"مسارات الوديان": طمع إسرائيلي يضمّها لـ "صفقة القرن"
يواصل النشطاء الفلسطينيون مساراتهم، عابرين لمواقع فلسطينية مغمورة، ومنها ما يتعرض للاغتصاب، ومحاولات الضم للسيطرة الإسرائيلية. آخر مسارين لمجموعة "إمشي.. تعرف على بلدك، كانا في ارجاء "الجيب"، ووادي المكليك.
دخل الصيف الثاني بين تشرين الأول (أوكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر). جدد مسار "امشي.. تعرف على بلدك" نشاطه، وحركته الاستكشافية لما لم يعرفه عن فلسطين، ومواقعها، ومميزاتها سابقاً. بعد استراحة، وكأنه تحدٍ لحصار الكورونا، اختار مساراً صعب المسلك نحو وادي المكليك، رغم ما تحفّ به من مخاطر.
لكن جمال الطبيعة، المتركزة في التراكيب الصخرية، بألوانها المختلفة، والكهوف الرائعة، وفي أجواء صفاء السماء، في فترة تعرض المنطقة إلى منخفض البحر الأحمر الجاف، والمشمس، غلبت الجميل على البشع، والممتع على المخاطر، خصوصاً أن الفريق سبق له أن انطلق في هذا المسار من زاوية أخرى، وقد اختبر صعوباته ومخاطره.
غالباً ما يقود هذا المسار -إمشي.. تعرف على بلدك- الناشط أحمد الزاغة، الملقب ب"القبطان"، يتحدث عن المنطقة، والوديان لـ"الميادين نت"، ذاكراً أن "المنطقة عرضة لمحاولات الصهاينة السيطرة عليه، كما على جميع وديان الغور، وضمها ضمن "صفقة القرن"، والتي سيضمون فيها الأغوار، وما تحويه من كنوز تاريخية، وآثار، وحرمان أصحاب الحق الشرعيين منها"، مقدماً مثلاً عما شاهده وفريقه عند صعودهم في الجبل، ومرورهم على دوار مبني بنمط معماري من الحجر الطبيعي، متسائلاً عما "يرمز إليه هذا التشكيل البنياني”.
يتوقف الزاغة عند ذلك الموقع، مدركا أن الإسرائيليين سرقوا حجاره من مبنى تراثي قاموا بهدمه، ويتساءل: "هل يريدون اثبات انهم أصحاب الأرض والتراث والتاريخ ببنائهم هذا والذي سرقوا أحجاره من مبنى فلسطيني، أم أنهم يريدون أن يقولوا أنهم هم من يبني، ونحن من يهدم، وإننا لا نصون التراث؟!”
يمضي الزاغة متحدثاً عن المسار الذي بدأ والشمس لم تشرق بعد، والمشاركون حوالى الـ 50 في جو خريفي، رائع، ولطيف، مضيفاً: "صعدنا الجبل مسرعين، ومتجهين جنوباً، لنصل أعلى القمة مع شروق الشمس، فتنعكس أشعتها على صفحة البحر الميت في مشهد فني نادر، يتدرج مع الجبال الجرداء بلونها الأصفر، والخالية من أي شجرة، أو نبتة، ثم ننزل باتجاه الوادي”.
النزول لم يكن سهلاً فوق الصخور الناعمة، والملساء تحت تأثير جريان المياه عليها عبر آلاف السنين، مما استدعى المزيد من الحيطة، والحذر، بحسب الزاغة، قائلاً: "وصلنا الوادي فإذا به يحوي على كهوف محفورة في الصخر غاية في الروعة والجمال بالأشكال المحفورة، والتي تندمج مع زرقة السماء الصافية”.
بنهاية المسار الذي استغرق 12 كيلومتراً، غادر المشاركون المكان في مجرى الوادي بين صعود وهبوط وممرات حرجة، ويقول الزاغة: “استعنا بقبضات حديد معدة لتسهيل التسلق، إلى الزحف أو التزحلق على الصخر الناعم، مرة يكون صعبا وأخرى متوسط الصعوبة، بينما بدا أحد الكهوف الكبيرة، والرائعة، وقد حولها الرعاة مأوى لاغنامهم.
مسار الجيب
سبق مسار "المكليك" مسار "الجيب” إحدى قرى شمال غرب القدس التي تمتاز بوجود الكثير من الآثار البيزنطية والرومانية وغيرها، ويفيد الزاغة أن "مؤسسات مثل "رواق" تقوم بترميم هذه الآثار لإعادة استخدامها من المجتمع المحلي وهذه خطوة جيدة وفي الإتجاه الصحيح”.
ويذكر أن مسار الجيب كان قصيرا وبلغ حوالى 7 كيلومتر، حيث لاحظ أمراً مزعجاً وهو أن "الحرج الموجود في قمة الجبل، والذي هو امتداد للنبي صموئيل، والمقابل لقرية "الجيب"، قد تمت إبادته بتقطيعه، وسرقة أخشابه من قبل مجموعة مستهترة، خارجة عن هموم فلسطين وقضاياها، وتخدم أعمالها الاحتلال لما تعطيه من انطباع عن أن شعبنا غير متحضر، وأن الإسرائليين هم من يهتمون بالطبيعة”.
الإطلالة على السهل المواجه من المرتفعات المقابلة كانت رائعة جداً، ويظهر منها جبل صموئيل، وقرية بدو، ويقول الزاغة: "زرنا فيها مغارة كانت تستعمل معصرة للزيتون، وفيها طاقات متعددة، ولكني لم أعرف لماذا كانت تستخدم، وهذه المنطقة فيها مقابر متعددة ولا شك أن التخريب لحق بها، وتمت كتابة شعارات فيها”.
مر المسار أيضا بالبئر الدائرية (بركة جبعون) المحفورة في الصخر، والتي تعتبر، بحسب الزاغة، من الآثار التاريخية الهامة ويتم النزول له بواسطة 54 درجة، وعمر هذه البركة اكثر من 2700 سنة، وتعتبر من أهم الانجازات الهندسية في العالم القديم، تم اكتشافها من خبراء آثار أميركيين من جامعة بيتسبرغ سنة 1957.
ويردف قائلاً عن البركة أنه "تم ذكرها عدة مرات في التوراة منها كتاب النبي صموئيل، ومن ثم تنتقل للدخول في النفق المحفور في أسفل الصخر تحت الأرض من خلال درج حجري، ومنه نصل لنبع المياه في الأسفل، وكان يستخدم في تلك الأزمنة للتزود بالمياه، وخصوصاً خلال الحصار الذي كانت تتعرض له بلدة "الجيب”.
كذلك، توجد في المكان منطقة دائرية محفورة في الصخر، وتوجد فيها عدة فتحات، وحفر ويقال، بحسب الزاغة، نقلاً عن نظام المصري-دليل المسار- إنها "كانت تستخدم في صناعة النبيذ، والذي كان يمر بعدة مراحل فيها”.
المنطقة ذات إطلالة خلابة تم تطويرها حديثاً حيث تم تحديث السياج المحيط بالبئر، وإضافة المقاعد الخشبية، و"انتهى "مسارنا عند "بئر اعزيز"، وهي بئر ارتوازية، ولكن للأسف هو مهمل"، يختم الزاغة حديثه عن المسار.