة، ويهتمون بالتصوير، وتوثيق الأمكنة التي يزورون، وتحرص المجموعه على كل المعلومات التي تتعلق بالموضوع تاريخياً، وطبيعياً، وبيئياً، وتدوينها، ونشرها، فأفرادها من مختلف التخصصات، وانسجامهم، ومرافقتهم أمر ممتع".
لانا عاصي -رئيسة وحدة العلاقات العامة والدولية في ديوان الرقابة الماليه و الإدارية- شاركت في المسارات البيئية منذ سنوات، تقول "مشاركتي في المسارات هي رغبة مني في اكتشاف أماكن جديده نجهلها في بلدنا، فتعززت معرفتي بالتنوع البيئي، وغنى طبيعتنا، كما زادت المسارات ارتباطي بالأرض، وقدرتي على مشاركة جمال بلادي مع الأصدقاء الوطنيين والدوليين".
على الصعيد الوطني رأت عاصي أن المسارات عززت فكره السياحة الريفية، وشجعت المجتمع بفئاته المختلفه للمشاركة تعزيزاً لارتباطنا بوطننا، وقرانا، وسهولنا، كما زادت من الشعور بأهمية حماية هذه الأماكن، وضرورة التواجد الدائم فيها لحمايتها من السرقه و الاستيلاء من قبل قطعان المستوطنين و الاحتلال". وتمنت الدعم الرسمي للمسارات بهدف تعميم فوائدها.
رمزي حجاجرة، مرشد ودليل سياحي، مرافق شبه دائم لمجموعة "موطني"، يقول: "ترافقنا بالكثير من المسارات في شتى مناطق الوطن الغالي، في الجليل، والجولان، والكرمل، والنقب.. غاراتنا تشهد لها دروب البلاد.. هضابها وسهولها.. جبالها ووديانها.. مطلات ساحرة، ومسارات تتناسب مع ظروف الطقس والفصول".
فيما علق الناشط عماد صافي بقوله: "من أروع الأيام هي التي نقوم بها بمسارات، نجوب قرانا، ومناطق بلادنا، حيث المتعة بجبالنا وودياننا وهوائنا ونتعرف خلالها على مناطق لم نرها، ولم نعرفها من قبل".
وتختم ربا عطا لله بعفوية قائلة: "كل مره أتفاجأ كم هي الأشياء الحلوة القريبة منا، ونحن لا نعرفها من جمال بلادنا، وطيبة أهلنا، وعمق تاريخنا، فكل مسار يجعلني أبدأ اسبوعي بنشاط، وأكمل الأسبوع مرتاحة، أنتظر المسار التالي متسائلة لماذا لم نفكر من قبل بهذه الأنشطة لنعرف بلدنا، ونعيش جمالاته، ونطلع على تاريخه للحفاظ عليه".